الأمثال الشعبية المغربية موقف ذكوري من المرأة

2021-03-10

صورة نمطية للمرأة يرسمها الرجل (لوحة للفنانة هيلدا حياري)

تطوان (المغرب) – أصدر اتحاد العمل النسائي، فرع مرتيل بتطوان، دراسة للكاتب المغربي مخلص الصغير بعنوان “المثل الجائر.. دراسة حول الصور النمطية الجنسوية في الأمثال المغربية”. وقد جرى إعداد هذه الدراسة ضمن مشروع “سوق النساء سوق الحقوق”، المنجز من قبل اتحاد العمل النسائي، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، في إطار برنامج “مشاركة مواطنة”.

ترصد هذه الدراسة المحكمة طائفة من التمثلات النمطية الجنسوية للنساء المغربيات في الأمثال الشعبية. مثلما استندت في مقترحاتها وخلاصاتها إلى أبحاث ميدانية وأخرى نظرية ونقدية، فضلا عن ورشة موسعة حول هذه الأمثال، أطرها مؤلف الكتاب، وجرى تنظيمها ضمن هذا المشروع الإنساني الطموح.

نظرة دونية

الأمثال تكرس النظرة الدونية إلى المرأة وتكثف الصور النمطية حولها، في عبارات مسكوكة وجاهزة، تمت صياغتها بإحكام

يقترح مخلص الصغير في كتابه دراسة نقدية شاملة للأمثال الشعبية من حيث مكوناتها الصوتية والتركيبية والدلالية والتداولية، وفي استقبالاتها الجمالية أيضا، كما في أبعادها الثقافية والمجتمعية، وآثارها على أوضاع النساء المغربيات وحقوقهن. كما يصدر هذا الكتاب عن وعي ثقافي وأنثربولوجي مفاده أن ثمة جدلا ما بين مجالين اثنين لا ثالث لهما في الحياة، هما: الطبيعة والثقافة.

ويقر المؤلف بأنه، حسب المنزع الذكوري في المجتمعات العربية، يصبح الرجل ممثلا للثقافة، وتغدو المرأة، في نظره، ممثلة للطبيعة. إذ هي عنده رمز لهذه الطبيعة، لخصبها وإنتاجيتها، لصمتها وخرسها. بينما الرجل هو الذي يستغل هذه الطبيعة ويشتغل عليها ويسخرها لصالحه، وهو الذي يدرسها، ويتحدث عنها ويحكم عليها، وهو من يتحكم في مصيرها.

 وقد جاءت الأمثال الشعبية لتلخص هذا الموقف الذكوري من المرأة، ولكي تعمل على تأبيد هذا الموقف، عبر أمثال سائرة وعابرة للأجيال والثقافات والجغرافيات، وجائرة في حق النساء.

في البداية حرصت الدراسة على مساءلة صورة المثل نفسه، قبل التساؤل عن الصور التي يرسمها للنساء المغربيات. وهنا، توقف الكاتب عند الأبحاث التي انشغلت بالمثل في ذخائر التراث العربي والإنساني، وكذلك في الاجتهادات التي قدمتها الباحثات واقترحها الباحثون المعاصرون، كما في الآراء والتأملات الفلسفية التي قاربت المثل واقتربت منها مفككة تكويناتها.

وسعت الدراسة إلى تفكيك الكثير من الأمثال الشعبية المتداولة، في أفق الإسهام في إعادة تشكيل متخيل جديد للعلاقات بين الجنسين، وإعادة بناء الأدوار الموكلة لكل من الرجال والنساء، سواء بسواء.

وفي الفصل الثاني من الكتاب، قصد البحث نحو دراسة الصور النمطية الجنسوية للنساء كما تقدمها الأمثال الشعبية المغربية. وقد انتهت الدراسة إلى رصد عشر صور نمطية في هذه الدراسة، مع تأطيرها تأطيرا نظريا ومنهجيا، تسمية وقراءة وتأويلا. فهنالك المرأة الحبيسة أولا، ثم المرأة المكيدة، ثم الخاضعة، ثم التابعة، فالناقصة، وكذا المرأة المشتهاة، ثم المرأة الشريرة، والمرأة المنبوذة، كذا المعنفة، وأخيرا “المرأة المنصَفة”، إذ لا يمكن إنكار وجود أمثال مغربية أنصفت المرأة إلى حد ما، على قلة تلك الأمثال ونُدرتها.

يقول الصغير “في الأمثال تسكت شهرزاد عن الكلام المباح. بل لا يحق لها أن تتكلم منذ البداية، ولا أن تحكي تجربتها وسرديتها. وحدها الأمثال هي التي تتحدث نيابة عنها وتحكم عليها بما تشاء”.

وفي رأيه، أن جل هذه الأنماط من الأمثال ليست سوى خلاصات تكرس النظرة الدونية إلى المرأة وتكثف الصور النمطية حولها، في عبارات مسكوكة وجاهزة، تمت صياغتها بإحكام وانتظام، وإيقاع رنان، ما جعلها تجري على كل لسان. هذا دون أن ينفي وجود أمثال تنتصر للنساء وتعترف لهن، وتقدمهن في صورة إنسانية رفيعة، وتساوي بينهن وبين الرجال.

مفارقات ذكورية

يبين الكاتب أن الأمثال غالبا ما ترد على لسان الرجال، فالرجل هو الذي يقول، وللمرأة أن تسمع فقط، أن تصغي إليه، وأن تلتزم بما يأمر به. الرجل صانع المثل، وعلى المرأة أن تمتثل له، لِمَثَلِه ومُثُله التي اختلقها، للصور النمطية التي كرسها حول المرأة. أما هي فلا تقول، لا تتكلم، الرجل هو الذي يفعل ذلك، بينما هي موضوع فقط.

ويعود الصغير إلى الاعتقاد الذكوري بأن صوت المرأة “عورة”، وصورتها أيضا، إذ يجب ألا تُرى، أن تظل في البيت، في بيت أسرتها، ثم إلى بيت زوجها، ثم إلى قبرها، كما يردد المثل “المرأة من دارها إلى قبرها”. يتعلق الأمر إذن بـ”وأد رمزي، حيث تولد المرأة ميتة، محرومة من الحياة بكل معانيها تقريبا” كما يورد الكتاب.

“نعم، ومن المَثَلْ ما قتلْ” تضيف الدراسة، كما أن المثل هو كلام الأولين، أي أنه “كلام الموتى”، بناء على لازمة “قالوا زمان”، التي تسبق التلفظ بالمثل عادة، واستنادا إلى قاعدة “الأولين ما خلاو للآخرين ما يقولوا”، (ما ترك الأول للآخِر شيئا). وحين يتحدث الميت عن المرأة فهو يستدرجها إلى عالمه، عالم الموتى، ويمنع عنها الحياة.

ويرى الباحث أن المثل الشعبي المغربي حين يسجن النساء في البيت فهو لا يمنحهن أي اعتبار أو قيمة تذكر، كما أنه لا يحرمهن من حرية التنقل فقط، بل هو يمنعهن من المشاركة في الفضاء العمومي، ويقصيهن من الحضور في الحياة العامة. ولأن الفضاء العمومي هو الذي يصنع الأفكار والقرارات، ويصوغ التمثلات، بما في ذلك التمثلات عن المرأة نفسها، فإن هذه الأخيرة تظل محرومة من المساهمة في صوغ هذه التمثلات، بما فيها تلك التي تعنيها وتخصها.

وفي الأخير، ينتهي الكاتب إلى تعداد سلسلة من المفارقات التي تتكشف لنا من خلال استقراء الأمثال الشعبية المغربية حول النساء. ومفارقات إشكال المرأة في هذا البحث أن الرجال هم الذين يضيقون على المرأة حريتها، ويسجنونها في البيت، ثم يزعمون بعد ذلك أن لها قدرات محدودة وقوى ضعيفة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي