"صراع العملة المحلية".. هل يدفع الاقتصاد اليمني نحو الانهيار؟

2021-06-23

 العملة اليمنية تواجه انهياراً غير مسبوق

يوسف حمود 

من جديد تعود الحرب الاقتصادية المتصاعدة بين جماعة الحوثي (أنصار الله)، والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، لتكون العملة الوطنية وقيمتها إحدى أهم ضحايا هذه الحرب مع اشتداد ضراوة التنازع على إدارة السياسة النقدية بين سلطتي صنعاء وعدن منذ قرار نقل البنك المركزي، في أغسطس 2016.

وأثرت الإجراءات التي تنفذها السلطات المعنية في عدن وصنعاء للحد من الفوضى الدائرة في سوق الصرف وتدهور العملة، على حركة تداول الأموال ونقلها وتحويلها بين المحافظات والمناطق اليمنية المجزأة بين أطراف الحرب التي تتقاسم المؤسسات المالية والنقدية العامة فيما بينها.

وتعود قضية الطبعات الجديدة من العملة اليمنية إلى الواجهة مع إجراءات اتخذها البنك المركزي في عدن بطرح طبعة جديدة في الأسواق، ليأتي الرد سريعاً من البنك المركزي الواقع تحت سيطرة الحوثيين برفضها واعتبارها مزورة، ما قد يدخل الاقتصاد اليمني في أزمة جديدة تدفعه نحو مزيد من الانهيار.

طبعة جديدة.. صراع قديم

بالتزامن مع انهيار مستمر للاقتصاد اليمني خرجت السلطات الحوثية، في 22 يونيو 2021، بقرار يمنع التعامل مع عملة نقدية جديدة طبعتها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، واعتبرتها "مزوّرة وغير قانونية".

واتهم البنك المركزي الخاضع للحوثيين (أنصار الله) في صنعاء، البنك التابع للحكومة الشرعية في عدن بـ"تزوير" العملة النقدية فئة 1000 ريال؛ من خلال طباعة نسخة مشابهة لها، وبتاريخ إصدار مماثل للفئة المتداولة بمناطق نفوذ الحوثيين يعود إلى العام 2017.

وقال البنك المركزي التابع للحوثيين، في بيان صحفي، إن البنك المركزي في عدن بدأ، منذ الاثنين 21 يونيو/حزيران الجاري، بالضخ من العملة الجديدة التي تشبه فئة 1000 المتداولة بصنعاء، وذلك في مدينتي عدن والمكلا جنوبي اليمن وشرقيه.

وذكر بنك صنعاء أن ورقة الـ1000 ريال المتداولة حالياً في مناطق نفوذ الحوثيين يبدأ رقمها التسلسلي بحرف (أ)، لافتاً إلى أن أي عملة مشابهة مدون عليها تاريخ إصدار مشابه ورقمها التسلسلي يبدأ بحرف آخر غير (أ) هي مزورة ويمنع التعامل بها أو حيازتها أو نقلها.

حرب سابقة

هذا القرار الحوثي ليس بجديد، فمنذ عدة أعوام تمنع السلطات الحوثية العملات النقدية التي طبعتها الحكومة، وهو ما تسبب بانقسام مالي هو الأكبر منذ 30 عاماً، وتباين في سعر صرف العملات النقدية، وكذلك ارتفاع غير مسبوق في رسوم التحويلات النقدية بين مناطق الحوثيين ومناطق "الشرعية"، باستثناء الفئة التي صدرت في العام 2017 وكانت مشابهة في حجمها للفئات المطبوعة قبيل اندلاع الحرب.

وأفرزت هذه القرارات واقعاً يتمثل في وجود قيمتين مختلفتين للعملة اليمنية، ووجود تفاوت في أسعار الصرف لنفس العملة في منطقتين مختلفتين، مما أربك سوق الصرافة وأسهم في ارتفاع حجم المضاربة في العملة اليمنية.

ومن بين الآثار لهذه الحرب ارتفاع نسبة عمولات التحويلات المالية الداخلية من مناطق الحكومة إلى مناطق الحوثي، ومن ثم تقلص حجم الحوالات، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية والخدمات، وخاصة في مناطق الحكومة.

ووصل سعر الدولار، في 23 يونيو، إلى 930 ريالاً يمنياً في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، في تراجع تاريخي للعملة المحلية، مع استقرار نسبي في سعر العملة بالمناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين، حيث يتم صرف الدولار بنحو 600 ريال منذ أكثر من عام.

تأثيرات سلبية

يؤكد المحلل الاقتصادي وفيق صالح، أن الحرب الاقتصادية بين الشرعية والحوثيين ممثلة في البنك المركزي اليمني بعدن، وبنك صنعاء، "لها الكثير من التأثيرات والتداعيات السلبية على قيمة العملة الوطنية، وعلى أداء عمل القطاع المصرفي في اليمن بشكل عام".

ويوضح أن هذه التداعيات تمثلت بـ"اتساع الفجوة في سعر الصرف بين مناطق الشرعية ومناطق الحوثيين"، مؤكداً لـ"الخليج أونلاين" أن هذا الأمر "أدى فعلياً إلى وجود عملتين مختلفتين في اليمن، وإن لم يكن معلناً بصورة رسمية؛ نتيجة قرار الحوثيين بحظر تداول الطبعة الجديدة من العملة التي طبعتها الحكومة الشرعية في الخارج".

ويرى أن عملية الفارق في سعر الصرف في المحافظات اليمنية "خلق مشاكل عديدة وتعقيدات كثيرة، ابتداءً بانهيار الأوضاع المعيشية وارتفاع أسعار السلع، وإيجاد سوق سوداء للمضاربة بالطبعة الجديدة والقديمة، وكذلك دفع الناس للتعامل بالعملات الأجنبية، خصوصاً في الحوالات المالية والمعاملات التجارية بين مناطق الشرعية ومناطق الحوثيين، وهذا له تأثير مباشر في ضرب قيمة العملة الوطنية وتآكل قيمتها الشرائية".

ويضيف: "كما أن استمرار الحرب الاقتصادية وازدواجية القرارات المصرفية بين بنكي عدن وصنعاء يضر بالعمل المصرفي، ويضع تعقيدات كثيرة أمام العمل المالي والمصرفي، ويهدد بتوقف عمل البنوك والمصارف، وهو ما ينعكس بالضرورة على تدهور وتراجع النشاط التجاري والتنموي في عموم محافظات الجمهورية، ويهدد ضرب الاقتصاد الوطني في الصميم".

اقتصاد معطل

يعتمد الاقتصاد اليمني على القطاع النفطي بشكل كبير منذ اكتشافه، منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كمورد رئيسي لسلّة النفقات العامة؛ إذ تشكّل العائدات النفطية 70% من موارد الموازنة العامة للدولة، و63% من إجمالي صادرات البلاد، كما تشكل عائداته 90% من النقد الأجنبي.

وتعاني الحكومة اليمنية من عجز كبير في مواردها المالية بسبب تأثر إيراداتها النفطية وغير النفطية نتيجة أزمة كورونا، وتعطيل الإمارات للموانئ، إضافة إلى الانخفاض الحاد في تحويلات المغتربين إلى اليمن لتأثر أعمال أغلبيتهم في دول الاغتراب، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية من التحالف.

ولا يملك البنك المركزي اليمني سوى أموال قليلة من النقد الأجنبي، المتمثلة في جزء من الوديعة السعودية التي تقدر بملياري دولار ترفض المملكة تجديدها في ظل ظروف صعبة تمر بها جراء أزمة كورونا واستمرار الحرب الدائرة، وغياب الحكومة بسبب الخلافات المستمرة مع المجلس الانتقالي الموالي للإمارات.

وباءت التحركات التي قامت بها الحكومة اليمنية لتجديد الوديعة السعودية، أو رفع يد الإمارات عن ميناء بلحاف الاستراتيجي في شبوة (جنوب شرق)، وميناء الضبة النفطي في حضرموت (شرق) لإعادة التصدير وتوفير موارد مالية، باءت حتى الآن بالفشل.

ويعاني اليمن عجزاً كبيراً في العملة الصعبة من الدولار، الأمر الذي يجعله غير قادر على مواجهة المتطلبات المتعلقة بتوفير العملة الصعبة للتجار للاستيراد.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي