«أشباح الحقيقة في السرد القصصي المعاصر»: وجهة نظر نقدية تتجاوز المألوف

2023-03-20

محمد عبد الرحيم

يبدو أن للناقد المصري مدحت صفوت وجهة مغايرة لما هو سائد في أغلب الأعمال النقدية الحديثة، يتجلى ذلك من خلال كتابيه السابقين «السلطة والمصلحة» 2017، و«صوت الغزالي وقرطاس ابن رشد» 2018. ويتأكد في كتابه الأحدث «أشباح الحقيقة في السرد القصصي المعاصر» 2022، حيث يبتعد عما هو نمطي وتقليدي، بداية من رؤية أو وجهة نظر نقدية مختلفة، إضافة إلى تطبيقها على 5 مجموعات قصصية مصرية حديثة، وبالتالي ابتعد صفوت عن الرواية ـ المجال الخصب للنقد مؤخراً ـ وحاول البحث تطبيقاً من خلال القصة القصيرة. وسنحاول في ما يتناسب وحدود المقال أن نستعرض بعض النقاط النظرية الواردة في الدراسة/الكتاب.

5×5

من خلال 5 نقاط أو (أشباح) يتم تناول 5 مجموعات قصصية تتقاطع وهذه النقاط، أو بمعنى أدق يتم الكشف عن هذه النقاط من خلال التطبيق على هذه المجموعات، وهي.. (البشر والسحالي) حسن عبد الموجود، (خمس ورقات) محمد العريان، (ست زوايا للصلاة) أميرة بدوي، (كلنا عبده العبيط) محمود فطين، و(النوالة) لهبة الله أحمد، وكلها مجموعات صدرت في الفترة ما بين 2017 و2022. وإن كانت فكرة الأرقام التي تتصدر الغلاف وتعلو العنوان الرئيسي للكتاب لها دلالة ما، إلا أنها تميل إلى كونها أكثر دعائية للعمل.

فكرة الشبح

يُشير صفوت بداية إلى مغايرة مفهوم الشبح المقصود هنا عن مفهوم الجن أو العفاريت، لكن المقصود هنا هو (الطيف) هذا الذي أكدته تكنولوجيا العصر الحالي، والتي تعد بدورها عبارة عن أطياف. لكن الأمر بدوره مُستمد من (دريدا) في كتابة «أطياف ماركس» الذي أكد من خلاله على وجود شبح يهدد أوروبا، هو (الشيوعية).

مفهوم الشبح في الكتابة

ومن هنا تصبح الذات المتكلمة في النص الأدبي، ليست هي الذات موضوع الكتابة، وليست ذات المؤلف، بل حالة من الوجود والطيف، بمعنى.. الحضور والغياب ـ حالة أو صورة أخرى من تفكيكية دريدا ـ فيكون البحث هنا عن هذا الطيف/الشبح/الغياب/ المُضمَر في النص. هذا الشبح بدوره يصبح حقيقيا من وجهة نظر الأدب، من خلال (الفردية) فصاحب النص/الفرد يتلو حقيقة (نسبية) وبالتالي لا يوجد مُطلق، فـ(الكل نسبي) وبالتبعية فالحقائق تتساوى، تصبح طيفا، ولا تتحقق إلا من خلال عدم وجودها، وهو ما أدى في النهاية بالوصول إلى (ما بعد الحداثة) وفق عدمية نيتشه التي قوّضت الحداثة/عصر الثقة في الذات، بمعنى.. الثقة في وجود ما يُسمى بـ(الحقيقة). ومنه يمكن حل التناقض الظاهري بين المفردتين/العنوان.. (الأشباح) و(الحقيقة).

الاستحضار الإنكاري

إضافة إلى رصانة البحث والتقديم النظري للمحاور النقدية، أو التي سيتم من خلالها تناول المجموعات القصصية، نأتي إلى أهم أفكارها، من خلال مصطلح (الاستحضار الإنكاري) الذي يكشف عنه صفوت ويستحضره، محاولاً التأكيد على إمكانية وجوده في مجال النقد الأدبي، الذي تكمن أهميته في تناقضه، بمعنى.. استحضار الموضوع لا للاحتفاء به، وإنما لدحضه وتفكيكه، ويكون الاستشهاد هنا بكتاب دريدا «أطياف ماركس» فماركس الرافض للأشباح يُضمّن بيانه الشيوعي هذه المفردة.. «هناك شبح يؤرق أوروبا، إنه شبح الشيوعية» فلماذا؟! وهنا يستخدم دريدا كلمة Conjurer التي تعني بالفرنسية المُناشدة والتجنب، أو استدعاء/الاستحضار والطرد/الإنكار، ليكشف دريدا عن التناقض الشكلي في موقف ماركس من الأشباح واللجوء إليها في الوقت نفسه في بيانه الشيوعي.

النصوص الأدبية

وبخلاف الأشباح الـ (5) التي طوّفت حول نصوص الدراسة تطبيقاً، وهي إجمالاً.. التفاصيل، الذاكرة، الأحلام والكوابيس، الأرقام، والتهكّم، نأتي إلى حالة التناقض الشكلي (الاستحضار الإنكاري) التي كشفها دريدا. فالمجموعات محل الدراسة ـ بنسب متفاوتة ـ تحتفي بالخرافة والحكاية الشعبية، وبالطبع شخوصهما، فهل هو احتفاء بالفعل؟ نجد الإجابة في النهاية، حيث يرى الناقد أن المجموعات القصصية تستحضر الميتافيزيقا لا للتسليم بها أو الاحتفاء ـ كما يبدو ظاهرياً ـ وإنما لتفكيكها وانتقادها من الداخل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي