زيادة واردات النفط في آسيا وأوروبا... هل ترفع أسعاره فوق 90 دولارا؟
2024-03-13
أنس الحجي
أنس الحجي

تشير بيانات التجارة الدولية بالنفط إلى زيادة واردات الصين والهند وكوريا الجنوبية وأوروبا الغربية وبعض دول أميركا اللاتينية، وهذه الزيادة تثير سؤالين: هل ترفع هذه الزيادة أسعار النفط فوق المستويات الحالية؟ وهل تستمر هذه الزيادة في الواردات أم أنها موقتة؟

قبل الخوض في التفاصيل لا بد من توضيح أمرين:

1- الاستهلاك شيء، والطلب شيء آخر. فيمكن لدولة ما أن تشتري النفط وتخزنه. في هذه الحالة طلبها أكبر من استهلاكها. أو أن تشتري كميات أقل وتسحب من المخزون، في هذه الحالة استهلاكها من النفط أكبر من طلبها.

2- زيادة الواردات لا تعني بالضرورة ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. هذه الحقيقة مهمة لأنه إذا قامت الدول المستوردة بتخزين النفط، فإنها ستسحب منه عند ارتفاع أسعار النفط، ومن ثم تبقى أسعار النفط منخفضة نسبياً ولا تستفيد الدول المصدرة عند الزيادة في معدلات النمو الاقتصادي. في هذه الحالة تظن الدول المصدرة أن الطلب على النفط يزيد نتيجة تحسن اقتصادي، ولكن جزءاً منه يذهب للتخزين.

تشير بيانات شركة "كبلر"، وهي شركة عالمية تتابع حركة السفن حول العالم بما في ذلك حاملات النفط والغاز المسال، إلى ارتفاع واردات النفط في الأسابيع الأخيرة في كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية ودول الاتحاد الأوروبي وبعض دول أميركا اللاتينية. هذه الزيادة ليست فقط مقارنة بالفترات التي قبلها مباشرة، ولكن حتى مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

من المعروف أن أي بيانات أسبوعية حديثة غير دقيقة وقابلة للتحديث والتعديل، لذلك يجب التعامل معها بحذر، ولكن الزيادة في الواردات كبيرة لدرجة أن أي تعديل لن يغير من حقيقة زيادة واردات هذه الدول. هذا يعني أن الكميات قد تتغير، ولكن كون أن هناك زيادة لن يتغير.

بلغت الزيادة في الأسبوعين الأخيرين في واردات كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية ودول الاتحاد الأوروبي وبعض دول أميركا اللاتينية، أكثر من 5 ملايين برميل يومياً مقارنة بالأسابيع التي قبلها. ولو قارنا زيادات الأسابيع الثلاثة الأخيرة بواردات النفط في الفترة نفسها من العام الماضي، لوجدنا أن الزيادة أكثر من 3 ملايين برميل يومياً. هنا يتضح للقارئ أنه حتى لو حصل تعديل نزولي لاحقاً على هذه البيانات، فإن الاتجاه الصعودي للورادات مؤكد على كل الحالات. ويؤكد ذلك تصريحات رئيس شركة "أرامكو" السعودية أمين ناصر، عندما تحدث أخيراً عن زيادة الطلب على النفط في الصين.

مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، زادت واردات الصين بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً، بينما زادت واردات الاتحاد الأوروبي بمقدار 650 ألف برميل يومياً، وواردات كوريا الجنوبية بمقدار 650 ألف برميل يومياً، وواردات الهند بمقدار 1.45 مليون برميل يومياً. وبالنظر إلى الاتحاد الأوروبي، زاد استهلاك إيطاليا من النفط بشكل ملحوظ، إذ ارتفعت واردات النفط في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بنسبة 8.1 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إذ إن استهلاك النفط ارتفع إلى مستويات هي الأعلى في الأعوام الخمسة السابقة.  وجاءت أغلب الزيادة من البنزين الذي ارتفع استهلاكه بشكل كبير. وتأتي هذه الزيادات على رغم ضعف النمو الاقتصادي وعلى رغم زيادة مبيعات السيارات الكهربائية.

يتفق الخبراء والمحللون على أن الطلب سيرتفع على النفط في 2024 إلى أعلى مستوى في التاريخ، ولكن يختلفون في ما بينهم حول كمية الزيادة. "أوبك" ترى أن الطلب العالمي على النفط سينمو بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً، بينما ترى وكالة الطاقة الدولية أن الطلب سينمو بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً.  الفارق بينهما كبير: مليون برميل يومياً!

تتوقع شركة "إنيرجي أوتولك أدفايزرز"، وهي الشركة التي يتبع لها كاتب هذه المقالة، أن يرتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.48 مليون برميل يومياً في 2024. هذا أقل من توقعات "أوبك" بمقدار 720 ألف برميل يومياً، وأعلى من تقديرات وكالة الطاقة بـ280 ألف برميل يومياً، ولكنه قريب من توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية البالغة 1.4 مليون برميل يومياً و"أرمكو" 1.5 مليون برميل يومياً.  ما يلفت للنظر هنا هو الفرق بين تقديرات "أوبك" و"أرامكو": 700 ألف برميل يومياً. هذا الفرق مهم لأنه إذا صدقت توقعات "أرامكو"، فإن هذا يعني في النهاية تمديد التخفيضات الطوعية للمشاركين بها من دول "أوبك+" حتى نهاية العام، وذلك لأن الزيادة في المعروض من دول خارج "أوبك+" تساوي بحدود 1.5 مليون برميل يومياً.     أما إذا كانت توقعات "أوبك" أقرب إلى الواقع، فإن هذا يعني أن دول "أوبك" ستقوم بزيادة الإنتاج تدريجاً لمقابلة الزيادة في الطلب العالمي على النفط.

على رغم زيادة واردات الدول المذكورة أعلاه في الأسابيع الأخيرة، إلا أنه يجب توخي الحذر للأسباب التالية:

1- عادة ما تكون هناك زيادة في الواردات في هذه الفترة من العام مع انتهاء عمليات الصيانة الدورية في المصافي.

2- هذه الزيادات في الواردات صاحبها انخفاض في الواردات في دول أخرى. مثلاً، انخفضت واردات اليابان عما كانت عليه في العام الماضي بنحو 400 ألف برميل يومياً مع عودة المفاعلات النووية للعمل. كما انخفضت واردات البرازيل بنحو 100 ألف برميل يومياً.

3- انخفضت مخزونات النفط التجارية والاستراتيجية في الصين بنحو 90 مليون برميل، وسيذهب جزء من الزيادة في الواردات لملء المخزون. هذا يؤكد فكرة أن الزيادة في واردات النفط لا تعني بالضرورة زيادة النمو الاقتصادي، ومن ثم زيادة مماثلة في استهلاك النفط.

خلاصة القول إن وضع سوق النفط في تحسن، ولكنه غير كاف لتغيير الرؤية الحالية، وهو تراوح أسعار النفط ضمن نطاق 70 إلى 85 دولاراً للبرميل، إلا إذا حدث أمر سياسي مهم غير الأوضاع الحالية. كما أن المحللين يركزون على الهند، ولكن الصين كانت وما زالت الدولة التي ستشهد أكبر نمو في استهلاك النفط. أي مفاجآت في أسواق النفط ستكون من الدول الأوروبية.  أي نمو اقتصادي فوق المتوقع سيسهم في زيادة الطلب على النفط ويسهم في ارتفاع أسعاره.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • ما سبب ارتفاع أسعار خام "دبي وعمان" فوق "برنت" و"مربان"؟
  • النفط بين بايدن وإيران!
  • إيران وأسواق النفط






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي