في غزة: ليس نهباً.. بل جوع يطوي الأجساد ويطارد الأرواح
2024-02-22
كتابات عبرية
كتابات عبرية

كلما ازداد الجوع في القطاع زادت ظاهرة سلب شاحنات المساعدات ومستودعات المواد الغذائية ومحتويات بيوت النازحين. هذا ما يقوله السكان وجهات في منظومة المساعدات الدولية. وقد كانت هناك حالات من الاعتداء على سائقي شاحنات المساعدات، كما قيل للصحيفة.

لا يدور الحديث فقط عن حالات فردية، بل عن عصابات تنظمت من أجل السلب والنهب، تستغل غياب رجال الشرطة الفلسطينية التابعة لحماس الذين لا يمكنهم الخروج بالزي العسكري لحماية الشاحنات والبيوت الفارغة وشبه المدمرة في المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي. ليس لرجال الشرطة قوة ردع بدون زي عسكري وسلاح.

في الأسبوع الماضي، اشتكى المبعوث الخاص الأمريكي للشؤون الإنسانية، ديفيد ستارفيلد، من قتل رجال الشرطة الفلسطينية الذين رافقوا قافلة دخلت إلى رفح، حسب وكالة “رويترز”. لذلك، رجال الشرطة الذين كانت مهمتهم مدنية قبل الحرب، حتى لو كانوا خاضعين لحماس، أعلنوا بأنهم أصبحوا غير مستعدين لمرافقة الشاحنات. منظمات الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى تنسق إدخال المساعدات وتوزيعها، تناقش حلولاً محتملة لحماية الشاحنات والسائقين. أحد الحلول نشر رجال شرطة معروفين في الأحياء كانوا هناك من قبل، والذين سيردعون بوجودهم تلك العصابات حتى بدون زي عسكري وسلاح. كما تم طرح استخدام شركات حماية خاصة طرح، لكن رجالها لن يتمكنوا بالطبع من حمل السلاح كي لا يقتلهم الجيش الإسرائيلي.

يتم طرح مشكلة الحماية في لقاءات مع الممثلين الإسرائيليين الذين يجب عليهم الإثبات بأن إسرائيل تنفذ تعليمات محكمة العدل العليا وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية. “عملية النهب تحطم نظام توزيع المواد الغذائية التي تصل إلى حدود القطاع بجهود كبيرة، وغير الكافية للسكان”، قال دبلوماسي غربي للصحيفة. من المستحيل معرفة أي قسم من المواد الغذائية التي تم سلبها، والأدوات التي سُرقت من البيوت تخدم أشخاصاً بشكل خاص، وأي قسم منها يصل إلى السوق السوداء “التي تطورت كما هي الحال في أرجاء العالم في حالة وجود نقص”، قال. موقفه، مثل موقف منظمات المساعدات ومؤسسات الأمم المتحدة، أنه لا يكفي زيادة حجم المساعدات من أجل وقف عمليات السلب والسوق السوداء التي تفاقم الجوع واليأس. ويجب، حسب أقوال الدبلوماسي، إعادة القطاع الخاص إلى الصورة وتمكينه من إدخال البضائع للبيع شريطة أن تكون الأسعار ثابتة ومراقبة. قبل الحرب، كانت 91 في المئة من البضائع في القطاع مخصصة للقطاع الخاص.

عاملة في منظمة للإغاثة قالت للصحيفة بأنه يصعب تسمية “السلب” عملية استهدفت البقاء. “هناك فرق بين دخول بيت فارغ وأخذ أغراض أساسية مثل البطانيات والمواد الغذائية للاستخدام الشخصي، وبين سلب منظم من أجل البيع في السوق السوداء”. “بالطبع، هناك فرق بين ذلك وبين عمليات النهب التي قام بها جنود الجيش الإسرائيلي. باللغة الدارجة في أوساط العاملين في الإغاثة، فإن اقتحام أشخاص معينين للشاحنات يسمى “توزيعاً تلقائياً للمساعدات”. وقال أحد سكان غزة، انتقل إلى رفح، إن أصدقاءه قالوا له إن بيته سلب مرات عدة. وهو يتخيل أن الفلسطينيين أخذوا منه أشياء مثل أسطوانة غاز، التي يتأسف عليها جداً، ومواد غذائية. ومثل عاملة الإغاثة، هو أيضاً يظهر تفهماً إذا كان هؤلاء الأشخاص أفراداً بقوا في شمال القطاع الذي لا تصل إليه المساعدات إلا في حالات نادرة جداً.

آلية للبقاء

هناك أربعة أسباب لعدم وصول المساعدات إلى الشمال، الذي بقي فيه مئات الأشخاص، وانضم إليهم بضعة آلاف أخرى مع مرور الوقت. فإسرائيل لم تسمح بوصول الشاحنات إليهم، وليس هناك ما يكفي من الوقود من أجل سفر الشاحنات التي تحمل المساعدات، والشاحنات القليلة تم سلبها على الطريق، والسائقون يخشون من السفر بدون حماية لهم وللحمولة. بعض زملاء عاملة الإغاثة لا يمكنهم الانتقال من شمال القطاع إلى جنوبه. “الآن يبكون ويقولون لنا بأنهم دون مياه أو طعام، ولا يمكننا مساعدتهم. لماذا نحن موجودون إذاً؟”.

“لكن الجوعى ليسوا في الشمال فقط”، أكدت. “في مثل هذه الظروف من الجوع، يخلق الناس آلية للبقاء، سواء عن طريق أفراد أو عن طريق الحمولة أو أن كل مجموعة تنتظم على أساس مشترك ما. هذا متوقع تماماً”، قالت. مثل الدبلوماسي، قالت إن الأمر يتعلق بظاهرة اجتماعية تتطور في أرجاء العالم في وضع مشابه. مع ذلك، حسب قولها، ظاهرة العصابات التي تقوم بالسلب بشكل منظم، تطورت واتسعت في غزة بصورة متأخرة جداً مقارنة مع أماكن أخرى في أرجاء العالم، التي يتفكك فيها النسيج الاجتماعي بسبب الكوارث. “في أماكن أخرى، كان هذا يحدث بعد 48 ساعة، بينما استغرق الأمر هنا أربعة أشهر”.

ثمة مؤشر آخر، وهو حجم المساعدات الإنسانية، إذ يتم قياسه حسب عدد الشاحنات التي تم إدخالها إلى غزة بعد الفحص الأمني بطريقة “ظهر لظهر” (من شاحنة مصرية أو إسرائيلية، إلى شاحنة غزية)، مقابل التي أنزلت حمولتها قبل الحرب بنفس الطريقة، 500 شاحنة في يوم العمل تشمل الوقود. هذه مقارنة مضللة. فقبل الحرب، أنتجت غزة جزءاً كبيراً من احتياجات الغذاء، مثل اللحوم والدواجن والبيض ومنتجات الحليب والخضراوات والفواكه. الأراضي الزراعية والدفيئات ومزارع الثروة الحيوانية ومزارع الدواجن تدمرت، وتم قتل الحيوانات في عمليات القصف أو تم ذبحها قبل فترة طويلة كي لا تموت جوعاً أو عطشاً. الاعتماد على الغذاء من الخارج في القطاع مطلق تقريباً. قبل الحرب، منعت الشاحنات أيضاً من نقل زجاجات المياه بكميات يومية، التي لا تصل إلى الحد الأدنى المطلوب في حالة الطوارئ، 20 لتراً للفرد في اليوم، بسبب تدمير البنية التحتية لشبكة المياه ومنظومة محطات التكرير والتحلية.

عدد الشاحنات الأكبر التي أدخلت إلى القطاع في يوم واحد منذ بداية السنة كان في 10 كانون الثاني، 236 شاحنة، حسب الأمم المتحدة. منذ ذلك الحين، في أربعة أيام أخرى، كان عدد الشاحنات التي دخلت 200 شاحنة وأكثر. وحتى في الأيام الأفضل أثناء الحرب، فإن كمية الغذاء والسلع الأساسية مثل البطانيات والحفاضات والفحم (التي كانت تشكل القسم الأكبر من الحمولة في 18 شباط) لم تلبّ الاحتياجات.

“عندما تدخل الشاحنات إلى رفح”، قالت عاملة الإغاثة، “والناس في حالة يأس ويتجولون مثل الزومبيين في الشوارع، فجأة يأتون من كل صوب، عشرات، مئات، وبعد ذلك آلاف، ويتجمعون حول شاحنات الغذاء والمياه، يحاولون أخذ كل ما يمكنهم أخذه”. “الخوف من أنه كلما ازداد الجوع واليأس والإحباط من منظمات الإغاثة، ازدادت جرأة السالبين المنظمين الذين يبيعون غنائمهم بأسعار خيالية في السوق السوداء”، قال أحد سكان غزة.

عميره هاس

هآرتس 21/2/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • كيف تبدو رفح شركاً استراتيجياً لإسرائيل؟
  • هل سيكون اجتياح رفح سبباً في نشوب حرب بين حزب الله وإسرائيل؟  
  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي