شيوخ الحلقة يحكون تاريخ ساحة جامع الفنا

2021-08-25

فن عفوي عريق

مراكش (المغرب) – شكلت ساحة جامع الفنا بمراكش على الدوام الوجهة الأكثر جاذبية للسياح الأجانب والمغاربة القادمين للمدينة الحمراء، حيث تمثل أحد الفضاءات ذات الطابع الثقافي والسياحي التي يقف من خلالها الزوار على العديد من التقاليد الشعبية التي تزخر بها الثقافة المغربية (الحكواتيون والمجموعات الموسيقية والألعاب البهلوانية وغيرها من الفرق الشعبية المنتشرة داخل هذه الساحة).

تعيش “ساحة جامع الفنا” بمدينة مراكش المغربية ومنذ مئات السنين على وقع زمنها الخاص، صاخبة بأهازيج روادها من الفنانين الفلكلوريين، وغاصة بزوارها المتحلقين حول رواة الأحاجي ومروضي الأفاعي وأصحاب ألعاب الخفة الذين صنعوا منها ساحة فرجة ورواية للتاريخ.

   

كتاب يقدم حوارات بأسلوب سردي، اختار فيه السارد الرؤية من خلف لتقدم ساحة جامع الفنا نفسها بنفسها.

وفي إطلالة على أحد أهم العناصر الثقافية للساحة ألا وهو فن الحلقة، صدر مؤخرا عن المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش، مؤلف جديد يحمل عنوان “ساحة جامع الفنا تتحدث عن نفسها”، للكاتب والإعلامي عبدالواحد الطالبي، والذي يسرد فيه سيرة رواد الحلقة وصناع الفرجة بالساحة.

ويصف مؤرخون مغاربة “الحَلقات الشعبية”، في “ساحة جامع الفنا”، بأنها “أكبر خشبة مسرح استعراضي عمومية في المغرب”، حيث يصوغ الممثلون حكاياتهم بطريقة عفوية، ويجسّدونها بشكل هزلي، ويقبل عليها الجمهور بتلقائية، فــ”الحْلاَيْقي” (نسبة إلى الحلقة)، ينقل زوار حلقته إلى زمن القصة الخاص لينتهي الاستعراض، إن نال إعجاب الجمهور، بإلقاء قطع نقدية تشجيعًا لصاحب الحلقة ومكافأة له على عرضه. ولا يقتصر انتشار فن الحلقة على “ساحة جامع الفنا” بمدينة مراكش، بل إن ساحات تاريخية بمدن مغربية عريقة كانت مسرحًا لهذا الفن العفوي.

مؤرخون مغاربة يصفون الحَلقات الشعبية، في "ساحة جامع الفنا"، بأنها أكبر خشبة مسرح استعراضي عمومية في المغرب

ويتضمن الكتاب الجديد، الذي يقع في 280 صفحة من الحجم المتوسط، 28 حوارا مع شيوخ الحلقة والمهتمين بتراث ساحة جامع الفنا، حيث يستعرض سير حياة “الحلايقية”، وتاريخ الساحة منذ أربعينات القرن الماضي، معززة بصور توثيقية، إضافة إلى تصدير وتقديم ثم ملحق.

وفي تقديمه للكتاب، أوضح عبدالواحد الطالبي أن هذه “الأضمومة الإعلامية سباقة لنشر سيرة حياة أعمدة الساحة ورواد الحلقة بألسنتهم وتقديم ساحة جامع الفنا في واقعها كما لا يمكن تزييفه في أي صورة”.

ويعتبر الطالبي هؤلاء الفنانين قد ساهموا بشكل كبير من خلال تنقلاتهم وما يقدمونه من فن شعبي في نقل الأخبار وأنباء الوقائع، والحوادث السياسية والاجتماعية، بين المناطق البعيدة، وكان البعض منهم يختار رواية السيرة النبوية، وبعض القصص المستقاة من أمهات الكتب، فيستعيض حينها عن دوره الترفيهي، ليصير معلما يلقن جمهوره، ومريديه المعرفة والحكمة.

ولفضاء ساحة جامع الفنا رمزية ومكانة كبرى في الثقافة المغربية وحتى العالمية، فقد ألهمت الساحة بفنونها وعروضها العديد من الكتاب العالميين الكبار أمثال خوان غويتيسولو، كما شكل هذا التراث اللامادي الإنساني المغربي مصدر إلهام للعديد من الشعراء والفنانين المسرحيين والموسيقيين كما صنفته اليونسكو كتراث شفوي للإنسانية.

وتبقى الحلقة من أبرز فنون الساحة بما تقدمه من سرد محكي شعري مشبع بالخيال، وأداء فني يكتمل فيه أداء الجسد مع نبرة وإيقاع الصوت وفنون المسرح مع تتبّع لنبرة الحروف في جذب للإنصات.

هذا ما علمته ساحة جامع الفنا لفنانيها، من الشرقاوي مول الحمام إلى عبدالرحيم الأزلية وباريز وآخرين.

وأضاف أن الكتاب، الذي سيكون رهن إشارة المهتمين بتراث ساحة جامع الفنا والباحثين في تاريخ شيوخ حلقاتها وسير الرواد، يضم بين طياته الكثير من الوقائع التي تصلح أرضية ومنطلقا لبحث يغني خزانة التوثيق للتراث الشفهي الوطني.

وذكر، من جهة أخرى، أن إصدار هذا الكتاب يتزامن مع ظروف جائحة كوفيد – 19 وما فرضته من حجر صحي، منع ساحة جامع الفنا من روادها وجمهورها، و”جعل بنيانها يتداعى بلا أعمدتها الذين هم شيوخ الحلقة، ومنع الحلايقية من مورد رزقهم”.

وبعد أكثر من سنة من الركود والتي أصبحت معها الساحة تعيش فراغا وهدوءا أفقداها ابتسامتها وجماليتها وحركيتها الفنية الدائبة، بدأت الحركة الطبيعية تدب اليوم داخل ساحة جامع الفناء لتعود بشكل تدريجي إلى مختلف المناحي الاقتصادية والسياحية والثقافية بها وتنعش الروح في فضائها، بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا بتخفيف القيود المرتبطة بجائحة كورونا نتيجة تحسن الوضع الوبائي في البلاد.

وخلص مؤلف الكتاب إلى أن “الحوارات وردت في صيغة غير مباشرة بأسلوب سردي حكائي اختار فيه السارد الرؤية من خلف لتتمكن ساحة جامع الفنا من تقديم نفسها بنفسها في الصورة التي سيراها القارئ، مثلما لم يراها من قبل”.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي