السفن الغارقة تعمل كشعاب مرجانية اصطناعية لمجتمعات متنوعة من الميكروبات

2020-08-26

يعمل حطام السفن الغارقة كشعاب مرجانية اصطناعية، موفرا بذلك الركيزة الأساسية والمغذيات لمجموعة كبيرة ومتنوعة من الكائنات الحية الدقيقة التي قد تسهم بدورها في تلف السفن أو الحفاظ عليها.

فمجتمعات الكائنات الحية الدقيقة تلك على درجة عالية من التنوع؛ إذ لا يزال مدى تنوع هذه المجتمعات وكيفية تنظيمها لغزا بالنسبة لنا.

حديثا، قام مجموعة من الباحثين من جامعة كارولينا الشرقية (East Carolina University) بالولايات المتحدة بتحديد مجموعات البكتيريا التي علقت بحطام سفينة غارقة منذ ستينيّات القرن الماضي.

ونشرت نتائج هذه الدراسة في دورية "فرونتيرز إن ميكروبيولوجي" (Frontiers in Microbiology) في 19 أغسطس/آب الجاري.

مجتمعات متنوعة

مَثَّل الحطام الذي يبلغ طوله 50 مترًا بقايا لسفينة حربية أميركية بُنيت أثناء الحرب العالمية الثانية، وتُركت مهجورة بعد أن جنحت في المياه الضحلة لبحيرة بامليكو ساوند (Pamlico Sound Lagoon) في ولاية كارولينا الشمالية في ستينيّات القرن الماضي.

اكتشف الباحثون مجتمعا متنوعًا للغاية موجودا على الحطام يتألف من 4800 نوع أو وحدة تصنيفية تشغيلية (مصطلح يستخدم لتصنيف أنواع الكائنات الدقيقة بوصف التقارب فيما بينها اعتمادا على مستويات تصنيفية مختلفة)، تنتمي إلى 28 شعبة (الشعبة أحد مراتب التصنيف الحيوي).

شملت الأنواع المكتشفة كائنات قادرة على تدوير النيتروجين والكربون والكبريت والحديد. كما اختلف تكوين المجتمع الميكروبي بشدة في أماكن عدة داخل الموقع، مما يشير إلى اقتسام البيئة في ما بينها بالطريقة نفسها التي تتخصص بها الأنواع الفطرية في بيئاتها الدقيقة داخل الغابة.

 

تقاسم البيئة المحيطة

في البداية، جُمعت 14 عينة من أماكن مختلفة في الموقع، بما في ذلك الأماكن المتآكلة والمحفوظة من الحطام، وكذلك من ثقوب السفينة، وبالقرب من القاع ومن المياه المحيطة بالحطام.

وكشف تسلسل الحمض النووي للعينات المجموعة عن اختلافات جوهرية في التكوين والقدرة الأيضية (تحويل الغذاء إلى طاقة أو استخدامه في بناء مكونات الخلية) لمجتمعات الكائنات الدقيقة التي تعيش على حطام السفينة أو حولها.

ويرى الباحثون أن هذا التنوع دليل على اقتسام البيئة بين هذه الكائنات، وذلك اعتمادا على التنوع الصغير للبيئة غير الحيوية التي تحيا فيها هذه الكائنات؛ إذ جاءت اختلافات البيئة المحيطة متمثلة في تباين محتوى الحديد أو وفرة الأكسجين أو بقايا خزان الوقود الهيدروكربونية.

ونتج عن اختلاف البيئة المحلية في موقع الحطام تباين في أنواع الكائنات الدقيقة في تلك المواقع؛ إذ كثُرت أنواع المتقلبات أو ما تعرف بالبروتيوبكتيريا آكلة الحديد في الأماكن المتآكلة من الحطام، مما يعني أنها ساعدت في عملية التآكل الحيوي للحديد.

 

وتعرّف الباحثون على سلالة جديدة من البكتيريا المؤكسدة للحديد، سُميت "ماريبوفاندس فيروأوكسيدانز أو وان" (Mariprofundus ferrooxydans O1).

وأظهر التحليل الجيني أن لهذه السلالة قدرات أيضية تشمل أكسدة الحديد، وتثبيت الكربون في كل من البيئات الغنية بالأكسجين والفقيرة، وكذلك تثبيت النيتروجين؛ مما يعني أن هذه البكتيريا تلعب دورا في تدوير المعادن والمغذيات في بيئة الحطام.

الحفاظ على حطام السفن

ستساعد هذه الدراسة على وضع الخطط المستقبلية للحفاظ على حطام السفن الغارقة، والتي تعد مكانا مهما تتنوع فيه الأنواع البحرية، مما يجعلها مزارا مهما للمهتمين بها.

فكما تقول إيرين فيلد -المؤلفة المشاركة في الدراسة من جامعة إيست كارولينا- حسب البيان المنشور على موقع "يوريك ألرت" (EurekAlert)؛ "تنتشر البكتيريا المُؤكسِدة للحديد على نطاق واسع من حطام السفينة، وتتسبب هذه البكتيريا في عمليات الصدأ، ومن ثم تآكل حطام السفينة؛ لذا نجدها أكثر وفرة في مناطق الحطام المتآكلة".

وتضيف "وبالتالي فإن وجودها في مكان ما يعني تزايد احتمالية تآكل هذه المنطقة. ولكي نمنع هذا الضرر فإنه يتوجب علينا تصميم إستراتيجيات للكشف المبكر عن هذه البكتيريا، ووقف نموها، والحد من المزيد من التآكل الحيوي الذي تقوم به الميكروبات الأخرى".

 

وتشير هذه الدراسة إلى أهمية إعداد تدابير مستقبلية للحفاظ على حطام السفن، آخذين في الاعتبار الموقع الفريد لكل حطام والمواد التي صنع منها والعوامل البيئية المحيطة به وكذلك الوقت الذي قضاه ذلك الحطام في المياه.

وهو ما تؤكده فيلد قائلة "نحن بحاجة إلى تخصيص الجهود المنوطة بالحفاظ على حطام السفن، وذلك لتخفيف حدة التآكل البيولوجي بشكل أكثر فاعلية".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي