مبادرات لضمان أمن إسرائيل وأوروبا
2024-05-05
طوني فرنسيس
طوني فرنسيس

لا يغيب منطق الرشوة عن المبادرات الدولية في خصوص أوضاع لبنان. في المبادرات من أجل وقف التصعيد في الجنوب تفوح رائحة تقديم الضمانات لحزب الله بالحفاظ عليه حزباً مسلحاً "يعيد تموضعه" جنوب الليطاني، لينصرف على الأرجح إلى تخصيص جهوده في تحقيق المزيد من المكاسب في كعكة السلطة. وفي المبادرات حول النازحين السوريين الذين تخلّى عنهم نظامهم، تُقَدّم الرشوة على شاكلة مليار يورو لمنظومة تعمل بالمبدأ القائل: رنّوا الفلوس على بلاط ضريحها، وأوروبا كفيلة بردِّ حياتها.

في أزمتَي "الحرب الخاصة" المفتوحة في الجنوب وسيول اللاجئين السوريين إلى لبنان، يجهد الوسطاء إلى إرضاء المتعهّد اللبناني، من الباطن، لشؤون السلاح والأمن والادارة، بما يبعد عنهم وجع الرأس الذي يتمّ نقله إلى رؤوس مواطنين لبنانيين بات حلمهم مستحيلاً في وطن مستقر ودولةٍ قائمة على سلطة القانون.

في مسألتَي الحرب الجنوبية، تلتقي الوساطتان الفرنسية والاميركية على ضمان أمن إسرائيل أوّلاً، من دون التفات كبير إلى جوهر المشكلة اللبنانية التي تتيح لحزب لبناني فتح حروبٍ على حساب بقية المواطنين ساعة يشاء واينما شاء، شاء هؤلاء أم أبوا. وفي المسألة السورية يهرع الاتحاد الأوروبي لضمان أمن بلدانه من موجات الهجرة السورية المحتملة إلى شواطىء تلك البلدان. فيعد بالمال الذي يتقن "المتعهدون" صرفه إلى جيوبهم، ويقترح على بقية الشباب اللبناني الذي لم يتمكّن من كسب تأشيرة خروج، هجرة مؤقتة إلى أوروبا، للعمل في مهن موسميّة، ستجعله مشروع مهاجر دائم.

المبادرات الثلاث، الأميركية والفرنسية في الجنوب، والاوروبية تجاه "الضيافة" اللبنانية للسوريين، تلتقي على هاجس منع الانفجار الكبير على الحدود وتداعياته في الداخل، بما ينعكس على أمن إسرائيل من جهة، وأمن السوريين من جهة ثانية فيندفعون هرباً إلى القارة العجوز المشتهاة.

عدا ذلك لا معنى للمبادرات الثلاثية. الفرنسيون يعرفون، رغم مودّتهم تجاه لبنان أنّهم مجرّد قناة اتصال اميركية مع أطراف لبنانيين لا يتحدثون مباشرة إليهم، والاميركيون لا يقيمون شأناً لأوراق تسوية قبل وقف النار في غزة، هم مقتنعون، بصلاتهم مع الإيرانيين، إنه سيكون مدخلاً لوقف النار في الجنوب اللبناني، وخاتمة لحرب خاصة تكون أكملت غايتها.

أما الاتحاد الأوروبي فيبني على هذه الوقائع مقتضاها: بعض المال وبعض الوعود لضمان صمت اهل الحل والربط عن أزمة السوريين ومأساتهم. أما المستقبل، بما يعنيه من استعادة الدولة اللبنانية سلطتها عبر مؤسساتها الشرعية، جنوباً وداخلاً وحدوداً، وعلى رأسها رئيس شرعي للبلاد، فمسألة يمكنها الانتظار.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-نداء الوطن-



مقالات أخرى للكاتب

  • هل تريد أميركا فعليا دولة فلسطينية؟
  • المنطقة في عام الحرب
  • قمة استثنائية في ظروف استثنائية  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي