خطواتٌ صغيرةٌ

2023-01-18

مصعب أبو توهة

ما تبقّى

انتهت المعركة وبقي الكثير،

بقيت ساعة يد على الرمل

تغطي عقاربها بقعُ الدم،

بقيت صورةٌ في جيب أحدهم،

صورة ُعائلة لن تعود مكتملة

بعد اليوم،

كسرةُ خبز لم يكملها،

أقسَمَ أن يضعها على نافذة

علّ طائراً ضالّاً يطفئ بها بذرة جوعه.

بقي الغبار على ثياب الهواء،

بقي الصراخ ملتصقاً بقطرات

لم تسقط بعدُ من الغيوم.

بقي الصمت مرتعشاً يملأ ببطنه المكوّر

ما تركته حوافر الخيل.

تهمس الشمس، ويسمعها البحر، تقول:

ليت النهار ما كان،

ليته ابتلعني الليل.

■ ■ ■

صور سرّية في المخيم

ورقةٌ صفراءُ على الأغصان الفتيَّة،

رياحٌ في الأزقة كسا الغبارُ عيونَها

تبحث عن بابٍ مفتوحٍ تدخلُه

لتجلس قرب مدفأة.

خطواتٌ صغيرةٌ في طريقها إلى المدرسة.

أحذيةٌ تفغرُ أفواهَها وأمعاءٌ خاوية.

تفتح الشمسُ عينيها على الأرض الناعسة،

والأطفال يرسمون باقي جسدها في الهواء.

يخيَّل للطفل الأخير في المسير أن الجبلين البعيدين

هما نهدا الشمس،

والثلوج عليهما هي حليبُها البارد لأطفال المخيم

عندما يأتي الصيف.

يرمي المسنُّ سيجارته في الشارع،

ودخانُها المحتضرُ يدخل سردابَ الماضي

بجانب جحر الفئران.

صوت بائع الخضار يلتمّ حوله الهواءُ التائه،

لا يشتري منه إلا فقراء آخر النهار

بعد أن تذبل البضاعة

عامل النظافة الأنيق يكنس ويغنِّي،

فَيُغْرِقُ صراخُ الأطفال العائدين من المدرسة غناءَه،

وتردُّ العاصفةُ ما كنسه إلى مكانه،

وتغطي سوادَ شعره ورقةٌ من جريدة حزبية

وضع فيها البائع فلافلَ لزبونه.

تتكئ الساعة على الحائط المتشقِّق

غيرَ عابئةٍ بما خطَّه الزمان على جبين المكان،

وكأنها لا تربطها به علاقةُ القلم بالورقة

أو عامل النظافة بمكنسته.

يرسل الطالب الجامعي نظره في سقف غرفته،

يُبقي النافذة مفتوحةً لتَطُلَّ جدرانُ غرفته على أسرار المخيم.

يتمنّى لو تأتي عاصفةٌ تُسقط الساعةَ ويتوقف الوقت،

لعل كتاب التاريخ يسْهُلُ عليه،

أو لعل التاريخ يصبح أجملْ

مع ضربةٍ من جناح فراشةٍ

أغوتها دقاتُ الساعة وحسبتها

زهرةً ترقص في الحقلْ.

■ ■ ■

ظرف بريد

ها هو يحطُّ في الصندوق القديم،

يشمُّ رائحةَ الصدأ تدغدغه بعضُ أوراق خريف

تحتمي من الثلج ومن هواءٍ يخدش ملابسها الجافة.

الظرفُ ينتظر من يفتحه.

هو نفسُه يريد أن يقرأ ما بداخله وبأي لغة يتكلم قلبه،

وأي يدين ستفتحه. هل هما ناعمتان؟

أم شّققهما طينُ الأرض؟ من يدري،

لربما ستفتحه يدٌ واحدة،

فاليدُ الأخرى قد تكون أوصلتها الساعي-القذيفةُ

إلى منبتها في الحرب الأخيرة.

كم سيفرح الظرفُ عندما يضعه صاحبُه

في كتاب داخل خزانةٍ بعيداً عن صوت

محركات الطائرات ومدافع لم تصدأ ساعةً.

شاعر من فلسطين







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي