الوريث الشرعي لعرش ميسي ورونالدو.. من هو "الروبوت الأشقر" الذي سرق أضواء الكرة العالمية؟

2020-02-19

إيريك بيتس *

في عصرٍ يشهد وجود أبطالٍ رياضيين ما زالوا يُقدِّمون أداءً رائعاً رغم تقدُّمهم في السن، مثل روجر فيدرر وتوم برادي وليبرون جيمس، قد يكون صعباً على مشاعرنا مجرد تخيَّل أنَّ العمر سيُجبِر أكبر نجوم الرياضة في العالم على الاعتزال في نهاية المطاف، لكنَّ ذلك سيحدث عاجلاً أم آجلاً. أي أننا في يومٍ من الأيام لن نجد ليونيل ميسي ولا كريستيانو رونالدو يلعبان كرة القدم. يا له من كابوس!

وحينئذٍ، سيكون أوان وصول لاعبين مميزين آخرين مثل إيدين هازارد وروبرت ليفاندوفسكي وهاري كين إلى عرش الأفضل في كرة القدم قد فات، إذ عاش هؤلاء اللاعبون جزءاً كبيراً من مسيرتهم الاحترافية، في ظل ميسي ورونالدو، مثلما كان حال لاعبين أفذاذ مثل روبين وريبيري ولامبارد وتشافي وإنييستا. وحتى نيمار، الذي لطالما وُصِف بأنَّه الخليفة المنتظر لميسي ورنالدو، يبدو أنَّ مصيره لن يختلف عن مصير سابقيه. لذا عندما يحين الوقت لظهور لاعبين جُدد في واجهة كرة القدم بدلاً من ميسي ورونالدو، سيبحث صانعو اللعبة عن ضالتهم بين اللاعبين الشباب. ظهر اثنان من هؤلاء الخلفاء المحتملين بالأمس، يوم الثلاثاء 18 فبراير/شباط، حين واجه كيليان مبابي لاعب فريق باريس سان جيرمان إيرلينغ هالاند لاعب بروسيا دورتموند، في ذهاب دور الـ16 من دوري أبطال أوروبا.

كان نجم مبابي يلوح في الأفق منذ تألقه اللافت مع فريق موناكو في موسم 2016-2017، لكنَّه قفز بسرعة الصاروخ إلى مصاف أفضل اللاعبين بتتويجه أفضل لاعبٍ شاب في بطولة كأس العالم التي أقيمت في العام التالي 2018، والتي قاد فيها المنتخب الفرنسي نحو الفوز باللقب وهو ما زال في التاسعة عشرة من عمره. كما أحرز مبابي 33 هدفاً في الموسم الماضي من الدوري الفرنسي دون أن يكون المُسدِّد الرئيسي لركلات الجزاء في الفريق.

وفي الموسم الجاري، ظهر هالاند -وهو لاعب نرويجي عمره 19 عاماً وطوله حوالي 183 سنتيمتراً- لمواجهة مبابي، مثل وحشٍ عملاق خرج من المياه على أطراف مدينةٍ مطمئنة هادئة. وبدأ هالاند الموسم رفقة فريق ريد بول سالزبورغ، مُحرِزاً 16 هدفاً في 14 مباراة في الدوري النمساوي في الخريف الماضي، كما سجل “هاتريك” في أولى مبارياته في دوري أبطال أوروبا، كما هز شباك فِرَقٍ لها باع في عالم الكرة مثل ليفربول ونابولي في البطولة ذاتها. ثم انتقل إلى دورتموند في فترة الانتقالات الشتوية، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، مقابل 60 مليون يورو. وفي مبارياته الثلاث الأولى سجل هالاند سبعة أهداف، من بينها مباراتان لم يشارك فيهما أساسياً حتى. وفي هذه اللحظة التي تكتب فيها هذه الكلمات سجل هالاند 11 هدفاً في 7 مباريات رفقة أسود الفيستفاليا، بمعدل 1.5 هدف في كل مشاركة. 

عزيزي القارئ، لا بُدَّ أنَّ تشعر بالرُّعب حين ترى ذلك الوحش النرويجي يهاجم دفاعات فريقك؛ فملامحه الاسكندنافية الشقراء وهيئته العملاقة ليست أشبه بشخصية “ثور” بقدر ما هي أشبه بمزيجٍ تتكدَّس فيه شخصية إيفان دراغو وشخصية روي باتي وكل شخصية شريرة جسَّدها الممثل كيفر سثرلاند في الثمانينيات من القرن الماضي. إذ قال لي شارب، لاعب خط وسط مانشستر يونايتد السابق، لمحطة Talksport: “إنه يبدو مخيفاً، سيكون من نوعية اللاعبين الذين سيضمهم يونايتد”.

وهو ما بدا أنَّه سيحدث بالفعل في يناير/كانون الثاني الماضي. إذ سعى مانشستر يونايتد، الذي يُعد في أمسِّ الحاجة إلى قوةٍ هجومية ونجومٍ مميزين بقوةٍ إلى التعاقد مع هالاند في الفترة التي سبقت موسم الانتقالات الشتوية الماضي، خاصة أن هالاند لعب تحت قيادة أولي غونار سولسكاير، مُدرِّب مانشستر يونايتد الحالي، في فريق مولده النرويجي. فيما لعب والده، آلف إينغ هالاند كرة القدم في إنجلترا طوال عقدٍ كامل. لذا كان من المنطقي للغاية أن ينضم هالاند إلى مانشستر يونايتد. وكان النادي سيدفع أي مبلغ مطلوب للتعاقد معه، وكان هالاند سيصبح الوحش الأشقر في الدوري الإنجليزي الممتاز على مرِّ الأعوام الـ15 عاماً المُقبلة.

لكنَّ ذلك لم يحدث، فسولسكاير سيُقال من منصبه إمَّا قبل نهاية الموسم أو بعد وقتٍ قصير من نهايته. وكذلك فمسيرة والد هالاند في إنجلترا معروفةٌ بعدائه مع لاعب خط وسط مانشستر يونايتد السابق روي كين، وقد نُقِل عن والد هالاند ذات مرة قوله: “إنني حقاً لا أحب يونايتد ولا يمكنني أن أطيق لاعبيه”.

ومن الأسباب الأخرى التي منعت إتمام الصفقة أنَّ إدارة مانشستر يونايتد الحالية تحب الأموال أكثر مما تحب الفوز، لذا قال النادي إنَّ السبب في فشل التوقيع مع هالاند هو طلبات وكيل أعماله مينو رايولا المبالغ بها. فيما يقول هالاند إنَّه فضَّل العرض الذي قدَّمه دورتموند لشرائه لأنه سيسمح له بالتطور.

فدورتموند هو المدرسة الأوروبية الأولى لصقل المواهب في عالم الكرة، كما أن هالاند سيلعب هناك مع أفضل لاعب شاب إنجليزي (سانشو)، وأفضل لاعب شاب مغربي (حكيمي)، وعدد كبير من المواهب الألمانية الواعدة، التي تدرَّبت على يد بعض اللاعبين القدامى الألمان والبلجيكيين. ومن بين أبرز خرِّيجي النادي روبرت ليفاندوفسكي، وبيير إيمريك أوباميانغ، وكريستيان بوليسيتش، وعددٌ لا يحصى من اللاعبين المعروفين الذين انتقلوا إلى أندية أكبر بعد ارتدائهم القميص الأصفر. وصحيحٌ أنَّ صعود هالاند سريعٌ ومباغت مثل أسلوبه، لكنَّه يصعد السلم الآن درجةً درجة. ولعلَّ انتقاله إلى دورتموند يعد بمثابة اعترافٍ منه بأنَّه ليس مصقول الموهبة بشكل كامل، لكن أهدافه وما يمارسه من أفعال فاضحة في دفاعات الخصوم مؤشرٌ نادر على التواضع في كرة القدم الأوروبية.

يبدو هالاند أشبه بروبوت مصمم لإحراز الأهدافٍ، وهو روبوت لا يُقهَر. فعندما تلقي نظرة على جسده وهو يركض تراه يحني ظهره لدرجة أنَّ رأسه وركبتيه دائماً ما تظهر متقدمةً عن بقية أجزاء جسده. بينما تُحلِّق ذراعاه الطويلتان في كل الاتجاهات وهو يلف جسده، ومن ثم يسدد الكرة. تشعر أن الجزء العلوي من جسده والجزء السفلي يحاولان تنفيذ مهمتين مختلفتين تماماً. ورغم أن توازنه رائع ومحكم إلى درجةٍ خيالية لكنَّه مُرتَجَل، إذ يبدو دائماً وكأنَّه يتأرجح في حالة عدم اتزان مثل الروبوتات، لكنَّ النتائج لا تقبل التشكيك، إذ يحتل هالاند المرتبة الثالثة في سباق الحذاء الذهبي الأوروبي إذا أخذنا في الاعتبار المعايير المختلفة لحساب نقاط إحراز الأهداف في الدوريات المختلفة.

كما أنه سرق أضواء الدوري الألماني وفاز بجائزة أفضل لاعبٍ في شهر يناير/كانون الثاني في الدوري الألماني، مع أنَّه لعب 60 دقيقة فقط طوال الشهر. وحين فشل في التسجيل أمام بايرن ليفركوزن في 8 فبراير/شباط الجاري، كانت هذه هي المرة الأولى منذ بداية الموسم التي يلعب فيها 90 دقيقة كاملة في مباراةٍ واحدة ولا يُسجِّل أي هدف. وفي مباراة دورتموند أمام آينتراخت فرانكفورت، يوم الجمعة الماضي 14 فبراير/شباط، أحرز هالاند هدفاً في الدقيقة 54 ليُسجِّل هدفه الثامن في أول خمس مباريات له، وهو رقم قياسي في الدوري الألماني.

وتجدر الإشارة إلى أنَّه يُحرز أهدافاً بغريزة الهداف الفطرية، وكأنه من مواليد منطقة الجزاء  مثل الهدف الذي أحرزه بمؤخرة رأسه حين لمح الكرة مُرسلةً في الهواء من ركلةٍ ثابتة. ويبدو أنَّه يحمل في رأسه مؤشِّراً لتحديد زوايا المرمى السفلية مثل لاعبٍ يُمسِك بذراع التحكُّم في لعبة FIFA ويعرف المدى المناسب للضغط على الزر من أجل تسديد الكرة في المكان المناسب. والأمر الأكثر إبهاراً من الطريقة التي يستخدم بها هالاند بنيانه الضخم لحجز المدافعين هو التوقيت المبكر الذي يفعل فيه ذلك، وهذا دليل على حُسن توقعه وقراءته للهجمات. إذ يمنع المدافعين من الوصول إلى الكرة حتى قبل أن يُدرِكوا أنَّها ستُشكِّل خطراً على مرماهم. ويبلغ ذروة سرعته، التي تشبه سرعة غزالٍ صغير بينما يكون المدافع ما زال يرفع من وتيرة سرعته.

وفي دورتموند، يحظى هالاند بزملاء في الفريق يمكنهم إيصال الكرة إليه حيث يحتاج إليها بدقة وبراعة فريدين. فأفضل لاعبٍ شاب إنجليزي، جادون سانشو (19 عاماً) بارع في تقديم التمريرات الحاسمة. وكذلك زميله الآخر أشرف حكيمي، المغربي البالغ من العمر 21 عاماً، الذي قدَّم ست تمريرات حاسمة في الموسم الجاري. فيما مرَّر زميله الثالث ثورغان هازارد، شقيق إيدين هازارد، تسع تمريرات حاسمة بالفعل حتى الآن. أي أنَّ هالاند لن يفتقر إلى نوعية المساعدة التي يحتاج إليها في هذه المرحلة من مسيرته. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّه ليس لاعباً متعدد الاستخدامات كما كان ميسي أو رونالدو في سنه، فنحن نميل إلى الاعتقاد بأنَّ أفضل المُهاجمين في العصر الحديث هُم أولئك الذين يمكنهم مراوغة المدافعين أو تبادل الكرة من حولهم ثم تسجيل الأهداف. وفي هذا الصدد، يُمكن القول إنَّ سانشو أكثر اكتمالاً من هالاند، ومن المرجح أن يُباع مقابل مبلغٍ أكبر حين ينتقل اللاعبان من دورتموند.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ مبابي أيضاً يُعد من بين هذه النوعية من اللاعبين. إذ يلعب كما لو أنه تربَّى في مختبرٍ أنشأه المديرون التنفيذيون لشركة نايكي على نظامٍ لقِّنه أبرز مهارات اللاعب السابق تييري هنري. فمبابي يُحرز الأهداف، لكنَّه كذلك يراوغ المدافعين ويمر منهم برشاقة، ويُمرِّر كراتٍ حاسمة تخلق فرصاً لزملائه في الفريق. غير أنَّ الشيء الأكبر الذي يعوق مسيرته الآن -بخلاف ظلال ميسي ورونالدو التي ما زالت تلوح في الأفق- هو قلة الاحتكاكات القوية التي يخوضها مع باريس سان جيرمان في الدوري الفرنسي. إذ يفوز الفريق بالدوري الفرنسي كل عامٍ بسهولة، لكنَّه يصطدم بحاجز دور الـ16 في دوري أبطال أوروبا ويودِّع البطولة. وفي النسخة الحالية من دوري الأبطال، يمكن أن يكون هذا الحاجز هو سانشو وهالاند ودورتموند، بعد فوزهم على الفريق الباريسي في مباراة الذهاب 2-1. 

ما زال هالاند يبلغ من العمر 19 عاماً فقط، وأمامه متسع من الوقت كي يطوِّر مستواه ويتحسن ليصبح أكثر اكتمالاً، ويُحسِّن قدرته على استخدام بنيانه للحفاظ على الكرة وصناعة الفرص لزملائه في الفريق، واستغلال خطواته الطويلة للضغط على مدافعي الفريق الخصم. وإذا لم يستطع فعل ذلك، سيُصبح الشيء الوحيد الذي يجعل سمعته تواكب سُمعة نظرائه الأكثر تنوعاً في القدرات هو الحفاظ على معدله التهديفي الخُرافي الحالي.

هناك العديد من الأشكال المختلفة للمهاجم، مثل الـ Target man أي مهاجم المحطة الذي يمتاز بالقوة البدنية ويلعب خارج الصندوق ويهيئ الكُرات لزملائه القادمين من الخلف. ويوجد المهاجم الوهمي الذي يتحرك للخلف ويصنع الهجمات للأجنحة المتحركة نحو مرمى المنافس. وهناك المهاجم الصياد الذي يتواجد دائماً في منطقة الجزاء ودوره الأساسي التسجيل وليس الصناعة.

هالاند خليط من كل ذلك، يتمركز بين الخطوط وينطلق للأمام، لديه عنصر إبداعي ارتجاليّ في طريقة لعبه، كما أن معدل تمريراته الحاسمة مرتفع، أضف إلى ذلك ضغطه المستمر على المدافعين.

ببساطة، يمكننا القول إن هالاند يمتلك كل شيء تريده في المهاجم الحديث، فهو مهاري، سريع، يسجل بالرأس والقدم، يخرج من الصندوق، وقوي بدنياً.

مهاجم متكامل يتحرك في كل مكان بالملعب، وهذا ما توضحه خرائطة الحرارية، يلعب في كلا الجناحين اليمين واليسار، يجيد تسلّم الكرات الهوائية، أنيق في تمريراته، سريع جداً يصعب اللحاق به، يسبب خطراً كبيراً على مرمى المنافس من أقل فرصة ممكنة. أضِف لذلك امتلاكه لقدم يسرى تطلق القذائف.

هالاند حالياً يمتلك أكبر معدل لإنهاء الهجمات في أوروبا، إذ تتجاوز نسبة تحويله التسديدات إلى أهداف حاجز الـ50%.

هالاند لاعب فريد من نوعه، يمتلك كل شيء في سن 19 فقط، وهذا يفسر لماذا يجب أن نعتبره أحد الخلفاء المحتملين لعرش ميسي ورونالدو.

* إريك بيتس صحفي في مجلة Slate الأمريكية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي