المخرجة ليلى ربيع: كل ما في ذاكرتي عن سوريا مؤلم

2023-03-25

حوار: ماري إسكندر عيسى

اثنا عشر عاما على بداية الثورة، خسرنا الكثير من الشباب والأبرياء، وأجبر الملايين من السوريين على التوزع في أنحاء كثيرة من العالم. وجع لا ينتهي وقصص لا تعد ولا تحصى حول المأساة السورية في الداخل وفي المنفى، لكن هذه القصص يجب أن لا تنسى.

هذا ما أرادته ليلى ربيع المخرجة الفرنسية من أصل سوري وهو أن تروي حكاية الثورة في عملها المسرحي «عبور» من خلال الناجين السوريين المتوزعين في الشتات، الذين شهدوا الثورة السورية.

ليلى ربيع من الفرنسيين المهتمين بالثورة السورية منذ البداية، والمتابعين لأدق التفاصيل الصغيرة، أجرت أكثر من خمس وأربعين مقابلة مع السوريين الفارين من الحرب في كل من لبنان وفرنسا واليونان، لتقدم أعمالا فنية على المسرح في فرنسا منها «عبور» تعرّف من خلالها الجماهير الفرنسية بحقيقة ما يجري في سوريا، وفي نهاية عام 2022 قدمت للمرة الثانية عرضها المسرحي «عبور» في ديجون وعنه كان اللقاء معها..

لماذا اخترت المسرح؟

بدأت في دراسة الأدب لكنني شعرت بخيبة أمل كبيرة، قلت لنفسي: ليس هذا ما أريده، لذلك سرعان ما انطلقت لدراسة المسرح في ليون وباريس، وأدركت أيضاً أنني لا أريد أن أكون ممثلة، أردت أن أكون مخرجة، لذلك ذهبت إلى مدرسة الإخراج في برلين.

ولماذا برلين؟

اكتشفت برلين عندما كنت في السادسة عشرة من عمري مع التبادل في المدرسة الثانوية، كان ذلك مذهلا للغاية، ثم في ذلك الوقت في فرنسا لم يكن هناك تدريب على الإخراج، حدث أن التقيت في ديجون في مهرجان المسرح في مايو/أيار على خشبة المسرح بالمخرج الألماني المعروف توماس أوسترماير، حيث كنت أُترجم له ولفرقته، لأنني اتحدث الألمانية أيضا. في تلك اللحظة قررت الذهاب إلى برلين، وأجريت امتحاناتي هناك. عندما وصلت إلى هذه المدرسة في ألمانيا، فهمت واقع حياة المخرجين والمدرسين. لقد نجا جميع معلمي المسرح من ديكتاتوريتين، لقد ولدوا وعاشوا خلال الحرب النازية ثم عاشوا في ألمانيا واستمروا في المسرح كنوع من مقاومة سياسية مثيرة جدا للاهتمام.

واضح من أعمالك أنك لم تنسي سوريا رغم أنك ولدت بعيدا عنها في فرنسا، كيف تشرحين ذلك؟

هذا صحيح، لم أنس يوماً سوريا، الموطن الأصلي لأبي، إنها محفورة في مخيلتي ووجداني، رغم أنني ولدت في ديجون في فرنسا. كانت سوريا بالنسبة لي بلدا بعيدا جدا، كنت أسمع عنها من والدي، كانت لا تزال مثل سجن كبير وكانت خطيرة حقا. كانت لديّ صورة بعيدة جدا ومجزأة جدا عن سوريا. في عام 2005 كتبت رسالة الى المركز الثقافي الفرنسي في دمشق بهدف التواصل وإقامة ورشة ثقافية هناك، لكن ذلك لم يتم. منذ عام 2011 عندما بدأت الثورة السورية، كانت لديّ رغبة في اكتشاف الشعب السوري. كنت أرقب المظاهرات في كل أرجاء سوريا، وكيف يتم إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وأرقب ما يجري على الشاشات. لم أعد أنام، كنت خائفة على مَن بقي على قيد الحياة بسبب ذكرياتي الحزينة والمؤلمة عن القمع والخوف، أتذكر مدينة والدي حماة، وما حدث فيها عام 1982، أتذكر قصة رواها لي أقربائي من والدي كيف كان الجيش يوقف الحافلات وينزل الشباب ويقتلهم. للأسف كل ما في ذاكرتي عن سوريا مؤلم.

كيف جاءت فكرة العرض المسرحي «عبور»؟

منذ انطلاق الثورة في سوريا 2011، بدأت أتابع النصوص المكتوبة عن الثورة، شيئًا فشيئًا أدخلتها في عملي الفني، أولاً في قطعة صغيرة تسمى «رسائل سورية، رسائل من المنفى» حيث أتحدث عن حماة والمظاهرات، لقد عملت دائما على نصوص حية ومعاصرة. في عام 2014 وجدت نصوصا للشاب محمد العطار، كانت غير مترجمة، قمنا بترجمتها أنا وجمانة الياسري في عام 2015، بدأت العمل عليها، بدأت باتباع نهج وثائقي. منذ أيلول/سبتمبر 2015، بدأت في إجراء مقابلات مع سوريين في بيروت وفرنسا واليونان، لقد أجريت خمسا وأربعين مقابلة قبل إطلاق هذا العمل. كنت في لبنان عام 2018 أجري المقابلات حين قررت أن أعرض المقابلات باللغة العربية، كما تمت بالفعل في «عبور» كنوع من التوثيق.

وما هي رسالة العرض؟

كنت أريد أن يسمع الحضور من الفرنسيين ما يقوله المشاركون في العرض، كنت أناضل وما زلت، حتى يدرك كل العالم أن الثورة كانت من أجل حياة أفضل، من أجل الحرية والعدالة والمساواة، وليست من أجل الدولة الإسلامية، أو لتحديد شكل الدولة. لقد سمعت الأفراد يتناقشون في ما بينهم أثناء التحضير والتدريب، أدركت أن هناك العديد من السوريين الذين كشفوا عن نوع من الثورة داخل أنفسهم، كانوا يقولون: «مَن أنا، ماذا سأفعل؟ هل لديّ فرصة للبدء من جديد والحصول على الحرية». لقد أثر حجم التغيير في طريقة تفكير الناس نتيجة الثورة. إحدى الفتيات قالت وهي تجيب عن سؤال التغيير الذي حدث في داخلها نتيجة هذه الثورة «سوريا كانت سجنا حقا، إنها المرة الأولى التي أسافر فيها. في سوريا، لا يوجد حق العمل، في لبنان أنا أستطيع العمل وأنا حرة، أشعر بأني خسرت كل شيء لكني أيضا ربحت نفسي». لقد وجدت أن ذلك رائعا، لأنها كانت في وضع ميؤوس منه تماماً، لكنها تمكنت من الفوز بشيء اختارته. بالنسبة لي، أجد أن المنفى القسري هو أيضا فرصة للتحرر، وإعادة تكوين الهوية في مجتمع جديد هو أمر مهم وضروري للجميع، للاجئين وللمجتمعات الجديدة.

تقديم القهوة اثناء العرض، كانت حركة مؤثرة، أحبها الحضور، ماذا تعني لك شخصيا؟

كنا نحن الثلاثة أنا وفيليب وإيلي أثناء العرض في منتصف الطريق بين اللاجئين والجمهور الفرنسي. وهذا يعني أن لدينا ثلاثتنا قصصا عن الهجرة، لكنها ليست قصصنا بشكل مباشر، فنحن نروي قصة عائلاتنا لنحكي قصة اللاجئين. الهوية ليست خيارنا، لكن بناء الهوية أمر معقد ويحتاج لجهود مضاعفة من التفكير والتأمل والتكيف. القهوة كانت لتهدئة الأجواء من ناحية، ومن ناحية أخرى أردت تقديم شيء عن الضيافة في الشرق الأوسط، حيث تعني القهوة عندنا حسن الضيافة والترحيب.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي