هل حقًّا أميركا قائدة العالم؟
2024-04-28
إميل أمين
إميل أمين

خلال إحاطة صحفية في البيت الأبيض قبل بضعة أيام، زعم الرئيس الأميركي جو بايدن أن العالم سيفقد قائده إذا انسحبت الولايات المتحدة من المسرح العالمي، وأن ما يُصرِّح به "ليس مزاحًا ولا تفاخرًا".

في التصريحات عينها، أعاد بايدن التأكيد على أن "الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الأكثر أهمية في العالم، وأنها إذا غادرت مسرح الأحداث الدولية كما يريد دونالد ترامب، فمن سيصبح زعيم العالم؟"

يَعِنُّ لنا أن نتساءل: "هل حديث الرئيس بايدن هو مجرد مقارعة في زمن الانتخابات يُراد بها الاختصام من حظوظ منافسه الشرس الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحاليّ، في سياق انتخابات الرئاسة 2024 دونالد ترامب، أم أن اللهجة نفسها جزءٌ لا يتجَزّأ من فكرة "الفوقية القومية الأميركية"، والتي تضرب جذورها عميقةً جدًّا في قلب المجتمع الأميركي؟

يحتاج الجواب السديد إلى مزيد من العمق والتُّؤَدة لا التعجل والتسرع، سيّما أن زمن الانتخابات الرئاسية يضحى فيها كلُّ شيء متاحًا ومباحًا.

والثابت أنه لا يمكننا بحال من الأحوال أن نتناول تصريحات بايدن بعيدة عن نظيرتها التي فاهَ بها ترامب في وقت سابق، وذلك حين اعتبر أن الولايات المتحدة تعرّضَتْ للمهانة على الساحة العالمية بقيادة رئيس البلاد جو بايدن. في خطاب مُسَجَّل نُشِرَ على شبكة "تروث سوشيال" الاجتماعية، قال ترامب: "هيمنة أميركا تتراجع، وقد تعرّضَتْ للمهانة في الساحة الدولية أمام خصومها، وجو بايدن "المحتال وضعنا على حافّة حرب عالميّة ثالثة".

هل المنافسة هنا بين الرجلَيْن مردُّها المقارنة بين تيار الانعزالية وعكسه أي الانخراط في الشأن العالميّ؟

المعروف أن الرئيس السابق ترامب كان بصورة أو بأخرى من أنصار تَرْك العالم لحال سبيله، والاهتمام بشؤون الداخل الأميركيّ أولاً وقبل كل شيء، وهو المضمون الذي جعله شعارًا لولايته الوحيدة "لنجعل أميركا أوّلاً وأميركا أفضل".

أمّا الرئيس بايدن، فخلال ثلاثة أعوام ونصف تقريبًا من ولايته الأولى، بدا منخرِطًا في العديد من الصراعات حول العالم، كما الحال مع الأزمة الروسيّة الأوكرانية من جهة، والصراع الشرق أوسطي، سواء الأزمة التي نشأت بعد السابع من أكتوبر بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، أو بين الأخيرَيْن وإيران، ناهيك عن الأزمات المُحتدَمة مع الصين والتي لا يمكن القطع بمدياتها أو مآلاتها، وما إذا كان يمكن لها أن تقود البلدَيْن إلى "فخ ثيوسيديس" كما جرى بين أثينا وأسبرطة قبل الميلاد.

هنا يَعِنُّ لنا أن نتساءل وفي الحالَيْن، أي في حال ترامب المنعزل وبادين المنخرط: "هل كانت واشنطن تملك السمات والمُقَوِّمات التي تجعل منها قائدة للعالم بالفعل كما يَدَّعي الرئيس بايدن، أم أنّ الأمر لا يتجاوز الأحلام المَخْمَلِيّة، وسرعان ما سيستفيق منها، سِيّما في ظلّ الملفات المفتوحة وبقوة في عالم سريع التغير؟

قبل محاولة تقديم جواب سريع، ربما يتحَتَّم علينا أن نتوقف عند رؤية قَدَّمَها أحدُ حكماء أميركا في نهايات القرن العشرين، مستشار الأمن القومي زيجينو بريجنسكي، وبالتحديد في كتابه العمدة: "الاختيار.. السيطرة على العالم أم قيادة العالم؟"

يرسم السياسي الأميركي العتيد، البولندي الأصل ملامح لتأثير أي دولة عظمى، ويُؤَطِّرُها بعد عوامل للقوة وهي بالترتيب كالتالي:

** القوة الاقتصاديّة.

** قوة التماسك الاجتماعي.

** قوة التلاقي على هدف قوميّ مُحدَّد.

**القوة المسلَّحة وإمكاناتها.

يَعِنُّ لنا مشاغبة هذه النقاط بشيء من التفصيل، ومحاولة التوصل إلى قناعات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة بالفعل مؤهَّلة للقيادة العالمية كما يزعم الرئيس بايدن أم لا.

البداية من عند القوة الاقتصادية، ومع الإقرار بأنّ واشنطن مالئة الدنيا وشاغلة الناس اقتصاديًّا في الوقت الحاضر، ورغم خروجها من دائرة الركود مؤخَّرًا، إلا أنّ المشهد الاقتصادي الداخلي مرتبط ارتباطًا جذريًّا بحالة الاستقرار السياسي على المدى الطويل، وهو ما يرسم ملامح من الشكّ في بقاء الاقتصاد الأميركيّ سَيِّدَ العالم بدون منازع.

يشمل عدد مجلة الفورين آفيرز ذائعة الصيت في عددها الصادر خلال شهر إبريل الماضي، رؤية تحليليّة للبروفيسور "نيكولاس آر. لاردي"، الخبير في معهد بترسون للاقتصاد الدولي، يقطع فيها بأنّ النموَّ الصيني لا يزال في مسار متصاعد، وأنه على الأميركيّين خاصّةً ألّا يُقَلِّلوا من شأن ثاني أكبر اقتصاد عالميّ.

هل يمكن أن يشهد الوضع الاقتصادي العالمي تغييرًا في تراتبية الأوضاع بين واشنطن وبكين مع نهاية العقد الجاري، ما يعني أن واشنطن لم تضْح قائدة العالم اقتصاديًّا؟

الجزئيّة الثانية عند بريجنسكي تتناول شأن التماسك الاجتماعي، وهنا يبدو الحال يغني عن السؤال، بمعنى أن التفكك المجتمعي الأميركيّ ماضٍ على قدم وساق، على أسس عِرْقيّة تارة، وجندرية تارة أخرى، ومجتمعية ثالثًا.

ولعله من المثير وقبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، هو أننا نجد حالة من الصراع الديني بين الأغلبية المسيحية، ما بين كاثوليك وبروتستانت إلى الدرجة التي حَذَّرَ فيها البعضُ من أن أميركا العلمانيّة الهويّة، تكاد تنحدر في مزالق الطائفية والفئوية المجتمعية الدوجمائية، كما كانت أوروبا في القرون الوسطى.

أمّا فيما يخصّ الأوضاع المجتمعية اقتصاديًّا فيكفي النظر إلى واشنطن العاصمة، حيث شارع واحد كبير، يفصل بين الأغنياء البيض والفقراء من أصول أفريقية.

هل هناك هدف واحد يجتمع الأميركيون عليه بالفعل في الوقت الراهن؟

يكاد المرء يحار في إيجاد مثل هذا الهدف، ذلك أنه حتى الأزمة الروسيّة – الأوكرانيّة، ورغم المخاوف التي تُرَوِّجها المؤسَّسة الصناعية العسكرية بشأن ما يمكن لبوتين أن يفعله حال انتصاره في أوكرانيا، لا يوجد إجماعٌ داخلي على فكرة دعم أوكرانيا عسكريًّا، ذلك أن العقلاء والفهماء يدركون أنه ما من دولة نوويّة يمكنها أن تتعَرّض لانكسار أو هزيمة مُذِلّة، وبخاصة إذا كانت روسيا التي قُدِّرَ لها أن تدُقّ أعناق جيوش نابليون من جهة، والفوهور النازي مرة تالية.

ما الذي يتبقى من شروط قيادة العالم؟

القوة المُسلّحة، نعم تمتلك منها واشنطن الكثير، لكن العالم يكاد يكون في سياقات توازن الردع النووي برًّا وبحرًا وجوًّا.

بل إن الأكثر هولاً هو أن معركة عسكرة الفضاء تتسارع يومًا تلو الآخر، وفيما تبدو أميركا المنقسمة داخليًّا، تعاني من إرهاصات أوليّة لما جرى للاتحاد السوفيتي، ولو حدث في المدى الزمني المتوسّط وليس القريب، تطفو على السطح تكتّلات أمميّة حديثة، ولو براغماتية اليوم، كما الحال في التقارب الروسي – الصيني، وعلى غير المصدق أن يتابع رحلة وزير الخارجية الأميركي بلينكن الأخيرة إلى الصين ومحاولاته المستحيلة لوضع العصا في دواليب العلاقات الروسية - الصينية.

في مقابل تصريحات بايدن عن القيادة العالمية، كان المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، لاري جونسون، يصرح بأن "الولايات المتحدة بدأت تفقد هيمنتها على العالم، ويتواصل المزيد من الدول مع روسيا والصين اللتَيْن يُنْظَر إليهما على أنهما بديل للولايات المتحدة".

هل لايزال المصباح فوق التلّة الأميركية مضيئًا بتوهّج أم أنّ زيته يتضاءل الهوينا، فيما يفقد الحلم الأميركي أَلَقَه عمّا قريب، وقدرته لاحقًا على القيادة ودَعْ عنك حديث الهيمنة أو السيطرة؟.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-العربية نت-



مقالات أخرى للكاتب

  • ولاية بوتين النووية الجديدة
  • الشرق الأوسط والانفلاش النووي
  • الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي