"شهود زمن".. شهادات عن 16 صحافياً عربياً وأجنبياً

متابعات الامة برس:
2022-10-19

غلاف الكتاب

الرباط: في كتابه الجديد «شهود زمن... صداقات في دروب الصحافة»، يقدم الكاتب الصحافي الموريتاني عبد الله ولد محمدي، شهادات عن صداقات ربطته بصحافيين من بلدان متفرقة عبر العالم.

يتضمن الكتاب، الذي قدم له الكاتب الصحافي إياد أبو شقرا، شهادات عن 16 صحافياً هم: روبرت فيسك، وعثمان العمير، وساداموري دايجي، وقصيّ صالح الدرويش، وكيم أمور، وبشير البكر، ودومينيك دِردا، وعبد الوهاب بدرخان، وسيدي الأمين، وسامي كليب، وحبيب محفوظ، ومحمد بوخزار، ومِدير بلاندوليت، ومحمد الأشهب، وعبد العزيز الدحماني، وحاتم البطيوي.

وكتب أبو شقرا أن القارئ يجد في «الكتاب الشيّق» لولد محمدي «عصارة تجربة متميزة» و«حكايات عن 16 صحافياً عرفهم عن كثب»، يحكي فيه عن «صداقات في حقل الصحافة امتدت منذ فترة التسعينيات واستمرت حتى الألفية»، لتلتقي دروبه، في هذا المشوار، مع كثيرين من روّاد الصحافة ونجومها، في الصحافة المكتوبة إلى الصحافتين التلفزيونية والإلكترونية.

ورأى أبو شقرا أن هذا «الكتاب – الوثيقة» هو «حقاً رحلة ممتعة مع عالم الصحافة» و«سجلّ توثيقي وشخصي ثمين لمسيرة مهنية تستحق التوثيق... والإعجاب».

بالنسبة لولد محمدي، فمن قدم شهادات عنهم، في كتابه الجديد، ليسوا هم كل الصحافيين الذين عرفهم ولن يكونوا الوحيدين، ما دام نهر الحياة جارياً، ففي كل يوم يضيف المرء صداقة جديدة ويتعلم درساً آخر»، يشير الكاتب في مقدمة كتابه الصادر عن منشورات المركز الثقافي للكتاب (بيروت - الدار البيضاء)، التي تحدث فيها عن تجربته والغاية من الإصدار الجديد، قائلاً: «توسعت معرفتي بالكثيرين من قبيلة الصحافيين، كلٌّ من موقعه. فتعلمت من مدرسة الميدان أموراً لم أكن لأعرفها لو بقيت حبيس وطني. تعلمت الاختصار من مراسلي (سي إن إن) وقت الحاجة إلى ذلك، وملء الفضاء لإشغال المشاهد وشده بقصة واحدة على مدى أيام، كما لو أن الأمر يتعلق بمسلسل أميركي. وتعلمت من مراسلي (بي بي سي) الإثراء والعمق في رواية القصة دون إنفاق موارد كثيرة في الميدان. كل الذين كتبت عنهم تقاطعت معهم سُبُلي، فعرفتهم عن قرب، وأردت أن أقدم مزيجاً يجمع بين البورتريه والملاحظات العابرة، لكنه يقرّب للقارئ نموذجاً للصحافة في أوج مجدها. نقلت بدايات وتجارب صغيرة أفضت إلى نجاحات كبرى، وإلى قصص تروي لحظات إنسانية عميقة الدلالة».

يقدم ولد محمدي لقطات كتابه «للجيل الجديد من الصحافيين»، مشدداً على أنها «تنتمي لجيل آيل للاندثار، ولو أن الروح التي تحرّكه يجب أن تبقى لأنها روح الصحافة، لا يمكنُ أن تغيرها سرعة التكنولوجيا ولا تدفقها العالي، فالقصة هي القصة مهما كان القالب الذي تأتي فيه». ثم يستدرك مخاطباً الصحافيين الشباب، ومن يعشقون مهنة الصحافة ويحلمون بممارستها: «قطعاً ستجدون في مسيرة هذا الجيل من الصحافيين الأفذاذ نموذجاً يُحتذى، وقيمة مضافة ستساعدكم في الإمساك بجوهر الصحافة، برسالتها الحقيقية، وكيف تتحول من مجرد تقنيات فنية ميكانيكية إلى مهمة نبيلة ذات طابع إنساني، قادرة على سرد قصة الإنسان، إنها كما يقول روبرت فيسك (وقوف على حافة التاريخ لتقديم شهادة غير متحيزة). تلك هي الصحافة التي يمكن أن نلمسها في سيرة بعض من التقيتهم طيلة مسيرتي المهنية، أحكي قصة بعضهم في هذا الكتاب».

يرسم ولد محمدي بورتريهات لمن قاسمهم دفء الصداقة ومتاعب المهنة. يقول، تحت عنوان «عثمان العمير... الرائي»: «بيني وبين عثمان العمير صداقة قديمة، تعود لأكثر من ثلث قرن. توطدت فصارت ثابتة وعميقة، قوامها قدرتنا معاً على قبول الخلاف وتجاوز الاختلاف، وتلك سجية مغروسة في طبع عثمان اكتسبها من حياته الطويلة العريضة الصاخبة، في بلاد الإنجليز».

تختلط المشاعر، فلا يملك القارئ إلا أن يتجاوب، حزناً أو فرحاً، مع الكاتب، حسب طبيعة المواقف التي تتجاور فيها العلاقات الخاصة وطبيعة التعاطي مع عدد من القضايا التي يجد كل واحد نفسه وسطها، متورطاً فيها. في حالة ولد محمدي، تبقى المفارقة مدخلاً لمزيد من توضيح الرؤية وتقريب الشخصية، موضوع الشهادة – البورتريه، يقول تحت عنوان: «قصيّ صالح الدرويش... المستكشف»: «قلت له ذات يوم: يا قصيّ، ما أظنك قادراً على الكتابة بشكل واضح ومنطقي عن موريتانيا. رَدَّ عليّ: لماذا؟، قلت: لأنك لم تعد تتابع، وهذا البلد تصدق فيه مقولة أحد الصحافيين الأجانب الذي صعب عليه فك رموز الطبقة السياسية وتعقيدات علاقات بعضها بالبعض الآخر، إذ لخص الأمر بأنه من الأفضل أن تكتب عن موريتانيا من خارجها، لأن الداخل في تفاصيلها مثل الداخل إلى السجن: مفقود».

يتوسل ولد محمدي، في شهاداته، سرداً سلساً، حسب ما تستدعيه المواقف التي ترتبط بكل شخصية من الشخصيات المعنية بالشهادة، يقول، تحت عنوان «محمد الأشهب... المبتسم»: «كانت التسعينيات قلب ثورة الإعلام العربي. فيها تمددت جريدة «الشرق الأوسط» إلى عواصم طبع جديدة، فانضافت باريس ومرسيليا وبرلين ونيويورك، وعلى خطاها انبثقت «الحياة» من جديد من موطنها الثاني والأخير، لندن، بعد حياة سابقة في بيروت. قررت «الحياة» أن تُطبع بالمغرب، وفتحت لها مكتباً في عمارة أنيقة. وبعد بحث مضنٍ عن صحافي يسلك بها الدروب وجدت محمد الأشهب رجلاً ناضجاً، خاض تجربة طويلة في الصحافة المحلية. لم يكن الأشهب من الصحافيين الذين يَجرون خلف الأخبار، فقد كانت تأتي إليه منقادة في عرينه، سواء كان ذلك في مقهى معتم أو في صالة فندق فخم. فشبكة علاقاته لا حدود لها».

حرص ولد محمدي، في تناوله للشخصيات، موضوع الشهادة - البورتريه، على أن يبرز جوانب خفية من علاقات الصداقة والتعاون التي جمعته بهم. يقول، تحت عنوان: «مِدير بلاندوليت... المحظوظ»: «قد يرى البعضُ أن الصحافيين يقتاتون على مآسي العالم وكوارثه، ولكن على العكس، إنهم يدفعون من عمرهم وعرقهم، لرصد جوانب غائبة من المأساة الإنسانية، يقدمونها للمتلقي، فتكون تلك هي شهادتهم على حافة التاريخ. ذلك ما فعله بلاندوليت. بدأ المغامرة من الرباط إلى نواكشوط، فقادته عملية التقصي بعد ذلك من موريتانيا حيث اختُطف الرهائن، إلى مالي التي يُفترض أنهم نُقلوا إليها، وصولاً إلى بوركينا فاسو حيث جرت المفاوضات. بعلاقاته الواسعة استطاع بلاندوليت أن يَبرز من بين جيش الصحافيين الإسبان الذي ظل يلاحق هذه القصة. خلال عمله مراسلاً في الرباط، التقى عدداً كبيراً من الشخصيات ومن المهنيين الذين ساعدوه على أداء عمله بشكل جيد، والتخلي عن أحكامه المسبقة كغربي، وفهم المنطقة بشكل أفضل وأعمق، ولا سيما منطقة الساحل. كنت أحد هؤلاء المهنيين الذين تعرف عليهم وتعامل معهم بلاندوليت. ساعدته في أعقد تغطية إعلامية قام بها على الإطلاق، فليس من السهل أن تتقصى قضية اختطاف الرهائن في الصحراء الكبرى. إذ إنه لدخول الصحراء لا بد لكَ من أهلها العارفين بمسالكها وأمزجتها المتقلبة».

يجعل ولد محمدي من «الإنساني» منطلقاً ومحركاً لشهاداته، ومن ذلك أن يكتب تحت عنوان «روبرت فيسك... رجل لا يتكرر»: «اقتنع فيسك بأن أقصى ما يستطيع الصحافيون عمله هو الوقوف على حافة التاريخ، كما يفعل علماء البراكين الذين يصعدون إلى فوهة البركان الذي يتصاعد منه الدخان، محاولين الرؤية من فوق حافته، فتشرئب أعناقهم وهم يحدّقون من فوق الحافة المنهارة، ليشاهدوا عبر الدخان والرماد ما يجري في داخله»؛ لذلك رأى أن الصحافة، أو على الأقل ما ينبغي أن تكون عليه الصحافة، هو «أن تراقب التاريخ وأن تشهد عليه، وأن تعمد إلى تسجيله بقدر ما تستطيع من الأمانة على الرغم من المخاطر والضغوط ونواقصنا كبشر».

وسبق لولد محمدي أن أصدر مؤلفات متنوعة المواضيع، مع خيط ناظم يختصر تجربة كاتبها، تتراوح بين الكتابة الإبداعية والتوثيق لتجربة غنية على مستوى مهنة المتاعب، بينها «تومبكتو وأخواتها - أطلال مدن الملح ومخطوطات» (2015)، ورواية «طيور النبع» (2017)، و«يوميات صحافي بأفريقيا - وجوه وانقلابات وحروب» (2017)، و«المغرب وأفريقيا: رؤية ملك» (2019). كما كانت له مشاركات في كتب جماعية، على غرار «الرسائل المغربية» (2016) و«الرسائل الخليجية» (2021)، فضلاً عن مساهمات في حقل الترجمة، على علاقة بتجربته الإعلامية التي حاور وجاور خلالها عدداً من قادة الدول، ومن ذلك ترجمته لمذكرات الرئيس السنغالي ماكي سال «السنغال في القلب»، من الفرنسية إلى العربية (2021).







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي