بعد الصحافة... مواقع التواصل الاجتماعي تغدو "الحنجرة العميقة"

متابعات الامة برس:
2023-01-20

علاف الكناب

لندن: يستعين الكاتب والصحافي العراقي كرم نعمة، مؤلف كتاب "السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي"، الصادر عن دار «لندن للطباعة والنشر» في 624 صفحة، بجملة المفكر البريطاني أشعيا برلين الشهيرة «الحرية للذئاب تعني موت الأغنام»، ليصل إلى الفكرة التي يدافع عنها في متن هذا الكتاب بأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت الحنجرة العميقة بعد أن كان هذا الامتياز مقتصراً على الصحافة وحدها.

الكتاب على حجمه الكبير، يتوزع على ثلاثة فصول، تبدأ بالصحافة وأزمتها الوجودية، ومن ثم ما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي وشركات الإنترنت في فصل «الحقيقة القبيحة وما بعدها»، ويعرض في الفصل الثالث لعصر التلفزيون الذهبي.

يقول نعمة، «يميل الصحافيون إلى اعتبار أنفسهم مواهب فردية، مدفوعين بغرائزهم الجريئة، يجدون ويكشفون قصص الآخرين. بدلاً من ذلك يجب أن يفكروا في عملهم كعنصر واحد ضمن نظام شامل، لأننا كصحافيين لم نعد وحدنا في بناء غرف الأخبار وإعادة تسويقها».

ويرى أن المعضلة تكمن في الصحافيين الذين لا يعرفون من هم في العصر الرقمي، وما أهمية عملهم بين جيل الهواتف الذكية، ولسوء الحظ أن التاريخ نفسه عاجز عن تقديم دروسه لهم من أجل استلهامها! صحيح أن التاريخ قد أرخ لكل الإنجازات الصحافية في مدونته، لكن تلك المدونة على ضخامتها لا تقدم درساً في العصر الرقمي، إنها مدونة الحنين والمجد الآفل ليس إلا.

ويربط المؤلف، القارئ العربي، بأزمة الصحافة العالمية وما تواجهه، بمتابعة تداعيات الأزمة الوجودية «يشعر الصحافيون العرب أنهم ليسوا وحدهم يعيشون في كنف تلك الأزمة». لكنه في الوقت نفسه، يقترح على الصحافي إعادة اختراع مهنته وليس التخلي عنها، كما يحدث لنسبة كبيرة من الصحافيين الذين افتقدوا إلى الثقة بالمستقبل.

وهنا يقول المؤلف، «ما يحدث اليوم أننا كصحافيين نعزل أنفسنا في فقاعات آيديولوجية، وحكومية وتجارية، ونتعرض فقط لآراء الذين لديهم طريقة تفكيرنا نفسها. فعندما يدير الصحافي ظهره للأفكار المبتكرة، والخضوع لسيطرة الشركات والحكومات، فإنه سيجعل من الصحافة مقبرة لنفسه، مثلما يسهم في إبقاء مهنته راقدة في السوق المريضة».

ثم يعرض لتطور موقع «فيسبوك» والفضائح التي مر بها، ويرى أن «(فيسبوك) هي شركة تمثل الحقيقة القبيحة، وهي لا تكتفي بربط العالم، بل تهدف إلى حكم العالم، وتحقق في ذلك نجاحاً مضطرداً مع فشل الحكومات في مواجهتها، عندما نعرف أنها أكبر جمهورية افتراضية في العالم يسكنها أكثر من ثلاثة مليارات مستخدم».

وبشأن «تويتر»، يقول المؤلف إنه منصة تعاني من مشكلة المعلومات المضللة، ولا تكتفي بكونها منصة ممتازة لقراءة الأخبار والعثور على الآراء، لكنها تظهر أيضاً للمستخدمين خليطاً من المعلومات التي يمكن أن تكون مرهقة.

وينتقل نعمة، في مكان آخر، للحديث عن الشركات التكنولوجية الكبرى التي «باتت تحكم العالم وتسيطر على مشاعر المستخدمين»، مستشهداً بقول فيكتور ماير أستاذ تنظيم الإنترنت في «معهد أوكسفورد» عن تردي العلاقة بين المستخدمين والشركات الكبرى على الإنترنت و«عواقبها الوخيمة»، وهو تعبير قد لا يفي بالقلق المتصاعد حول خصوصية المعلومات الشخصية، فـ«الثقة دمرت والجميع يتحدث عن ذلك».

كذلك يستشهد بوصف الروائي الألماني غونتر غراس لمواقع التواصل الاجتماعي بـ«الهراء»، وتحذير الروائي الأميركي المعروف جوناثان فرانزين من تأثير «تويتر» على الحس الإبداعي العميق للكتابة. ويرى المؤلف، أن هذين الكاتبين يمثلان، بطريقة أو بأخرى، جانباً من المطبخ الإعلامي المشغول بإعداد وجبات متسارعة ومتنافسة بتصاعد مطرد بين الرقمي والورقي، مع إنهما يمثلان جيلين مختلفين تماماً، وهذا «ما يمنح كلامهما أهمية أن يكون في المتن وليس في الهامش».

ويذكر بالكاتب الأميركي بريت إيستون إيليس، الذي أنفق في السنوات الأخيرة في سياق أحاديثه مع نصف مليون من متابعيه في «تويتر»، وقتاً فاق بكثير الوقت الذي خصصه لروايته القادمة.

يبحث الكاتب أيضاً موضوع الحرية والكراهية السائدة على المنصات الرقمية، مستشهداً بوصف الروائي سلمان رشدي للعالم بأنه يعيش على وقع الكراهية المتصاعدة، وأن الناس باتوا يُعرفون أنفسهم بما يكرهون، وأن من خصائص العصر الحالي نمو نوع من الثقافة مقترنة بسياسات الهوية والطائفية، أطلق عليها اسم ثقافة الإقصاء بدافع الكراهية.

ويختتم كرم نعمة كتابه بالقول إن «الإعلام أصبح صناعة مختلفة كلياً، ولم تعد التعريفات القديمة تفي بالغرض، بل اختلف الأمر حتى فيمن يضع مثل هذه التعريفات، ولم يعد خبراء الإعلام يستحوذون على مساحة التنظير والتعريف، الجمهور سيسأل بعدها: من أنتم؟»، كما يستنتج في كتابه هذا، وهو الخامس له، أن «الأزمة ليست فقط بتخلي الحكومات العربية عن الصحافة، إنها أزمة عالمية تبدأ من الصحافة الأميركية، مع أن الرجال الأقوياء الذين وضعوا الدستور الأميركي كانوا يفضلون دولة بلا حكومة على دولة بلا صحافة».

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي