انحياز أمريكي لإسرائيل.. هل يتخلى بايدن عن حل الدولتين؟

What Biden Is—and Isn’t—Willing to Do for Palestinians
2021-05-18

عبدالرحمن النجار

قال جيمس تراوب – زميل غير مقيم في مركز التعاون الدولي بجامعة نيويورك وكاتب عمود في فورين بوليسي – في مقال له على موقع «فورين بوليسي»: «إن الرئيس الأمريكي جو بايدن يريد مساعدة الفلسطينيين، لكنه ليس مستعدًا لدفع الثمن».

وأوضح تراوب أنه في الأشهر القليلة الأولى من ولايته، بدأ بايدن في تطبيق سياسة جديدة تجاه إسرائيل وفلسطين. كانت الوتيرة المحسوبة في حد ذاتها معبرة؛ لأن إدارته ركزت بلا هوادة على ما هو أكثر إلحاحًا – معالجة الوباء، والأزمة الاقتصادية المصاحبة له.

ومثلما حدث في ملفات عديدة تسبب تخلي الرئيس السابق دونالد ترامب عن السياسة الأمريكية الطويلة الأمد في إرباك موظفي الرئيس جو بايدن المسؤولين عن ملفات الشرق الأوسط. ففي مذكرة سياسية وُضعت في فبراير بعنوان: «إعادة ضبط النهج الأمريكي في التعامل مع الحالة الفلسطينية وكيفية المضي قدمًا»، اقترح المسؤولون إعادة ربط «النسيج الضام» الذي تم تدميره في السنوات الأخيرة، مع التأكيد على حل الدولتين واستعادة التمويل للفلسطينيين.

لقد اعتقد المسؤولون أن لديهم متسع من الوقت، لكنهم كانوا مخطئين؛ إذ تفجر العنف مرة أخرى في المنطقة، بطرق مألوفة مقززة وجديدة مرعبة. كان المستوطنون اليهود والحكومة الإسرائيلية هذه المرة هم أول من أشعل الوضع الراهن الهش للغاية، من خلال التهديد بطرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة ومهاجمة الفلسطينيين المتجمعين عند باب العمود في القدس، ثم في المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة.

وقد رد الفلسطينيون من جانبهم، ثم بدأت حماس في إطلاق الصواريخ على إسرائيل بهدف ترويع المدنيين. وردت إسرائيل بضربات جوية وحشد قوات برية. اندلعت الحرب لأول مرة منذ عام 2014.

استجابة أمريكية فاترة

لقد ردت إدارة بايدن، المتفاجئة، بطريقة عفا عليها الزمن، فمدت إسرائيل علنًا بالدعم الثابت، في حين قالت إنها «قلقة للغاية» من عمليات الإخلاء المستمرة وهدم المنازل في القدس الشرقية. وعلى الرغم من أن المسؤولين يعملون الآن مع مصر والأردن ودول الخليج لإنهاء العنف – يشير ستراوب – إلا أن المستوى المتواضع من الانخراط قد أوصل رسالة ضمنية: ألا ترون أننا نعمل على البنية التحتية؟

هناك نمط جديد هنا. تتبع هذه الإدارة سياسة مدروسة ومستنيرة بشأن كل شيء تقريبًا، لكنها لا تريد أن يشغلها شيء عن الملفات الرئيسة. كان رد فعل الإدارة الأولي المذعور بسبب أزمة غير متوقعة على الحدود هو انتهاك مبادئها برفضها قبول اللاجئين. وبالمثل فإن رد فعلها على اندلاع الأعمال العدائية المفاجئ في الشرق الأوسط نحى جانبًا التزامها بمزيد من الدعم للفلسطينيين.

كما أنه ليس من قبيل المصادفة أن الإدارة اختارت في كلتا الحالتين عدم مواجهة الرياح السياسية المعاكسة. في حالة اللاجئين أدركت الإدارة خطأها وعكست مسارها. لكننا لم نزل في الأيام الأولى للحرب في غزة.

ستنتهي الحرب في غزة، كما حدث في الماضي، وسيتسبب كل طرف في الكثير من المعاناة للطرف الآخر، بحيث يمكن لكليهما إعلان النصر. لكن هذا قد لا يوقف الصراع الذي انفجر داخل إسرائيل، والذي يضع اليهود لأول مرة في مواجهة المواطنين العرب. بالاقتران مع التوترات المتصاعدة في القدس الشرقية، يمكن أن يؤدي العنف في المدن الإسرائيلية إلى تطرف كلا الجانبين وتعميق الاستقطاب. في نهاية المطاف بدأت موجة العنف الحالية بمسيرة لليهود اليمينيين عبر القدس الشرقية وهم يهتفون: «الموت للعرب!».

انتفاضة عرب 48

يرى تراوب أنه لا غرابة أن دولة إسرائيلية ذات نزعة قومية متعصبة ستضفي الطابع الرسمي على معاملة العرب كمواطنين من الدرجة الثانية، مثلما رئيس الوزراء ناريندرا مودي مع المسلمين الهنود. وعلى الرغم من اتهام «هيومن رايتس ووتش» إسرائيل في تقرير حديث لها بارتكاب جريمة الفصل العنصري في الأراضي المحتلة.

إلا أن الغالبية العظمى من الباحثين الأمريكيين في الشرق الأوسط وصفوا في استطلاع أُجري في فبراير الوضع الحالي في الضفة الغربية وغزة باعتباره «واقع دولة واحدة أقرب إلى نظام الفصل العنصري». هذا هو الوضع الراهن. يتمتع العرب الذين يعيشون في إسرائيل بحياة أفضل بكثير من تلك الموجودة في الأراضي الفلسطينية، لكنهم أيضًا ربما فقدوا صبرهم على وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

وبالتالي فإن السؤال عما يمكن أن يفعله الغرباء بمجرد انتهاء العنف أصبح ملحًا. هنا أيضًا سادت الطقوس في الماضي: يدعو الدبلوماسيون الأمريكيون إلى إنهاء الأعمال العدائية حتى يمكن استئناف ما يسمى بعملية السلام، ثم يتبع ذلك لقاء آخر غير مجدٍ. لقد أمضت إسرائيل عقودًا في فرض «حقائق على الأرض» – على شكل مستوطنات وجدران وبنية تحتية حيوية – تجعل حل الدولتين مستحيلًا لوجستيًا وسياسيًا.

على أي حال – يضيف تراوب – لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مستعدين لتقديم التنازلات المؤلمة للغاية المطلوبة لحل الدولتين.

ومع ذلك كما أشار المحلل الإقليمي ناثان ثرال في مقال عام 2014: «لم تكن فرصة النجاح اللائقة شرطًا أساسيًا لعملية السلام. فالتفاوض يقدم مكافآته الخاصة، بصرف النظر تمامًا عن أغراضه المزعومة». تتمثل إحدى هذه المكافآت في تقليل الضغط من أجل إجراء إصلاحات فعلية لتحسين حياة الفلسطينيين.

بايدن قد يتخلى عن حل الدولتين

انتهت تمثيلية عملية السلام مع ترامب، الذي وعد بحل ما هو غير قابل للحل فقط لينتهي به الأمر بإصدار صيغة تقضي فعليًا على الدولة الفلسطينية. كان ترامب أول رئيس أمريكي ينسف حل الدولتين. ولكن يؤكد تراوب أن مستشار حملة بايدن كشف له الصيف الماضي عن أن بايدن أيضًا قد يقبل ما لا مفر منه، لكنه سيفعل ذلك من أجل التركيز على تحسين الكثير من الفلسطينيين بدلًا عن تهميشهم.

في الواقع تبنى بايدن علنًا حل الدولتين، كما فعلت مذكرة سياسة وزارة الخارجية. لقد كان داعمًا متحمسًا لإسرائيل لعقود. وقد شاهد وزيري الخارجية السابقين، هيلاري كلينتون وجون كيري، يفشلان في ملف السلام في الشرق الأوسط، وليس لديه أي شهية للانتحار. ما يدور في أرجاء البيت الأبيض هو: «نحن لا نسعى الحصول على جائزة نوبل للسلام».

إن الالتزام علنًا بحل الدولتين مع تكريس جهودك الفعلية لتحسين حالة الفلسطينيين هي إستراتيجية يمكن الدفاع عنها تمامًا. ولكن كيف؟ لقد تعهدت الإدارة بالفعل بتقديم 235 مليون دولار للفلسطينيين من خلال وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنح مباشرة. يأمل بايدن في عودة البعثة الفلسطينية في واشنطن والقنصلية الأمريكية العامة في القدس، وكلاهما أغلق في عهد ترامب – لكن الأولى تتطلب موافقة الكونجرس، والثانية موافقة إسرائيلية. كما اقترحت مذكرة وزارة الخارجية على ما يبدو فتح قنصلية في الأراضي الفلسطينية.

كل هذه تدابير جديرة بالاهتمام، لكنها إجراءات متواضعة. النهج الأكثر موضوعية اقترحه بريان كاتوليس، خبير الشرق الأوسط في مركز التقدم الأمريكي، ويقضي بالتركيز على التنمية الاقتصادية، والضغط على إسرائيل لتوفير المزيد من المياه والكهرباء الموثوقة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقديم تصاريح البناء في مستوطنات الضفة للسماح بافتتاح أعمال جديدة.

يشير كاتوليس أيضًا إلى أن الدول العربية التي وقعت على «اتفاقيات إبراهام» وتعهدت بـ«التعاون والحوار» مع إسرائيل – الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان – «تقف متفرجة إلى حد كبير على الهامش» أثناء النزاع، ولكن يمكنها أن تصبح – بتوجيهات أمريكية – مصادر رئيسة للدعم الاقتصادي والتقني للفلسطينيين.

لكن هذا لن يعالج مشكلة «الفصل العنصري» – يستدرك ستراوب. إن أي محاولة للقيام بذلك ستضع إدارة بايدن في مسار تصادمي، ليس فقط مع إسرائيل، ولكن مع الكونجرس الأمريكي، حيث يتمتع نتنياهو بدعم أوسع مما يحظى به في إسرائيل. على سبيل المثال، يجادل دانيال ليفي، رئيس مشروع الشرق الأوسط، بأن الفلسطينيين لن يكون لديهم حكومة شرعية قادرة على تعزيز مصالحهم ما لم يتم إقناع محمود عباس بالعمل مع حماس، خصمه اللدود. (في وقت سابق من هذا الشهر ألغى عباس الانتخابات التي كان مخططًا لها منذ فترة طويلة خوفًا من أن يخسر).

إن ليفي محق تمامًا في الحاجة إلى إدخال حماس داخل خيمة الحكم. حتى لو وافق بايدن – وهو ما لن يحدث – فإن مباركة مثل هذا الاتحاد ستنتهك قاعدة عدم الانتحار. قد يكون قادرًا على العيش بدون نتنياهو، لكنه لا يستطيع العيش بدون تشاك شومر.

مهما كان ما سيقرر بايدن فعله، يتعين عليه العمل من خلال الدول المطبعة، بالإضافة إلى مصر والأردن وربما قطر، ولكل منهما درجات مختلفة من النفوذ مع كل من إسرائيل والفلسطينيين. يجب أن يكون من بين أهدافه إنهاء الحصار المميت في غزة، وضمان حرية التنقل داخل الضفة الغربية، ووقف عمليات الإخلاء والهدم، وتعزيز الحكم الذاتي الفلسطيني، ومعالجة مظالم عرب إسرائيل، وقمع عنف الجماعات اليمينية الذين منهم منتمون إلى ائتلاف نتنياهو الحاكم.

كان من الصعب للغاية تحقيق أي من هذه الأهداف حتى خلال اللحظة الأكثر استقرارًا في فترة ترامب؛ الآن، في أعقاب هجمات حماس على المدن الإسرائيلية وفي خضم صراع سياسي لا نهاية له داخل إسرائيل، يبدو الأمر شبه مستحيل. سيكون هناك إغراء عارم للقول: «ليس هذا ما كان يدور في أذهاننا عندما تحدثنا عن سياسة خارجية للطبقة الوسطى».

ولكن مثلما أدرك الرئيس السابق باراك أوباما الحقيقة المرة، فإن الابتعاد عن الشرق الأوسط ليس بديلًا مطروحًا. ربما لم يعد التوتر بين القومية اليهودية المتصاعدة والاضطراب المتزايد للسكان العرب داخل البلاد وفي الأراضي المحتلة مستدامًا. كان بايدن يخزن رأس ماله السياسي بعناية. وقد يضطر إلى إنفاق بعضه حيثما لا يريد ذلك.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي