«فنانون متمردون»: سيرة ثلاثة رواد من التشكيل المصري

2023-01-31

عاطف محمد عبد المجيد

عن كتابه «فنانون متمردون» الصادر عن الهيئة المصرية للكتاب في القاهرة، يقول الكاتب الصحافي طارق الطاهر، إنه في الحقيقة ليس تحليلاً للأعمال الفنية للفنانين الذين كتب عنهم فيه، ولا لمدارسهم التي ينتمون إليها، بقدر التوقف عند سِيَرهم ومواقفهم وتكوينهم، وهي المكونات التي انعكست على إبداعاتهم ومواقفهم الصلبة طوال حياتهم.

يتحدث هنا طارق الطاهر عن الراحل محسن شعلان، واصفًا إياه بالطَّموح، وعن عصمت داوستاشي المؤرخ، وعن مصطفى الرزاز الأستاذ، مقسما الكتاب إلى جزئين، أولهما ما كتبه عنهم، وثانيهما لوحاتهم التي زينت الكتاب، وأضافت إليه قيمة أخرى. بداية يكتب طارق الطاهر عن محسن شعلان صاحب معرض القط الأسود، الذي لم يكن يريد، في أي لحظة، أن يحقق لنفسه أو لفنه نفعا، بقدر ما يملك طموحا تجاه الآخرين. كان شعلان يملك إصرارا شديدا في الوصول إلى كل ما يريد، محاولا تحقيق أحلامه التي هي جزء من أحلام الوطن، الطاهر يكتب هنا عن معارض شعلان، عن تجربته الفنية، عن محاكمته بعد سرقة لوحة زهرة الخشخاش، وعن محنة سجنه الأولى والثانية.

الكتب والمتاحف

كما ينشر هنا حوارا أجراه الكاتب مع شعلان بعد خروجه من السجن للمرة الثانية، وفيه سأله عن تجربة السجن، وعن سر سرقة اللوحة، وما الذي تعلمه في السجن، وما الذي يود أن ينساه، وما هي مشاريعه المقبلة؟ وفي حوار آخر سأله عن كيفية تكوين مكتبته، وأول كتاب اشتراه وماذا تضم مكتبته، وعن بروفات كتابه الذي خرج به من السجن، وماذا قرأ فيه، وهل المكتبة مهمة في حياة الفنان التشكيلي، وهل هناك اهتمام بالكتب في المتاحف. شعلان الذي شعر بالظلم مما وقع عليه، يرحل بعد خروجه من السجن بشهور قليلة بعد أن شعر بآلام في معدته. يرحل جسد شعلان، كما يقول الطاهر، لكنه يبقى بمواقفه وفنه وآرائه، فقد كان جزءا من ضمير أمته، وأعماله لم تنقطع، لأنه لم يكن فنانا فقط، بل كان ناقدا تشكيليّا وشاعرا وكاتبا، وكانت له رؤاه في تنشيط الحركة التشكيلية. ثم يُنهي الطاهر كلامه عن الراحل محسن شعلان بذكر قصيدة له يرى أنه لخص حياته فيها، إذ يقول شعلان:

« جندي في جيشك يا بلدي

وشرف الجندية شرفني طول العمر

جندي بخوذة في ميدان العمل

أفني حياتي عشان تدوقي العسل

حتى لو كان التمن

إني أدوق المر!»

صاحب إنتاج متميز

من شعلان ينتقل طارق الطاهر في «فنانون متمردون» إلى الحديث عن الفنان عصمت داوستاشي الذي ربطته به معرفة عميقة، ترسخت من خلال مشاهدته لمعارضه في القاهرة والإسكندرية، واصفا إياه بأنه يمثل بنية تركيبية مختلفة عن مجايليه إلى حد كبير، فهو لا يمتلك موهبة فنية فقط، بل هو أحد أهم من أرّخوا للحياة التشكيلية، وهو صاحب إنتاج متميز ووفير من الكتب والدراسات. الطاهر يقول إن وراء تكوين داوستاشي الفريد والموسوعي سر، هذا السر يتمثل في مكان وحيد وهو مكتبته الفريدة، وهي ليست مكتبة بالمعنى العادي، بل هي مكتبة ومتحف وسجل لوثائق الحركة الفنية التشكيلية، هذه المكتبة تضم مقتنيات في مختلف مناحي الثقافة، ويصفها داوستاشي بأنها متحف للفن الحديث. داوستاشي، مثلما يكتب طارق الطاهر، مغرم في لوحاته برسم الموالد الشعبية، بطقوسها وملابسها. هنا يؤكد طارق الطاهر أن ما كتبه لا يعطي داوستاشي حقه، بل هو يقدم ملامح من تجاربه المتنوعة في كتابة السيرة الذاتية، ومعارضه التي ترصد الأشخاص والأماكن، وكذلك دوره التوثيقي المهم الذي لا غنى عنه في التأريخ للحركة التشكيلية المصرية.

تجربة ثقافية ثرية

وبعد أن يتجول بنا طارق الطاهر في العالم الحياتي والفني لفنانين كبيرين كمحسن شعلان وعصمت داوستاشي، يأخذنا إلى ناحية أخرى، يحدثنا فيها عن فنان آخر هو مصطفى الرزاز، الذي يقول، في بداية كتابته عنه، إن الكتابة عن هذا الفنان لم تكن سهلة بالنسبة له، سواء أكان يحاوره، أو يشاهد معارضه المختلفة، أو يستمع إلى رؤاه في الفن والثقافة والحياة. كما يصفه بأنه يمتلك تجربة ثقافية ثرية، وله تجاربه الخاصة والمتفردة في تكوين الذات. الرزاز، كما يقول الكاتب عنه، يتميز بأنه نحات ورسام وجرافيكي ويجيد رسم الجداريات الكبيرة، وبنفسه يصف تجربته قائلاً إنه أصبح منفتحا بعقله وخياله لمعايشة العالم والكون، وما أثر في عمله الفني هو التمرد على القوالب والحدود المرعية، دافعا نفسه بلا حدود لتجربة الاكتشاف والدهشة. كان الرزاز دائما ما يسعده اللعب بالخامات والوسائط، واكتشاف البدائل الابتكارية في مراحل بلورة الفكرة وتجهيز قالب الطباعة وتحبيره وطبعه. أما عن تجربة الرزاز في هيئة قصور الثقافة فيقول طارق الطاهر، إن الرزاز قدم نموذجا للفنان المثقف عندما يرأس مؤسسة، أهمها الإحساس بأنه جاء ليقدم خبراته ولا يهمه التشبث بالكرسي، لذا فعل ما رآه متفقًا مع ضميره، هذا الضمير اليقظ هو الخيط الذي يربط بين إدارة الرزاز وفنه ومواقفه.

وبعد أن تجول بنا قلم طارق الطاهر في «فنانون متمردون» في حياة وفن ثلاثة من كبار الفنانين التشكيليين المصريين، يتركنا، في الجزء الثاني من كتابه، لنستمتع بمشاهدة لوحات هؤلاء الفنانين، ويعتبر هذا الكتاب معرضا متنقلاً ومحمولاً لبعض لوحاتهم ورسوماتهم التي أبدعوا في تشكيلها، وأفنوا معظم حياتهم في العمل عليها.

كاتب مصري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي