شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

البحث عن الأسلوب

2022-09-24

ممدوح عزام

في كتابه "معارك نقدية"، كتب محمد مندور عبارة نقدية شديدة الغرابة، قال فيها: "إننا قد نقع على قصّة أو مسرحية تنتهي بهزيمة الشرّ وانتصار الخير، لكنّنا مع ذلك نحسّ بأن أسلوبها كان أسلوباً داعراً مدمّراً وقحاً يُسرف في المباذل". والملاحظة مثيرة للغاية، ولكنّها تضعنا أمام أسئلة كثيرة حائرة لا يُجيب عنها الناقد فيما بعد في كتابه، من خلال دراسة أسلوب تلك القصّة أو المسرحية التي يُشير إليها (وهو لا يُشير إلى أي واحدة)، فلا نعرف ما الأهداف الخيّرة، وما الأسلوب الداعر، ولا ما هي العلاقة في الكتابة الأدبية بين الوسائل والغايات: هل الغاية هي الهدف؟

الملاحَظ غالباً أن النقد العربي يزدحم بالنظريات، وينقل النظريات حول الأسلوب من الغرب والشرق، وهو أمرٌ طيّب، وفيه كثير من الفائدة للّغة العربية التي تفتقر للمناهج الحديثة في دراسة الأدب، بينما يعاني الأدب والأدباء من الإهمال والتخاذل في دراسة أساليبهم الشعرية والقصصية والروائية والمسرحية. ولعلّ عبارة محمد مندور التي أطلقها في الهواء، دون أن نعثر على تطبيقها النصّي، أن تكون واحدة من العلامات على مثل هذا الفقر التطبيقي في النقد. ولهذا فإن لدينا غنىً في المصطلحات، وفقراً في التطبيقات والأمثلة المستمدّة من الكتابة العربية. ويكفي أن نقرأ مقالة لعالم مثل ستيف أولمان، الذي يلخّص نظريات الأسلوب، كي نعلم معنى نظرية، إذ هي تستخلَص من النصّ ولا تُفرض عليه.

وبحسب الملاحظات التي يوردها أولمان، فإن دراسة الأسلوب لا تعني اكتشاف طبيعة المجاز أو الصور أو بناء الجملة لدى هذا الكاتب أو ذاك وحسب، بل تعنى بالإجابة عن سؤال: لماذا استخدم هذه الصور دون غيرها؟ وما علاقتها بالأفكار في نصوصه؟

فنحن لا نعرف مثلاً، في أدبنا العربي، ما هي السّمات الأسلوبية البارزة في أدب يوسف إدريس، بل ما هي السّمات الأسلوبية التي برع فيها زكريا تامر ووضعته في الصفّ الأول لكتّاب القصّة، لا في الأدب العربي وحده وحسب، بل في الأدب العالمي. وليست لدينا معرفة بالفرق الأسلوبي بين نجيب محفوظ، أو بهاء الطاهر، أو حنا مينة، أو هاني الراهب، أو الياس خوري. كما لا نعرف لماذا استحوذ أسلوب بعض الكتّاب على عالم القراءة، والذائقة الأدبية، في حقَب أو عقود من الزمن.

وفي الغالب فإن معظم أجيال القرّاء العرب يعرفون أسلوب همنغواي أكثر من معرفتهم بأسلوب الطيّب صالح. وقد تكون هذه الحاجة المعرفية أحد أسباب انعدام التواصل بين الأجيال العربية في حقل الأدب، فالقراءة التي تنوي المتعة قلّما تفيد في منح القارئ، وهو هنا قد يكون مشروعَ كاتب المستقبل، معرفةً وعلماً بأساليب الكتّاب.

تتصدّر كلمة "الأسلوب" حياتنا اليومية، ويكثر في حديثنا الكلام عن الضجر من أسلوب فلان، أو الإعجاب بأسلوب غيره، بل إننا قد نلتقي بمَن يقلّد أسلوب مَن يُعجَب بهم من الناس، في تركيب الجملة، وفي التعبير عنها بالإشارات. ومع ذلك فإن هذه المفردة هي واحدة من أكثر مفرداتنا غموضاً.

روائي من سورية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي