حبل آخر الهاربين

2022-09-26

عاشور الطويبي

حَسَكٌ تقذفه الريح

1

شمس سبتمبر تأتي مائلةً في الصباح الباكر.

أصوات العجّانة والعمّال المصريّين تملأ فناء البيت.

بومة الحقول الشهباء غارقة في الغياب العظيم

وطائر البوبشير يقطع الفضاء كأخبار عاجلة.

في المدى، قارب صيد صغير يلمع.

بحر صبراتة أرخى حبل آخر الهاربين من صحراء الخائفين

التفتُّ ناحية بيت الشاعر الجالس في الشرفة،

"لماذا لا يحمل في يده، كأس الشاي المعطّر بالمريمية

ولا تحادي همهماتُه أغنيات عبد اللطيف حويل؟!" يسأل البحر.

اهتزّتْ الأزهار البرّية

اهتزّت قليلاً صور العائلة على الحائط

حكاياتهم رنين أوتار آلة كونترباص

غناءٌ فزّاني يأتي من آخر الشارع

السُّكر عباءة من أكمامها يتقاطر الرقص

2

أضع طفولتي في مزهرية على يميني

أطبع مراهقتي على حِذاء رياضي

أتركها تركض في الشوارع والأزقّة حيرانة

ثم أُدخل يديَّ في جيبَي بنطلون باهت.

حسبي حَسَكٌ تقذفه الريح تحت شمس حارّة!

لا أدري أضحك أم أبكي في صباح بطعم البنادول

الشيخوخة صارت حقلَ شعير أشهب

فئران الحقل شربت كلّ الماء وأكلت خميرة الخبز

لم يتبقّ إلّا حنين يابس ونواح أخرس.

تنهض القُبّرات قبل الغداة

تحوم في البيداء عن أرواح وحشيّة

الأقدام العَجلى تأخذ الخيل إلى ساحة النص

لتشهدَ فزعة النسوة آنَ يشتدُّ بالأرض الألم.

السائر في النوم كالسائر في الحيرة، نسيان كاملٌ.

■■■

تحت عنّابها

حبيبتي مستلقية الآن.

فمي،

يدي،

والسموات السبع

في برزخ اللّذة.

أيّ فخامةٍ،

ورقة العطر في كأس الشاي

الخوخ ما أبغي كي تشتعل الرغبة

أريد أن أخلع ثوبي،

أركض بيداءَ الشهوة

أقضم ثدي السماء!

كيف ليدي أن تسقيك،

كيف لها أن تمسح النوم من على شعرك،

كيف لها أن تضغط برفقٍ على شفتك،

كيف لها أن تفتح بوابة غابتك

ولفمي أنْ يرتشف ما شاء من عسل؟

هي الهضبة المباركة ما ترى يا فارسُ،

فاركض بحصانك خبباً، خبباً.

كنْ رقيقاً على استدارة الرمّان.

النهر إذا سال، اضطجع على جنبٍ ولا تخف.

مكانك حيث يفيض النهر.

"هاته"

قالت واحمرَّتْ وجنتاها.

لأني لم آخذ من الشفةِ إلّا رجفتها،

لأني لم أترك من قبلتي إلّا شوقها،

لأني لم أدخل إلى غابتها إلّا على مهلٍ،

أتلذّذُ بالمقام الحميم.

أنهضُ،

يدي تقطرُ،

شفتي تقطر،

يا لعسلها!

أنهضُ،

لا أنهضُ

الجرّةُ مليئة بالعسل.

أنهضُ من تحت عنّابها،

السرير يترنحُ والبابُ ليس أمامي.

أنهضُ من تحت تلّةٍ فخمةٍ،

فرداً.

أنهصُ من تحت نهدها،

لا السماء سماء ولا الأرض أرض.

أنهضُ من تحت غلالتها،

لا الماء ماء ولا سجّادتي في مكانها!

شاعر ومترجم من ليبيا







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي