الأنوثة السينمائية تنجح في المغامرة وتقهر الرجال

2021-08-28

 الشخصية الأنثوية المتفردة والخارقة

طاهر علوان*

ظلت الأنثوية السينمائية تؤرخ مسيرة ميزت ذلك الظهور المتكرر الذي قدم صورة نمطية للمرأة في أدوارها التقليدية ومهامها اليومية من دون تفرد واختلاف يذكر، فالبطولة الذكورية المطلقة تتبعها صورة الأنثى الحبيبة غالبا والأنثى والشخصية العاملة والزوجة وما إلى ذلك.

لكن صورة أخرى موازية ما انفكت تكمل ما أشرنا إليه وذلك بظهور الأنثوية القاهرة والقادرة على قيادة الأحداث والشخصيات وبما فيها الذكورية إلى النهاية، وهو تنويع صارت السينما العالمية تشتغل عليه ويلقى رواجا تجاريا من جمهور يسعى للوصول إلى المتعة المطلقة في هذا الميدان بصرف النظر عمن يكون الشخص.

وفي هذا الصدد يمكننا رصد سلسلة من الأفلام التي عالجت هذه الإشكالية وقدمت صورة المرأة في منطقة خارج النمطية المعتادة.

في فيلم “امرأة رائعة” للمخرجة باتي جينكينز تقدم شخصية ديانا (الممثلة غال غادوت) تنشأ تلك الفتاة الاستثنائية في بيئة الأمازون وتكون مهمتها كفارسة استثنائية هي التخلص من العجز، إنها ابنة ملكة، وهي مبنية في انتمائها على فكرة أسطورية في كون أسرتها تعود إلى جزيرة ثيميسيرا المخفية، وهي موطن المحاربات اللواتي أنشأتهن آلهة الأولمب لحماية الجنس البشري.

وهكذا يمتزج البشري بما هو أسطوري، ويجري خلال ذلك تكريس ديانا بكونها ذات صفات استثنائية وخارقة في صورة أنثى تمتلك تلك القدرات الهائلة.

وفي إطار قصص الكوميكس الشهيرة وسلسلة مارفيل ها هي الممثلة سكارليت جوهانسون في فيلم “الأرملة السوداء” للمخرجة كيت شورتلاند، وتقوم جوهانسون بدور ناتاشا رومانوف وهي آخر من بقي من الحراس المغامرين في تلك السلسلة الشهيرة لتتمّ ملاحقتها من أجل القضاء عليها، كونها قد خرقت ما تم تدريبها عليه حيث يتم فصلها عن والديها وشقيقتها ولتنطلق رحلتها من الطفولة إلى بدايات سن العشرين.

وكالعادة في مغامرات جوهانسون وحيث تمتزج الأنوثة السينمائية ببراعة الحركة والدخول في المغامرات والنزاعات، وها هي تنفّذ عملية إنقاذ لوالدها من السجن الذي يقبع فيه، ولنتخيل مساحة اللا منطق واللا معقول أن كل ذلك الرصاص الذي أُطلق على الجميع لم يمنع من إنقاذ السجين، بل والتحليق به بعيدا ليدخل طرفا في الصراع المتواصل والممتد من حول العالم ما بين ناتاشا وشقيقتها ثم يضاف إلى ذلك والدهما.

ويلاحظ خلال ذلك الإيهام والتمويه بإخفاء شخصيات واستبدالها بأخرى، ومن ذلك نزع وجه أم ناتاشا ليظهر وجهها هي، وهكذا تتنقل الشخصيات الأنثوية بين أطوار متعدّدة في أجواء من الصراعات التي لا تنتهي والتي تكرسها للبطولات الفردية، والتي تكمل مهمة كابتن أميركا الذي يظهر بشكل كوميدي.

وفي فيلم “المستعمرة” سوف يتم تكريس الشخصية الرئيسية، الفضائية بليك (الممثلة نورا أرنيزيدير)، هنالك المغامرة الأنثوية المحملة بالحس الإنساني العميق لجهة ما تعلمته بليك من والدها “إننا من أجل الكثيرين”، وهو ما مثّل شعارا ولازمة تردّدها من أجل إنقاذ الآخرين، بينما تتجمّع من حولها تلك الكائنات المشرّدة بملابسها البالية وكل منها يريد إيقاع الأذى بها.

هنا تتجلى قدراتها الاستثنائية ومهمتها الجسيمة في إنقاذ ما تبقى من البشر، لاسيما بعدما تتحطم المركبة الفضائية، والحاصل أنه من خلال هذه الدراما المتصاعدة تمكّن المخرج وبنجاح من إيجاد نسيج حياتي في تلك البقعة المنسية في تجسيد مقنع ورصين لشخصية الأنثى المكافحة والاستثنائية، التي شهدت الخراب الأرضي حتى لم يبق شيء صالح للعيش، وهو المتغيّر الذي تم من خلاله الانتقال السلس والموضوعي من مجتمع الأزمة الهش إلى المجتمع الوجودي والإنساني القائم على الإيثار والموضوعية الذي نشأت عليه بليك.

ولننتقل إلى معالجة فيلمية أخرى من خلال فيلم “الحرس القديم” للمخرجة غينا برنس بيثوود، لن نرحل مع الشخصيات عبر الزمن، ولن تتم عملية إيقاف الزمن ولا الرحيل إلى المستقبل، بل إننا سوف نكون مع شخصية أنثوية استثنائية هي في حد ذاتها قاهرة للزمن ومن فصيلة الخالدين الذين لا يهلكون، وإذا أصيبوا فجراحهم سهلة الالتئام والشفاء.

ها هي أندي الفاتنة (الممثلة تشارليو ثيرون)، رشيقة الحركة، ذات القدرات القتالية الفريدة، تستعيد تاريخ مجيئها إلى الحياة إلى قرون خلت، إذ ليس مستغربا أنها كانت قد شاركت في الحروب الصليبية هي وصديقة لها قاتلت مع نابليون بونابرت.

أندي تقود دراما طويلة ولا نهاية لها في رحلة عابرة للقارات والدول، وهي تحقق انتصاراتها تباعا وبشكل استثنائي ملفت للنظر في بناء الشخصية الأنثوية المتفردة والخارقة، وهي في أوج تحرّكاتها تكون مرصودة ومشخّصة من قبل عميل في الظل للمخابرات الأميركية، يعمل بالتنسيق مع شركة أدوية عملاقة لغرض القيام بأبحاث يتمّ من خلالها البحث في الجينات الوراثية للخالدين، ونقل أسرارها للبشر العاديين الذين تهلكهم الأوبئة والأمراض، وهو ما يدفع إلى اختراق المجموعة من خلال خيانة واحد منها.

وبالفعل فإنها بعد سلسلة صراعات دامية سوف تؤكد قدراتها الاستثنائية الفريدة في فرض إرادتها، وفي التعبير عن أنثوية قاهرة تمزج ما بين خفة الحركة وسرعة ردود الأفعال المفاجئة.

 

  • كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي