ركود كروي عالمي بسبب كورونا.. وهذه هي سيناريوهات المستقبل

2020-04-12

 

محمد رفعت

كاتب ومحلل رياضي

العد التنازلي بدأ، مبارتان فقط، مئة وثمانون دقيقة تكفي لإعلان عودة الدرع مرة أخرى لمدينة ليفربول، الأنفيلد رود على أهبة الاستعداد لليوم المنشود، المدينة مختلفة عن سابق عهدها. حتى الهواء مختلف عن المعتاد، والشوارع يسودها صمت وهدوء غير مألوف في أيام العطلة، صمت يختفي تدريجياً كلما بدأت بالاقتراب من “الأنفيلد رود”. ولأن المناسبة استثنائية، بعد قرابة ثلاثة عقود من الزمن، ليفربول أصبح قريباً للغاية من التتويج رسمياً بلقب البريميرليغ. الجميع في انتظار تلك اللحظة منذ سنوات طويلة، يا ترى كيف سيحتفلون بتلك اللحظة التاريخية، وبأي تذكار يخلدون ذلك التتويج المنتظر؟

إثارة لم تكتمل

بعد متابعة أخبار البريميرليغ، يستعد الفتى للرحيل، ينفق جزءاً من مدخراته القليلة ويستقل سفينة من بحر الشمال، رحلة في المحيط الأطلنطي، وفي الأخير تحط السفينة رحالها ليس ببعيد عن إنجلترا، هنا في إسبانيا، حيث الصراع يحتدم بين العملاقين “ريال مدريد ” و “برشلونة” على لقب الليغا، صراع لم يظهر على الساحة منذ بضع سنوات، لعبة الكراسي الموسيقية على قمة الجدول بين الفريقين أصبحت أكثر تنافسية عن ما مضى. اليوم ريال مدريد يتصدر الجدول والأسبوع القادم نجد برشلونة هو من يجلس على قمة الدوري وهكذا تجري الأمور كل جولة، كأننا على أعتاب إعادة لموسم 2006/ 2007 الذي حسم في آخر جولات المسابقة. 

ينطلق بسفينته مرة أخرى، هذه المرة في البحر البلياري، رحلة لم تتجاوز مدتها سابقتها الأولى، وينتهي به المسير في بلاد يوليوس قيصر وكليوباترا، هنا حدث فريد لم نشهده منذ 10 مواسم وبالتحديد منذ صراع روما وإنتر ميلان على اللقب الدوري، لم يشهد الكالتشيو صراعاً مثل هذا في جدول التدريب، لاتسيو يدخل في منافسة شرسة مع يوفنتوس، نقطة واحدة هي الفارق بين الفريقين، موسم تخلى عن رتابة المواسم السابقة، صراع في مقدمة الجدول، وآخر على المراكز المؤهلة للبطولات الأوروبية، ومعجزة أتلانتا مستمرة في كتابة سطور جديدة في زمن لم يعد يصلح للمعجزات، كل الشواهد تقول بأننا أمام نهاية دراماتيكية للموسم وربما أمام بطل جديد يكسر احتكار عملاق تورينو لبطولات الدوري.

هل يحرم ليفربول من معانقة المجد؟

نسخة معقدة للغاية من دوري الأبطال، الأدوار الإقصائية بدأت، مباريات قوية لا تُحسم إلا في أرضية الميدان وبانتهاء مباريات الذهاب والعودة. نسخة لم نشهدها منذ أوقات طويلة، جولة الذهاب انتهت، والجميع أصبح يترقب المباريات ولحظات الحسم، خاصة بعد نهاية الأسبوع الأول من مباريات الإياب والتي شهدت خروج ليفربول بطل النسخة الماضية على أرضية ميدانه من أتليتكو مدريد، وتأهل كل من باريس سان جيرمان وأتلانتا ولايبزيغ الألماني.

حرارة الجو بدأت في الارتفاع، تلاشت أجواء الشتاء قليلاً، والصيف أصبح على الأبواب، صيف مليء بالزخم، ينتظره جميع محبي الرياضة. هناك يورو 2020 بنظامها الجديد، يليها الحدث الرياضي الأكبر والتجمع الذي يرغب أن يشارك فيه كل رياضي في العالم، أولمبياد طوكيو 2020. تتوسط الحدثين كوبا أمريكا، النسخة التي تستضيفها الأرجنتين وكولومبيا، النسخة التي قد تشهد آخر مشاركات ليونيل ميسي مع منتخب بلاده.

ولكن فجأة أصبحنا أمام مباريات بدون جماهير في بعض الدول، ومن ثم لم يلبث الأمر طويلاً، لا مباريات، لا أهداف تهز الشباك، لا بطولات، انتهى كل شيء، أو بالأحرى تم تعليق كافة الأنشطة الرياضية في الدول الأوروبية. والإعلان عن تأجيل اليورو والأوليمبياد إلى العام القادم، فيروس بدأ في الصين، ثم تفشى في العالم أجمع كسرعة النار في الهشيم، مخلفاً وراءه الآف المصابين والقتلى، وبطبيعة الأمر كان له تبعات كبرى على الرياضة بوجه عام وكرة القدم على وجه الخصوص. وبدأت تنتشر الأخبار عن إصابة لاعبين ومدربين هنا، وإصابة أحد أفراد الطاقم الفني والإداري هناك. لم يقتصر الأمر على ارتفاع معدل الإصابات فقط، بل امتد وبدأت أخبار الوفاة في الظهور على الساحة لبعض اللاعبين القدامى ورؤساء الأندية أو أحد عناصر اللعبة المختلفة. كما دخلت بعض الأندية في إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا في الحجر الصحي. وبالتالي كان من الصعب استمرار أي نشاط رياضي في تلك الفترة.

وها نحن الآن أمام مفترق طرق، هل ننتظر حتى تستقر الأوضاع الصحية وبعدها يتم استكمال النشاط الرياضي مرة أخرى؟، وما هي سيناريوهات العودة بحيث لا تتداخل الأحداث المؤجلة مع جداول منافسات الموسم المقبل؟

أم يتم اتخاذ القرار الأصعب والذي يخشاه متخذو القرار والمسئولون عن الرياضة في العالم بإلغاء نتائج الموسم الحالي وتحمل الخسائر الاقتصادية الكبرى التي سيتعرضون لها، نظرة تفصيلية على تلك التساؤلات والمصير  المنتظر لكرة القدم هذا الموسم نحاول تقديمها لكم هنا.

من يدفع ثمن كورونا؟

يُقال إن الدين أفيون الشعوب، وهنا كرة القدم بمثابة الدين أيضاً، اللعبة الشعبية الأولى التي أصبحت تستحوذ على اهتمام الملايين من البشر، ليس من العجيب أن ترى ما يقرب من 700 مليون شخص على مستوى العالم يتابعون ديربي شمال غرب إنجلترا بين مانشستر يونايتد وليفربول، أو ما يقرب من 500 مليون شخص يتابعون كلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة، ذلك الانتشار هو ما تستمد منه كرة القدم قوتها وثروتها. انتشار ساعدها على جذب المستثمرين ووسائل الإعلام “البث التليفزيوني” وشركات الرعاية والمعلنين، ولكن ما مصير تلك الاستثمارات والإعلانات في حال استمر ذلك التوقف الإجباري؟

كرة القدم لم تعد تلك اللعبة الترفيهية التى ينتظرها الجميع في أيام العطلة، بل أصبحت صناعة توفر دخلاً للعديد من الأشخاص الذين لا يشترط بالضرورة عملهم في مجال الكرة. هنا أصبحت تجد المتاجر والمطاعم والحانات حول ملاعب الأندية معتادة على الأرباح في أيام المباريات؛ في إسبانيا على سبيل المثال عدد العاملين في الأنشطة المرتبطة بكرة القدم يقدر بـ200.000 عامل.

بالعودة للأندية مرة أخرى، نجد أنها تعتمد على نسبة ليست بالقليلة من أرباحها من خلال عائدات حقوق البث التلفزيوني والرعاية، بالإضافة إلى أرباح بيع التذاكر والحضور الجماهيري، ومع تعليق كافة الأنشطة الرياضية وعدم وضوح الرؤية المستقبلية لإمكانية استئنافها حتى الآن، تتلاشى تلك الأرباح ونجد الأندية تطالب لاعبيها بالتنازل عن نسب معينة من قيمة عقودهم للموسم الحالي بسبب عدم قدرة الأندية على تغطية كافة عقود اللاعبين ومرتبات العاملين أيضاً. هذه الأخيرة باتت تشكل صداعاً مزمناً لإدارات الأندية في الوقت الحالي.  

ولكن ماذا قد يحدث إذا استمر الوضع الحالي عدة أشهر قادمة أو بالأحرى إذا تم إلغاء المسابقات الكروية والرياضية هذا الموسم؟

أشارت رابطة الدوري الإسباني إلى أن الإلغاء سيكلف الليغا ما يقرب من 600 مليون جنيه إسترليني. بينما في إيطاليا، تتراوح الخسائر من 700 مليون إلى مليار جنيه إسترليني. وفي ألمانيا سيتكبد الاتحاد خسائر قيمتها حوالي 800 مليون جنيه إسترليني.

في إنجلترا، سيخسر البريميرليغ ما يقرب من 765 مليون جنيه إسترليني من عائدات البث التليفزيوني فقط، كما تتوقع الأندية خسائر أخرى في أرباحها قد تصل إلى 40 مليون جنيه إسترليني للنادي الواحد. مانشستر يونايتد وحده يحقق أرباحاً تتخطى الـ100 مليون جنيه إسترليني من المباريات التي يستضيفها على مسرح الأحلام، أما أرسنال فيحقق أرباحاً من استضافة المباريات تصل إلى 94 مليون جنيه إسترليني.

هنا تكمن المشكلة الكبرى، والتي تخشاها الأندية في مختلف البلدان الأوروبية، أن تلك الخسائر المالية لن يكون تأثيرها هذا الموسم فقط، ولكنها بكل تأكيد ستضرب كل خطط الأندية في الدخول لسوق الانتقالات وتعزيز تشكيلاتها في الموسم القادم.. كيف لناد يطالب لاعبيه بالتنازل عن جزء من مستحقاتهم المالية وبعد أشهر قليلة يدخل سوق الانتقالات وينفق الملايين؟

من يمتلك حل العودة المستحيلة؟

متى يمكن أن تعود كرة القدم مرة أخرى، وما هي سيناريوهات العودة؟

بعد تأجيل يورو 2020، أولمبياد طوكيو لصيف العام القادم، لإتاحة الفرصة هذا الصيف لإنهاء كافة البطولات المحلية، ولكن بعد قرارات الأخيرة من الرابطة الإنجليزية للمحترفين والاتحاد الإيطالي عن تأجيل الدوري لأجل غير مسمى لحين تحسن الأوضاع في العالم، هل حقاً هناك فرصة لاستكمال الموسم الحالي؟ بالنسبة للاتحاد الأوروبي هناك رسالة واضحة مفادها “نحن نريد استكمال بطولتي دورى الأبطال واليوروبا ليغ”، ومن هنا تم التفكير في إقامة المباريات المتبقية بنظام مباراة واحدة وخروج المغلوب، على أن تقام جميع المباريات في مكان واحد، تركيا تستضيف المباريات المتبقية من دوري الأبطال، وبولندا تستضيف المباريات المتبقية من الدوري الأوروبي، كما تم بالفعل تحديد نهائي دوري أبطال أوروبا يوم السبت الموافق 27 من شهر يونيو/حزيران، بينما سيقام نهائي الدوري الأوروبي قبل 3 أيام في 24 من نفس الشهر، وذلك كمواعيد مبدئية لختام البطولتين في حالة استقرار الأوضاع.   

تأجيل أولمبياد طوكيو 2020

الوضع بالنسبة للبطولات القارية يبدو أكثر سهولة من البطولات المحلية، فالوضع هنا أكثر تعقيداً، كثرة عدد المباريات المتبقية، نظام الصعود والهبوط، والسؤال الأهم بطبيعة الحال، هل تمتلك الدول الأوروبية رفاهية بالفعل لإقامة مباريات كرة القدم بعد شهر من الآن .

من هنا خرجت عدة اقتراحات، بالتحديد من إنجلترا، أحد الأندية اقترح أن تقام باقي جولات البريميرليغ خارج إنجلترا، في الصين على وجه الخصوص بعد خطواتها السريعة في علاج أزمة فيروس كورونا، بالطبع اقتراح قوبل بالرفض الشديد من مسؤولي باقي الأندية.

اقتراح آخر، ماذا عن استكمال باقي جولات البريميرليغ على نفس نظام كأس العالم، استقبال الفرق في فندق أو اثنين في إحدى المدن، وإقامة المباريات في ملاعب محايدة بدون جماهير، كل 3 أيام مباراة، الأمر كله يحتاج 3 أسابيع فقط لإنهاء الموسم، ولكن هنا الأمر أيضاً مرهون بمدى تحسن الأوضاع الحالية والصحة العامة.

ولكن مع كل هذه الاقتراحات لعودة النشاط، يظهر سؤال فني: هل يستطيع اللاعبون العودة لممارسة كرة القدم بعد هذا التوقف الطويل والعزل الإجباري في بيوتهم؟

إيطاليا قد تمتلك حل العودة

“عدم وجود بطل للدوري هذا أشبه بالشيء المميت، ونحن لا نريد ذلك”.

هكذا تحدث “غابرييل غرافينا” رئيس الاتحاد الإيطالي عن إمكانية إلغاء الدوري هذا الموسم، إيطاليا تعتبر من أكثر الدول التي تعاني من فيروس كورونا.. غلق كامل للمدن الإيطالية، أعداد وفيات وإصابات ضخمة للغاية، ولكنها مع كل هذا من أكثر الدول التي تصر على استكمال موسمها المحلي.

وبالعودة لتصريحات غرافينا للإعلام الإيطالي، يمكن القول إن أكثر طريقة عادلة لاتخاذ قرار بشأن الدوري هي من خلال إنهاء الدوري بناءً على الترتيب الحالي، الأمر الذي سيجعل يوفنتوس يرفع سكوديتو التاسع على التوالي، لكن هذا لا يروق بكل الأحوال لمالك لاتسيو، لوتيتو، الذي يسعى جاهداً لاستكمال الكالتشيو، حيث يوجد الفريق في المركز الثاني بفارق نقطة واحدة فقط عن يوفنتوس. لم يصل لاتسيو لهذه المرحلة من المنافسة على السكوديتو منذ 20 عاماً، قرار سيشهد أيضاً على هبوط ليتشي للدرجة الثانية على الرغم من أنه تفصله ثلاث نقاط فقط عن المركز 14، بعد أن فاز الفريق مؤخراً بثلاث مباريات متتالية.

لاتسيو خلف اليوفي بنقطة

الآن نحن أمام 3 اقتراحات موضوعة على طاولة الاتحاد الإيطالي للنقاش قبل اتخاذ القرار المنتظر:

إنهاء الموسم على جدوله الحالي، ولكن بدون الإعلان عن بطل للدوري، ولا تحديد هابطين، الأمر الوحيد هو إعلان الفرق المتأهلة للبطولات الأوروبية من خلال ترتيب الجدول.

ثاني الاقتراحات وهو الذي يراه “غرافينا” عادلاً هو إنهاء الموسم وإعلان البطل والفرق الهابطة للدرجة الثانية، والأخرى الصاعدة للدرجة الأولى من خلال جدول الترتيب الحالي.

آخر الاقتراحات يشمل إقامة مباريات فاصلة على لقب الدوري، والفرق الهابطة. ولكن هذا الاقتراح يعتبر واسع الاختيارات نوعاً ما، ففي سباق اللقب، هل تقام مباراة فاصلة بين يوفنتوس ولاتسيو على أرض محايدة، أم تقام مباراتان ذهاباً واياباً. وفي هذا الشأن أيضاً يرى البعض أن فرقاً مثل إنتر وأتلانتا كان لديها بعض الحظوظ في الظفر باللقب. هنا يمكننا القول بأن دورة رباعية على لقب الدوري ستكون الوسيلة الأكثر عدلاً، ونفس الدورة يمكن تطبيقها في صراع الهبوط. 

في النهاية يبدو الأمر معقداً للغاية حتى الآن، خاصة أن فيروس كورونا ما زال يواصل انتشاره في العالم، والحكومات، والهيئات الرئاسية، ليس لديهم أدنى فكرة متى سيتم احتواء الأمر. في نهاية المطاف، قد يكون الحل الأمثل هو تأجيل الموسم الحالي حتى موعد يمكن استكماله بالشكل الطبيعي وبحضور الجماهير أيضاً، ولكن إلى متى يستمر هذا التأجيل؟

وماذا عن تداخل الموسم الجاري مع مواعيد المواسم القادمة؟

تبدو فكرة العيش بدون كرة القدم بشكلها المعروف من تنافسية وحضور جماهيري إلى أجل غير مسمى فكرة محبطة لكنها واقعية نظراً لما يواجهه العالم الآن، ووضع كل شيء على الجليد “كما يقول الإنجليز” حتى نهاية تلك الفترة يبدو الحل الأمثل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي