طريقة جديدة لرصد «البلاستيك المجهري» المتغلغل في جسم الإنسان

2020-09-19

 

ينتشر البلاستيك في كل مكان حولنا، ولا توجد حتى اليوم طريقة لتجنبه. عندما تتفكك هذه المادة إلى دقائق مجهرية؛ ما يُعرف بـ«الميكروبلاستيك» (الميكرو جزء من الألف من المليمتر)، والنانوبلاستيك (النانو جزء من المليار من المليمتر)، يتسرب البلاستيك إلى طعامنا عبر المأكولات البحرية ومنها إلى المنتجات، ويذوب في الهواء من حولنا، وفي المياه التي نستخدمها في حياتنا اليومية.

بلاستيك الرئتين والكلى
يتناول البشر عشرات الآلاف من جزيئات الميكروبلاستيك سنوياً، ولكن كم من هذه الجزيئات يبقى عالقاً في الرئتين والكبد، وما التأثيرات الصحية التي قد تعرّض أجسادنا لها؟
لا يملك العلماء حتّى اليوم إجابات عن هذه الأسئلة، ولكنّهم يعملون على إيجادها. وقد عثر الباحثون على آثار جزيئات الميكروبلاستيك في البراز البشري وباتوا متيقّنين بأنّها تسير في أجسامنا. كما عثروا على مكوّنات البلاستيك وأبرزها «البيسفينول.أ» أو ما يعرف بـ«BPA»، في البول، وفي أنسجة بشرية؛ أبرزها في الرئتين، مما يشير بوضوح إلى أنّ البلاستيك يعيش في جسدنا ولا يمرّ به فحسب.
وانطلاقاً من هذه الاكتشافات، يسعى باحثون من جامعة ولاية أريزونا اليوم إلى معرفة ما إذا كانت جزيئات الميكروبلاستيك تعيش في أعضائنا أيضاً، مما دفع بهم إلى تطوير وسيلة لرصدها.

موضوع يهمك: هل عاش القدماء 1000 عام أم أنها كانت أخطاء حسابية؟

جمع تشارلز رولسكي وفارون كلكار؛ وهما طالبان متخرجان يعملان تحت إشراف رولف هادن، مدير «مركز هندسة الصحة البيئية» في «معهد بايو ديزاين» التابع لجامعة ولاية أريزونا، عينات من الكبد والكلى والرئتين والطحال البشرية تحتوي على جزيئات بلاستيكية دقيقة. ويشرح العالمان، اللذان استعرضا نتائج بحثهما في اجتماع افتراضي مع «الجمعية الكيميائية الأميركية» هذا الشهر، أنّهما اختارا هذه الأعضاء لأنّها مسؤولة عن تنظيف الجسم البشري من المواد غير المرغوب فيها، مما يجعلها الأعضاء الأكثر عرضة للتلوث بجزئيات الميكروبلاستيك، لا سيّما بعد أن رصد الباحثون في دراسات سابقة جزيئات البلاستيك في هذه الأعضاء لدى الحيوانات. ولاستخراج هذه الجزيئات، استخدم الباحثون حمضاً قويّاً ونظام تصفية مبتكراً يترك جميع المواد الموجودة في الأعضاء ما عدا البلاستيك.

استخراج العينات

جاءت هذه النتائج لتؤكّد أنّ جزيئات الميكروبلاستيك قابلة للاستخراج من العينات البشرية بطريقة فعالة وموثوقة. ويدّعي رولسكي وكلكار أنّهما من أوائل الباحثين الذين سعوا لتطوير وسيلة لاستخراج جزيئات الميكرو والنانوبلاستيك من الأعضاء البشرية، وهما يستخدمانها اليوم في محاولة لرصد جزيئات الميكروبلاستيك في عينات من أنسجة بشرية من الكلى والرئتين والطحال والكبد بالتعاون مع منظمة «بلاستيك أوشن إنترناشيونال» غير الربحية وبرنامج «براين آند بودي دونيشن» التابع لـ«معهد بانر سان هيلث للأبحاث».
جمع الباحثون المشاركون في هذه الدراسة 47 عينة مع معلومات مفصّلة عن نظام المتبرعين الغذائي وأسلوب حياتهم والعوامل التي يتعرّضون لها في عملهم. فإذا كان أحدهم يعمل في مصنع للأقمشة ويتعرّض لمادتي البوليستر أو النايلون مثلاً، فقد تساعد هذه المعلومة الباحثين في فهم كيفية دخول جزئيات الميكروبلاستيك إلى جسده.

موضوع يهمك: البشر استوطنوا الأميركتين أقدم بكثير مما نظن.. كيف انحدر السكان الأصليون عبر جزر أستراليا وشرق آسيا؟

ولكن للحصول على الفائدة المرجوّة من هذه النتائج، كان لا بدّ من تطوير طريقة تتيح لهم تحديد كميّة الميكروبلاستيك في الجسم. لهذا السبب، عمل الباحثان أيضاً على ابتكار أداة تحوّل عدد جزيئات البلاستيك الموجودة في النسيج البشري إلى قياس واحد لكتلة الملوثات وحجمها. يستطيع الباحثون رصد وجود جزيئات الميكروبلاستيك بطرق كثيرة، كإحصاء عدد هذه الجزيئات في البوصة المربّعة. ولكن رولف هادن، مدير هندسة الصحة البيئية في «معهد بايو ديزاين» التابع لجامعة ولاية أريزونا، يشرح في رسالة إلكترونية أنّ «حجم البلاستيك الملوِث ينطوي على متغيّرات كثيرة، أي إنّ عدد الجزيئات قد لا يكشف عن الكثير حول الأحجام والأشكال المرصودة». ولكنّ الأداة الجديدة ستتيح للباحثين من جميع الكيانات البحثية المعنية مقارنة نتائجهم بشكل أفضل عبر استخدام القياس نفسه والاعتماد على قاعدة بيانات تفاعلية موحّدة حول التلوث بجزيئات البلاستيك.
ولكن لماذا يحتاج الباحثون إلى معرفة ما إذا كانت جزيئات الميكروبلاستيك موجودة في الرئتين، وما عدد الجزيئات الذي يتجمّع في الجسد البشري؟ يقول هادن: «نظراً لكمية البلاستيك الهائلة التي يستخدمها البشر يومياً، فلا يعدّ التلوّث البلاستيكي الموجود في أجسادنا أمراً مفاجئاً. هذا التلوث لن يتراجع ولن يختفي، بل على العكس، سيستمرّ في النموّ. لهذا السبب، من الضروري جداً أن نتوصّل لطريقة تتيح لنا رصد مسار هذه البوليمرات الملوِثة ومعرفة كيف تؤثر على صحتنا، فالتلوث البلاستيكي ليس مسألة بيئية فحسب؛ بل مشكلة شخصية».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي