الانفجار الكبير قادم : الأجواء مشبعة بالبنزين والبلاد على حافة “انفجار عظيم” وعيدان الثقاب الإسرائيلية في تكاثر

القدس العربي - الأمة برس
2023-01-29

ثمة مواجهة كبرى قادمة ( أ ف ب)الناصرة - وديع عواودة - بعد العمليتين الفلسطينيتين في القدس المحتلة، غداة ارتكاب مذبحة إسرائيلية في مخيم جنين، واستمرار اعتداءات المستوطنين، في ظل حكومة صهيونية متطرفة واستعلائية وغير مسبوقة بعدوانيتها، تتصاعد حالة توتر وترقب تنذر بالمزيد من تصعيد خطير من شأنه أن يدفع البلاد لدائرة عنف دموية لا تقل خطورة من الانتفاضة الثانية، وربما أخطر. هذا ما يتنبّه له مراقبون إسرائيليون أيضاً، وإن كان معظمهم يقدم توصيفاً غير مكتمل، يغفل الحقيقة كاملة، ولا يشير بوضوح لكون الاحتلال والغطرسة الإسرائيلية هي مصدر الشرور.

بعد اقتحام مخيم جنين والعمليتين الفلسطينيتين، وفي ظل الأجواء المشبعة بالتحريض، يخشى من تصعيد المستوطنين اعتداءاتهم وارتكاب جرائم تشعل حريقاً كبيراً ربما يلتهم الخط الأخضر، ويصل أراضي 48، على غرار “هبة الكرامة” في مايو/ أيار 2021. هذه المخاطر، التي تنذر بفقدان السيطرة، وتلقي ظلالاً ساخرة على إسرائيل التي تزعم أنها الملجأ الأكثر أمناً لليهود في كل العالم، وعلى حكومتها التي ملأ وزراء فيها الفضاء بالوعيد والتهديد بتأديب وإخضاع الشعب الفلسطيني على طرفي الخط الأخضر، والآن تجد ذاتها أمام واقع صعب وأمام اختبار لن تخرج منه بمكاسب، ما دامت تتحدث بلغة العنف وتلوح بالبنادق وتبحث عن حلول أمنية، وتتجاهل ملايين الفلسطينيين تحت الاحتلال وقضيتهم الوطنية.

ومما يزيد خطورة وحساسية الأوضاع في الفترة الراهنة وجود وزراء إسرائيليين جدد عنصريين وغيبيين وبلا تجربة، أمثال وزير المالية والوزير الإضافي داخل وزارة الأمن المستوطن باتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي المستوطن المدان بالإرهاب إيتمار بن غفير، وغيرهم من وزراء ما زالوا يبحثون عن إرضاء جمهورهم ممن وعدوهم بكسر إرادة الفلسطينيين بضربة قوة سحرية واحدة.

كما تزداد احتمالات تكرار العمليات الفلسطينية نتيجة الإلهام والاقتداء بشهداء قاموا بعمليات ضد أهداف إسرائيلية خاصة ضد المستوطنين والجنود. هذه المخاوف دفعت رئيس حكومة الاحتلال لدعوة الإسرائيليين لعدم انتزاع القانون بأيديهم، والتصرف على عاتقهم، والتورط بعمليات انتقامية، مكررّاً اليوم تصريحات صدرت عنه في ليلة العملية في النبي يعقوب في القدس المحتلة، بأن الردّ الإسرائيلي سيكون قوياً سريعاً ودقيقاً.

ولابد أن إشارة نتنياهو هذه تأتي لأنه في قرارة نفسه يدرك محدودية القوة في التعامل مع الفلسطينيين في مثل هذه الأزمات، خاصة أنه خبر بنفسه عدة تجارب دموية، أولها يوم قرر السماح بفتح أنفاق أسفل الحرم القدسي الشريف، مما أدى لمواجهات دموية قتل فيها العشرات من الفلسطينيين والإسرائيليين في مواجهات عرفت بـ “أحداث النفق” عام 1996 في العام الأول من ولايته الأولى كرئيس وزراء. كما أن نتنياهو مطلع على تجارب مماثلة كثيرة، منذ عقود، ويعي أن القوة غير مجدية، ومن شأن استخدامها المفرط أن يعود كيداً مرتداً على إسرائيل، وهذا استنتاج توصل له ساسة مركزيون أمثال رئيس حكومة الاحتلال الجنرال الراحل أرئيل شارون، الذي عدّل توجهاته بعد بلوغه سدة الحكم عام 2001، وعندما سئل عن بحثه عن حلول غير عنيفة وعن قراره بفك الارتباط عن غزة، قال في إشارة لثقل المسؤولية ورؤية الصورة بشكل أوسع: “ما لا يرى من هنا لا يرى من هناك”. وهذا أيضاً دفع وزير الأمن الأسبق موشيه ياعلون، المؤيد اليوم للبحث عن تسوية سلمية مع الفلسطينيين بعدما كان يدعو لكيّ وعي الشعب الفلسطيني بالحديد والنار، والقول إن ما لا يتأتى بالقوة يتأتي بالمزيد منها، وهذا ما يدركه نتنياهو أيضاً اليوم.

بعد اقتحام مخيم جنين والعمليتين الفلسطينيتين، وفي ظل الأجواء المشبعة بالتحريض،
يخشى من تصعيد المستوطنين اعتداءاتهم وارتكاب جرائم تشعل حريقاً كبيراً ربما يلتهم الخط الأخضر.

عوامل التصعيد.. وعلى رأسها القدس

بعد المذبحة الإسرائيلية في مخيم جنين، التي اعتبرتها حكومة الاحتلال ضربة استباقية وقائية، وضرورة لـ “تفكيك قنبلة موقوتة”، وسط تشكيك عدد قليل من المحللين الإسرائيليين بهذه الرواية، يُخشى من مثل هذه الجرائم والحماقات الخطيرة التي يرتكبها مستوطنون لجانب الجيش تصبح الطريق بعدها للهاوية أو للانفجار العظيم قصيرة جداً، وهذا يعني تحقق توقعات قديمة بأن ينتهي تعنت إسرائيل إلى بلقنة الصراع (على غرار صراعات البلقان القومية الدامية)، وإدخال البلاد إلى حالة فوضى واحتراب، أو “حرب أهلية”.

وتزداد سيناريوهات الانفجار واقعية في لقاء عوامل قديمة ومستجدة، منها انسداد الأفق السياسي، ضعف وإضعاف السلطة الفلسطينية وشيطنتها، ورفض مجرد فكرة المفاوضات معها، رغم المواقف المعتدلة جداً لرئيسها، التطبيع العربي، وازدواجية معايير المجتمع الدولي، وانشغال العالم عن القضية الفلسطينية، والأهم قيام حكومة احتلال فاشية تمارس العنصرية بشكل سافر، وتمارس الاستعلائية العرقية بفظاظة، وتعلن رغبتها بالعبث بـ “برميل البارود” في محاولة تغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف، والتقدم الفعلي نحو تقاسم المكان والزمان في الأقصى، المعلم التاريخي الحضاري الديني الذي يوحّد الشعب الفلسطيني على طرفي الخط الأخر وفي العالم. وتتفاقم احتمالات وقوع انفجار كبير بسبب تديين الصراع، وانزياح أوساط إسرائيلية متزايدة نحو التدين، وتأييد تيارات صهيونية متدينّة وغيبية تتوهم بإمكانية استغلال الوضع الفلسطيني الداخلي، والتطبيع العربي والعالمي للانتقال من إدارة الصراع لحسمه بما يخدم أطماع ما يعرف بـ “أرض إسرائيل الكبرى”.

فلسطينيو الداخل وعودة الصراع للمربع الأول
إن تشكيل حكومة إسرائيلية عنصرية وفاشية، بمشاركة وزراء مدانين بالعنصرية والإرهاب، بالنسبة للفلسطينيين بمثابة إعلان حرب واستفزاز وتحرش، وهذا هو المزاج السياسي السائد حتى لدى فلسطينيي الداخل ممن قرروا مقاطعة الوزير بن غفير.

على خلفية الخوف من اندلاع نار كبيرة تطال أراضي 48، وتعيد الصراع للمربع الأول نتيجة اعتداء أو مذبحة جديدة، خاصة اعتداء يمس الحرم القدسي الشريف، كان وزير المساواة الاجتماعية عاميحاي شيكلي (الليكود) قد زار مدينة شفا عمر، والتقى رؤساء السلطات المحلية العربية، في نهاية الأسبوع الماضي، وكررّ على مسامعهم أن الحكومة الجديدة لن تمس بمصالحهم، وأن الحكومة السابقة لن تكون أفضل لهم من الحالية، ويبدو أن هذه رسالة تهدئة متعمدة من نتنياهو نفسه نقلها شكلي. ويبدو أنه بسبب الخوف من مثل هذا السيناريو، ومن تبعات ذلك، وفي ظل حملات التهويش الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية ضد الفلسطينيين، والدعوات المتصاعدة للانتقام وفرض العقاب الجماعي عليهم، دعا عدد من المراقبين الإسرائيليين اليوم حكومة الاحتلال للحذر من فقدان السيطرة والانزلاق لحالة فوضى دموية في طول البلاد وعرضها.

قرارات جديدة قديمة
واتخذ الطاقم الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) سلسلة قرارات عقابية رداً على عمليتي القدس، وهي لا تحمل جديداً، وتستنسخ قرارات سابقة تعتمد الأمن فقط، وتضمنت إغلاق منزل منفذ عملية القدس على الفور تمهيداً لهدمه، وحرمان عائلات منفّذي العمليات من الحق في مخصصّات “التأمين الوطني” ومزايا أخرى، وكذلك رفض منح بطاقات الهوية الخاصة بسكان القدس لعائلات منفذي العمليات. كما قرر المجلس الأمني المصغر تسريع وتوسيع نطاق منح تراخيص الأسلحة النارية للإسرائيليين مما يصب الزيت على النار، وتعزيز الإجراءات الأمنية في المستوطنات، وتعزيز قوات الشرطة والجيش لشن عمليات أمنية وحملات لجمع ما وُصف بالأسلحة غير المشروعة، وكل ذلك يجعل الأراضي الفلسطينية على صفيح أكثر سخونة.

وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم الأحد، إن حكومة نتنياهو السادسة لم تأت بقرارات لم تتخذها حكومة الاحتلال السابقة. كما قالت إنه رغم أن الجمهور الذي انتخب هذه الحكومة يريد أن يرى تغييراً فورياً، لكن يبدو أن هذا ليس مطروحاً، واعتبرت أن الامتحان الحقيقي لها سيكون في المدى البعيد. وسيتعين عليها دفع خطوات تسمح بالعمل بشكل مختلف وتضمن ردعاً أكثر جدية.

واعتبرت صحيفة “هآرتس” أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة “وجدت نفسها في بداية أزمة أمنية خطيرة”. وفي ظل تقديرات أمنية إسرائيلية حول تصعيد أمني في آذار/مارس المقبل، بسبب تزامن حلول شهري رمضان والفصح اليهودي تزيد أنشطة المستوطنين خلاله، أشارت الصحيفة إلى أن “جهاز الأمن يعمل هذا العام تحت إنذار بـ”انقلاب الجرة”، أي حدث دراماتيكي يقود إلى اشتعال واسع مثل انتفاضة ثالثة.

توافد مسؤولين أمريكيين للمنطقة
ورأت الصحيفة أن “عناصر الانفجار تتراكم تدريجياً في الميدان، وقالت إنه ليس صدفة أن إدارة بادين ترسل إلى هنا، خلال أسبوعين، قافلة جوية من كبار المسؤولين فيها. فإلى جانب القلق المبرر في واشنطن من محاولات الحكومة الجديدة لتغيير قواعد الديمقراطية في البلاد، الأمريكيين قلقون جداً من احتمال اشتعال واسع في الحلبة الفلسطينية.

ودعت “هآرتس”، في افتتاحيتها، نتنياهو للجم وزرائه العنصريين والمتطرفين، والتصرّف بحكمة ودون انفعالية، وتحاشي ما أسمته السقوط في الهاوية والتورط بانتفاضة ثالثة تكون أشد من سابقتيها، وهذا ما حذر منه محللها العسكري أيضاً عاموس هاريل وزميله آفي سخاروف في صحيفة “يسرائيل هيوم”، الذي حذر من التعويل على القوة فقط، علاوة على تحذيره من عقوبات جماعية تدفع جماهير فلسطينية واسعة لردود مقاومة للاحتلال.

تيارات صهيونية متدينّة وغيبية تتوهم بإمكانية استغلال الوضع الفلسطيني الداخلي،
والتطبيع العربي والعالمي للانتقال من إدارة الصراع لحسمه بما يخدم أطماع ما يعرف بـ “أرض إسرائيل الكبرى”.

وحتى صحيفة “يسرائيل هيوم”، المقربة من نتنياهو، بل تعتبر بوقاً له، حذرّت من أن “الحلبة الفلسطينية على وشك الانفجار، وهذا الوضع يتطلب من إسرائيل الدمج بين استخدام القوة بشكل مدروس، ضبط نفس وخطوات سياسية، من أجل لجم التصعيد.

وتابعت: “وهذا التحدي مطروح الآن أمام حكومة نتنياهو”، مؤكدة أن إسرائيل الآن أمام تحديات أمنية معقدة وقابلة للاشتعال أكثر من الماضي.

وتعتبر “يسرائيل هيوم”، على غرار جهات إسرائيلية أخرى، أن التخوف الفوري هو من موجة عمليات فردية، تسعى إلى تقليد النجاح الذي حققه منفذو العمليتين الأخيرتين في القدس المحتلة، وأن ينضم إليها التهديد الدائم بعمليات بتوجيه منظمات فلسطينية، إضافة لظاهرة الذئاب المنفردة، الذين يتحاشون الثرثرة على منتديات التواصل الاجتماعي، ولا ينتمون لفصيل معين، مما يحول دون قدرة مؤسسة الاحتلال الأمنية على رصدهم وإحباط عملياتهم قبل تنفيذها.

وترى الصحيفة أن “المطلوب الآن هو جهد أمني– سياسي معقد يستوجب وجود يد مستقرة على مقود القيادة الإسرائيلية. وبخلاف تقديرات أخرى رجحت أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن سيأتي من مصر للبلاد، غداً الإثنين، من أجل متابعة قضايا تتعلق بإيران والأردن والخليج ترجح “يسرائيل هيوم” أنه قادم من أجل “التأكد من أن إسرائيل لن تصاب بالجنون،

وخلصت للقول: “لكن على إسرائيل أن تستعين به من أجل إحباط تعليق التنسيق الأمني، الذي أعلنت عنه السلطة الفلسطينية يوم الخميس الماضي، في أعقاب ما جرى داخل مخيم جنين”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي