مع الذكرى السنوية للحرب.. هل تحسم روسيا معركة باخموت أم يساعد الغرب أوكرانيا على الصمود؟

متابعات - الأمة برس
2023-02-02

مشهد عام لباخموت بمنطقة دونيتسك، في 30 كانون الثاني/يناير 2023 (ا ف ب)

استفادت روسيا من فصل الشتاء لتعيد تنظيم صفوفها استعداداً لحسم معركة دونباس، بينما تنتظر أوكرانيا دبابات الغرب وأسلحته الأخرى لتعويض خسائرها، فهل تنجح موسكو في السيطرة على باخموت تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى للحرب؟

كانت الحرب، التي تصفها روسيا بأنها "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر"، قد بدأت يوم 24 فبراير/شباط 2022، ويدور الحديث الآن عن الاستعداد لمعركة الربيع بعد أن شهدت ساحة الحرب الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية فترة من الجمود فرضتها برودة الطقس القارس خلال فصل الشتاء.

الآن وقد اقتربت الحرب من نهاية عامها الأول، وكذلك يقترب فصل الشتاء من نهايته، يبدو أن طرفيها يستعدان لجولة جديدة من تكسير العظام حرفياً، ويتوقع أن يكون مسرحها الرئيسي إقليم دونباس المتاخم للحدود الروسية، حيث تسعى موسكو إلى السيطرة على مدينة باخموت التي تتمترس فيها القوات الأوكرانية.

روسيا تستعد لهجوم "كبير"

قال وزير الدفاع الأوكراني، الخميس 2 فبراير/شباط 2023، إن روسيا تستعد لشن هجوم كبير في أقرب وقت ممكن، مرجحاً أن يكون ذلك بحلول الذكرى السنوية الأولى للحرب، أي يوم 24 فبراير/شباط الجاري، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

إذ قال ريزنيكوف، إن موسكو حشدت الآلاف من القوات ويمكنها "تجربة شيء ما"، بحلول الذكرى السنوية الأولى للغزو، الذي بدأ فبراير/شباط العام الماضي، وسيصادف الهجوم أيضاً يوم "المدافع عن أرض الآباء" في 23 فبراير/شباط، والذي يحتفي فيه بالجيش الروسي كل عام.

ولتنفيذ هذا الهجوم المنتظر، قال وزير الدفاع الأوكراني إن روسيا حشدت نحو 500 ألف جندي، رغم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان قد أعلن تعبئة عامة لنحو 300 ألف جندي في سبتمبر/أيلول الماضي، قائلاً إنه ضروري لضمان "وحدة أراضي" البلاد.

لكن ريزنيكوف أشار إلى أن الرقم الحقيقي الذي تم تجنيده ونشره في أوكرانيا قد يكون أعلى من ذلك بكثير، وأضاف في تصريحات لشبكة بي إف إم الفرنسية، أنهم (الروس) أعلنوا رسمياً عن 300 ألف جندي، لكن عندما نرى القوات على الحدود وفقاً لتقديراتنا فإنها أكثر من ذلك بكثير".

الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قدم هو الآخر تقييماً عسكرياً متشائماً قال خلاله إن الوضع على الخطوط الأمامية في شرق البلاد يزداد صعوبة مع تكثيف القوات الروسية هجومها، بحسب رويترز.

وقال زيلينسكي في خطابه المسائي المصور: "لوحظت زيادة مؤكدة في العمليات الهجومية للمحتلين على الجبهة في شرق بلادنا. أصبح الوضع أصعب"، مضيفاً أن الروس يحاولون تحقيق مكاسب يمكنهم التباهي بها في الذكرى الأولى للحرب.

وعلى الرغم من صعوبة التحقق من أرقام القوات الروسية التي ذكرها وزير الدفاع الأوكراني، إلا أن هناك مؤشرات على أن الجبهة الشرقية تشهد بالفعل محاولات للضغط على القوات الأوكرانية على طول خط التماس، وبصفة خاصة حول باخموت وليمان، وهما مدينتان رئيسيتان في دونباس نجحت أوكرانيا في صد محاولات روسيا للسيطرة عليهما.

وتعتبر مدينة ليمان الاستراتيجية، وكذلك باخموت، الهدف الرئيسي للهجوم الروسي المتوقع خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بحسب الخبراء العسكريين والمسؤولين الغربيين.

ما أهمية معركة باخموت؟

كانت أوكرانيا، بدعم من الغرب وحلف الناتو، قد بدأت في تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض منذ بدايات شهر سبتمبر/أيلول الماضي، واستمر هذا التقدم الأوكراني، الذي أجبر القوات الروسية على الانسحاب من خاركيف ثم خيرسون، لكن النجاحات الأوكرانية في ساحة المعركة بدأت في التباطؤ تدريجياً منذ نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

هذه الانتصارات الأوكرانية، والتي تمكنت من خلالها من طرد القوات الروسية من مدينة ليمان الاستراتيجية، لم تكن لتتحقق دون تكثيف الغرب مساعداته العسكرية، ليس فقط العتاد والأسلحة الثقيلة، ولكن أيضاً المعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي تكشف الثغرات في الخطوط الروسية أولاً بأول، بحسب الرواية الروسية التي لا ينكرها الغرب نفسه.

إذ كان ألكيساندر دوغين، الذي يلقبه الغرب بأنه "عقل بوتين"، قد وصف الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية في خاركيف بأنه "ضربة مباشرة من الغرب ضد روسيا": "يعلم الجميع أن هذا الهجوم تم تنظيمه وإعداده وتجهيزه من قبل القيادة العسكرية للولايات المتحدة والناتو، وتم تحت إشرافهما المباشر. ولم يتم ذلك فقط من خلال استخدام المعدات العسكرية للناتو، ولكن أيضاً عبر المشاركة المباشرة لمخابرات الفضاء العسكرية الغربية والمرتزقة والمدربين".

على أية حال، جرت في النهر مياه كثيرة حتى أقبل فصل الشتاء وتجمد الموقف على الخطوط الأمامية إلى حد كبير، باستثناء الهجمات الجوية بالصواريخ والمسيرات التي تشنها روسيا في العمق الأوكراني، وتستهدف بالأساس البنية التحتية من محطات توليد الطاقة ومحطات المياه. وفي الوقت نفسه شنت أوكرانيا بعض الهجمات المتقطعة في العمق الروسي.

لكن يبدو أن روسيا قد بدأت تكتسب زخماً في ساحة المعركة، إذ أعلنت إحراز تقدم في شمال وجنوب مدينة باخموت، التي تمثل الهدف الرئيسي للقوات الروسية منذ شهور. وتشير مواقع القتال المعلنة بوضوح إلى تقدم روسي متزايد.

وقالت نائبة وزير الدفاع الأوكرانية، آنا ماليار، الخميس، إن القتال العنيف مستمر في شرق أوكرانيا، حيث تحاول القوات الروسية السيطرة على أراضٍ بالقرب من مدينة ليمان، وهي مركز لوجستي استراتيجي.

وكتبت ماليار على تطبيق المراسلة تيليغرام: "القتال العنيف يحتدم في الشرق. العدو يحاول توسيع نطاق هجومه في قطاع ليمان. يقوم بمحاولات قوية لاختراق دفاعاتنا"، مشيرة إلى أن القوات الأوكرانية تتصدى لخصم أكثر قوات وتسليحاً. وأضافت: "رغم تكبدهم خسائر فادحة، يواصل الغزاة الروس هجومهم في قطاعات باخموت وأفدييفكا ونوفوبافليفكا".

وكان زيلينسكي قد قال إن روسيا تشن هجمات في الشرق لا هوادة فيها، على الرغم من الخسائر الفادحة التي مُنيت بها، معلقاً على ذلك بأن موسكو تثأر من نجاح أوكرانيا في طرد القوات الروسية من العاصمة والجنوب الشرقي والجنوب في مرحلة سابقة من الصراع.

وأضاف: "أعتقد أن روسيا تريد حقاً أن يكون انتقامها كبيراً. أعتقد أنهم بدأوا ذلك (بالفعل)". وقال للصحفيين في مدينة أوديسا الساحلية الجنوبية: "كل يوم إما يجلبون المزيد من قواتهم النظامية أو نشهد زيادة في عدد قوات فاغنر".

وتقع فوليدار جنوبي باخموت، بالقرب من المكان الذي يحمي فيه خط المواجهة الشرقي خطوط السكك الحديدية التي تسيطر عليها روسيا، والتي تزود قوات موسكو في جنوب أوكرانيا بالمؤن والعتاد. وقال ميكولا سالاماخا، وهو كولونيل ومحلل عسكري أوكراني، لإذاعة (إن.في) الأوكرانية، إن هجوم موسكو هناك باهظ التكلفة.

وأضاف سالاماخا: "البلدة واقعة فوق ربوة، وأُنشئ مركز دفاعي شديد التحصين هناك… هذا تكرار للموقف في باخموت، تسحق القوات المسلحة الأوكرانية موجة تلو الأخرى من القوات الروسية".

الخلاصة هنا هي أن هناك توقعات متصاعدة بأن تبدأ روسيا هجوماً جديداً في الربيع، وهو ما يتفق معه خبير الشؤون الدفاعية في كتلة الاتحاد المسيحي الديمقراطي في البرلمان الألماني (بوندستاغ) رودريش كيزيفيتر، ويقول في حوار مع DW: "استغلت روسيا الشتاء للمضي قدماً في تعبئة الجنود وتوريد العتاد والذخيرة. وأوكرانيا لم تتمكن من تعويض خسائرها المادية".

هل تتمكن أوكرانيا من الصمود؟

تتوقف إجابة هذا السؤال على عدد من المتغيرات، أبرزها سرعة بدء الهجوم الكبير من جانب روسيا وسرعة إرسال الدبابات الأمريكية أبرامز والألمانية ليوبارد إلى أوكرانيا، إضافة إلى الطقس بطبيعة الحال، إذ لا يزال الجليد يطغى على الساحة المتوقع أن تشهد تلك المعركة الشرسة.

وتواصل روسيا قصفها الصاروخي المركز على شرق أوكرانيا، إذ قالت الشرطة الأوكرانية إن صاروخاً روسياً دمر مبنى سكنياً وألحق أضراراً بسبعة أخرى في مدينة كراماتورسك، مساء الأربعاء، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص وإصابة 20 آخرين.

وذكرت الشرطة أن صاروخاً من طراز إسكندر-كيه التكتيكي سقط الساعة 9.45 مساءً بالتوقيت المحلي (19:45 بتوقيت جرينتش)، وأضافت في منشور على فيسبوك: "تضررت 8 مبان سكنية على الأقل. دمر أحدها بالكامل. ربما لا يزال هناك أشخاص تحت الأنقاض".

وقتل ما لا يقل عن 44 شخصاً الشهر الماضي عندما أصاب صاروخ روسي مبنى سكنياً في مدينة دنيبرو بشرق البلاد. وكتب زيلينسكي على تطبيق المراسلة تيليغرام: "هذه ليست إعادة عرض للماضي، إنها الحقيقة اليومية لبلدنا، وهو بلد لديه شر مطلق على حدوده".

وبشكل منفصل، كتب زيلينسكي في تغريدة على تويتر: "الطريقة الوحيدة لوقف الإرهاب الروسي هي هزيمته. بالدبابات والطائرات المقاتلة والصواريخ بعيدة المدى".

لكن وزير الدفاع الأوكراني ريزنيكوف أكد أن قادة أوكرانيا سيسعون إلى "تحقيق الاستقرار في الجبهة والاستعداد لشن هجوم مضاد"، قبل التقدم الروسي المزعوم. وقال: "لديّ ثقة في أن عام 2023 يمكن أن يكون عام النصر العسكري"، مضيفاً أن القوات الأوكرانية "لا يمكن أن تفقد المبادرة" التي حققتها في الأشهر الأخيرة.

وزار وزير الدفاع الأوكراني فرنسا لإبرام صفقة لشراء أجهزة رادار دفاع جوي إضافية من طراز إم جي-200، والتي قال إنها "ستزيد بشكل كبير من قدرة القوات المسلحة على اكتشاف الأهداف الجوية، بما في ذلك الصواريخ المجنحة والباليستية، والطائرات من دون طيار من مختلف الأنواع".

تصريحات ريزنيكوف تأتي في الوقت الذي تزعم فيه المخابرات الأوكرانية أن الرئيس بوتين أمر قواته بالاستيلاء على نهر دونباس قبل نهاية الربيع.

لكن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، حذر قبل أيام من أنه لا توجد مؤشرات على أن بوتين قد قصر أهدافه العسكرية على الاستيلاء على المناطق الشرقية من أوكرانيا.

وقال ستولتنبرغ: "إنهم (القوات الروسية) يحصلون بنشاط على أسلحة جديدة، والمزيد من الذخيرة، ويزيدون من إنتاجهم، لكنهم يحصلون أيضاً على المزيد من الأسلحة من دول استبدادية أخرى مثل إيران وكوريا الشمالية".

وأوضح أن الأهم من ذلك كله، "أننا لم نر أي مؤشر على أن الرئيس بوتين قد غير هدفه العام من هذا الغزو، أي السيطرة على جار، والسيطرة على أوكرانيا. ومادام هذا هو الحال، فنحن بحاجة إلى الاستعداد لمواجهة طويلة الأجل".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي