لماذا لم يشارك الوسط العربي في التظاهرة التي جرت في تل أبيب ضد الحكومة؟

2023-01-15

الشعور بخيبة الأمل الذي ينبع من الانقسام في الساحة السياسية زاد عدم رغبة الخروج في احتجاج مدني إلى الشوارع (ا ف ب)

في دولة طبيعية تطمح للحفاظ على الوضع القائم من العقلانية والمبادئ الديمقراطية مثل فصل السلطات، كان يتعين على العرب القدوم إلى المظاهرة التي جرت أمس في تل أبيب، في المقام الأول الأقليات والطبقات الفقيرة وعلى رأسها المواطنون العرب.

حسب العقل السليم، فإن كل مواطن يشعر بالمس بحقوقه، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي، كان يمكن أن يجد قاسماً مشتركاً مع المشاركين في المظاهرة التي كان شعارها الحفاظ على جهاز القضاء وعلى الديمقراطية. البيان الدراماتيكي لرئيسة المحكمة العليا، استر حيوت، الذي عبرت فيه عن تخوفها من تدمير جهاز القضاء والمس بحقوق الإنسان والمواطن، كان يمكن أن يوفر نفسَاً كبيراً داعماً للمتظاهرين في أوساط الأقليات وجعلهم يدركون أهمية الساعة التي يوجد فيها العرب اليوم في إسرائيل.

رغم ذلك، كانت مظاهرة أمس في تل أبيب، بما يشبه حملتها الترويجية في الأسبوع الماضي، خالية من المواطنين العرب، بكل معنى الكلمة. صحيح أن هناك ممثلين عن الأحزاب العربية مثل حداش – تاعل. وحتى إن رئيس “راعم”، منصور عباس، أصدر دعوة للمشاركة. إضافة إلى هؤلاء، ثمة نشطاء من منظمات اجتماعية مختلفة، كلفوا أنفسهم عناء المجيء. ولكن لا يمكن الحديث عن تجند جماعي ونشاط كثيف لجذب العرب إلى الميدان.

لا يدور الحديث فقط عن تنظيم حافلات وقوافل. يكفي فقط التفكير بالمواطنين العرب الذين يعيشون على بعد بضعة كيلومترات من مراكز التظاهر: اللد، الرملة، يافا وحيفا، والقرى العربية في مركز البلاد مثل الطيبة والطيرة وكفر قاسم وقلنسوة، التي بالنسبة لسكانها الذهاب إلى تل أبيب هو تقريباً أمر روتيني يومياً. الحديث يدور عن إمكانية كامنة لعشرات الآلاف.

عملياً، لم يحدث هذا. فـ”حداش” و”راعم” حزبان لديهما آلية ميدانية ممتازة. وتضاف إليها منظمات مجتمع مدني وجمعيات وسلطات محلية عربية، حتى إنها أرسلت في الأسبوع الماضي رسالة رسمية لنتنياهو حذرت فيها من تداعيات خطوات الحكومة المخطط لها ومن سياسة وزير الأمن القومي. كل هذه الجهات اكتفت بالتحذير وإصدار البيانات لوسائل الإعلام، وبدرجة أقل التجند للمظاهرة.

يجب التأكيد على أن المظاهرة ونسبة المشاركة فيها لم تثر أي نقاش جماهيري نشط في المجتمع العربي. هذا موضوع يعتبر كمسألة للنقاش في أوساط المثقفين، ليس أكثر من ذلك. أما إخراج الآلاف للتظاهر من المجتمع العربي فهي ليست مهمة بسيطة. في العقد الماضي، لم تسجل أي احتجاجات جماهيرية (باستثناء الاحتجاج ضد العنف في المجتمع العربي في تشرين الأول 2019).

الشعور بخيبة الأمل الذي ينبع من الانقسام في الساحة السياسية زاد عدم رغبة الخروج في احتجاج مدني إلى الشوارع. وتضاف إلى ذلك أحداث عملية “حارس الأسوار” في أيار 2021 وتداعياتها، مثل الثقة التي تضررت بشكل كبير، والاعتقالات الجماعية والأحكام التي صدرت مؤخراً ضد المتظاهرين (تم إرسال بعضهم إلى السجن لسنوات طويلة). كل ذلك زاد الخوف من مواجهة مباشرة، حتى لو تعلق الأمر بمظاهرة مدنية.

يضاف إلى ذلك كله عامل آخر، وهو الشعور بعدم الثقة في المجتمع العربي بالنسبة لكل مؤسسات الحكم في إسرائيل، بما في ذلك جهاز القضاء. المواطنون العرب لن يستطيعوا أن يهبوا للدفاع عن نصف الديمقراطية، الذي يمنحهم فضاء عمل مدني، لكنه يسحقهم كأقلية قومية. ويمكن العثور على أمثلة من ذلك في سلسلة طويلة من الأحكام، بدءاً بالمصادقة على قانون القومية ومروراً بالمصادقة على قانون لجان القبول وقانون المواطنة (عن تداعياته الإنسانية) وانتهاء بتجاهل عدم تطبيق قرارات تاريخية مثل إعادة المهجرين من إقرث وبرعم. وهذه أمثلة وحيدة لأسباب خيبة الأمل وعدم الثقة الذي يشعر به المواطن العربي تجاه جهاز القضاء والديمقراطية في إسرائيل، وكل ذلك دون مناقشة مكانة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذه هي المحكمة العليا نفسها والديمقراطية الإسرائيلية ذاتها التي عمقت الاحتلال وشرعنت سياسة النهب والتمييز والأبرتهايد خلال عشرات السنين.

وثمة قضية أخرى لا يمكن تجاهلها تتعلق بمنظمي المظاهرة ومن يؤيدونها، الذين كانوا حذرين جداً من أن لا يظهروا كمشاركين في مظاهرة لا يمكن أن تحتمل أجندتها كلمات مثل “إنهاء الاحتلال” أو “المساواة الكاملة للمواطنين العرب”. وتم استيعاب الرسالة القائلة بأن هذه الأقوال تضر بشرعية الاحتجاج وتوفر المواد لمن يعارضونه. وفي نهاية المطاف، وجدت صداها في المجتمع العربي. ما يحدث الآن يستهدف الدفاع عن الديمقراطية في إسرائيل اليهودية والصهيونية، وليس الدفاع عن الديمقراطية في إسرائيل. ليستمر الفرق الكبير.

 

بقلم: جاكي خوري

  هآرتس 15/1/2023







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي