الناقد الأردني أنور الشعر: لم ينجح الخطاب النقدي العربي في بلورة منهج نابع من بيئته

2022-08-29

حاوره: نضال القاسم

الشاعر والناقد الأردني أنور الشعر له العديد من المؤلفات المختلفة، شعرا ورواية ونقدا، ولهذا فهو ممن لهم بصمة واضحة في الأدب الأردني، وهذا الحوار يمثلُّ مدخلا لمسيرته وإضاءة على أهم أعماله..

بداية.. كيف تقدم نفسك إلى القارئ العربي؟

أكاديمي وشاعر وروائي وناقد. شعريّا أصدرت سبع مجموعات شعرية إحداها للأطفال بعنوان «هيا يا صديقي». كما أصدرت رواية بعنوان «راحابيل» وكتابين في النقد الأدبي.

كيف تواجه عملا نقديا؟ وكيف تشعر بأنك أمام إبداع حقيقي؟

من سمات الناقد الناجح التصالح مع الذات ومع الآخرين ومع الأعمال الإبداعية والنقدية، فأنا لا أحمل موقفا مسبقا مع أو ضد أي عمل إبداعي أو نقدي، ولا بد من دراسة العمل النقدي بحيادية وعلمية بعيدا عن شخصية مبدعه أو مؤلفه. وأشعر بأنني أمام عمل إبداعي حقيقي، إذا احتوى العناصر التي تجعل منه عملا إبداعيا من حيث الشكل والمضمون واللغة، ورؤية المبدع للكون والحياة والأحداث.

كيف تنظر إلى مشروعك النقدي بعد أعمالك «توظيف التراث في الشعر الفلسطيني المعاصر» و»النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر في فلسطين والأردن» وما هي المشاريع التي تعمل عليها الآن؟

شكّلَ الكتابان السابق ذكرهما اللبنة الأساسية لمشروعي النقدي، وتبعهما العديد من الدراسات النقدية في الشعر والسرد. المشروع النقدي للناقد، كما المشروع الإبداعي للمبدع لا يكتمل أبدا، فقبل أن يصدر الناقد منجزا نقديا يكون قد وضع الخطط للبدء في منجز جديد، فدائما توجد إبداعات جديدة بحاجة للدراسة والتحليل. ومن ناحية عملية فإن مشروعي النقدي يتجه نحو الدراسات التطبيقية في نقد الشعر والسرد، إذ إن الدراسات النظرية كثيرة وتكاد تكون مكررة، أما الدراسات التطبيقية في النقد فهي معين لا ينضب، فكل يوم يشهد إصدارات إبداعية جديدة. أما المشاريع التي أعمل عليها الآن فهي العمل على إصدار كتاب جديد في الدراسات النقدية بعنوان «رحيق القوافي/ دراسات نقدية في الشعر العربي المعاصر» تناولت فيه بالدراسة والتحليل أعمالا شعرية لخمسة شعراء معاصرين من الأردن، كما أعمل على الانتهاء من التدقيق والمراجعة النهائية لروايتي الجديدة تمهيدا لطباعتها ونشرها، بالإضافة إلى ذلك قمت مؤخرا بنشر ثلاثة أبحاث نقدية في مجلات محكمة.

وما رأيك في المناهج النقديّة الحداثية؟

المناهج النقدية – ومنها الحداثية- إرث إنساني عابر للحدود وللقارات، فلا بأس من أن ندرسها جيدا ونأخذ منها ما يناسب ثقافتنا وأعمالنا الأدبية، فتلاقح الحضارات والتفاعل بين الثقافات، أمر إيجابي ومطلوب للارتقاء بالمجتمعات البشرية، وهذا لا يعني اللهاث وراء كل ما يقوله مفكرو الغرب ونقادهم، فهم ينطلقون في رؤاهم من بيئتهم وثقافتهم، فلنأخذ منها ما يناسب ثقافتنا وأعمالنا الأدبية ونترك غير المناسب.

وماذا عن علاقة النقد بالإبداع، هل هو تابع له أم متبوع؟

علاقة النقد بالإبداع علاقة جدلية اختلف فيها الدارسون. وفي الواقع العملي نجد أن النقد يأتي بعد الإبداع من حيث الترتيب الزمني، فالمبدع يكتب ما يجود به خياله وأفكاره وتجاربه، ثم يأتي الناقد ليدرس هذه الأعمال ويكشف عن جماليتها، ويشير إلى ما يعتورها من هنات ليتجنبها المبدع في أعمال لاحقة. فالناقد مرشد وموجه للمبدع بهدف الارتقاء بتجربته الإبداعية، فالشاعر الراحل محمود درويش أدرك الدور الريادي للنقد وللنقاد، فعندما عكفوا على مدح أدب المقاومة وتبجيله مجرد أنه يعبّر عن ثقافة المقاومة بعيدا عن المعايير الفنية، خاطب النقاد قائلا «أنقذونا من هذا الحب القاتل». أما أن نأتي بنظريات نقدية جاهزة ونفصل أعمالنا الأدبية بناء عليها، فإن هذا كمن يضع العربة أمام الحصان.

الخطاب النقدي الروائي العربي هل ترى أنه في مستوى النتاج الإبداعي الروائي العربي؟

لم ينجح الخطاب النقدي العربي في بلورة منهج نقدي أو رؤية نقدية محددة نابعة من البيئة العربية، وتتسق مع معطيات الثقافة العربية والمجتمع العربي. وكل ما يقوم به الناقد العربي هو إسقاط النظريات الغربية على الأعمال الأدبية العربية، ويكون هذا الإسقاط في كثير من الأحيان تعسفيّا، فيعمد بعض النقاد إلى تطبيق منهج واحد على جميع الأعمال الأدبية، ما يقوض دور الناقد والنقد ويسيء قراءة العمل الأدبي.

وماذا بين روايتك الأولى «راحابيل» وسيرتك الذاتية؟

أصدرت روايتي الأولى «راحابيل» ولاقت حظا وافرا من القبول من جمهور النقاد والمثقفين ومتلقي الرواية. والآن بصدد إصدار روايتي الثانية. أما عن سيرتي الذاتية وانعكاسها في روايتي «راحابيل» فالروائي يكتب من وحي قراءاته وملاحظاته وتجاربه الحياتية المعيشة، فلا يمكن أن يصدر عمل روائي بحجم رواية «راحابيل» وعمقها دون خلفية ثقافية واسعة، لكنني لم أقحم سيرتي الذاتية في رواية «راحابيل» كليّا أو جزئيّا، فالرواية هي حكاية ضياع الوطن والإنسان عبّرت عنها بطريقة سردية، وليست رواية سيرة ذاتية لمؤلفها.

تمتلك حنينا تجاه أمكنة ما وتود الاحتفاء بها، فماذا عن المكان في رواية «راحابيل»؟

الحنين إلى مسقط الرأس فطري في الإنسان، وكل واحد منّا يتوق ويحن إلى مرابع الطفولة والصِّبا، خاصة إذا حرم منها قسرا. وأنا في حنين دائم منذ عام1967 إلى تلك السهول والوديان والتلال في منطقة أريحا، حيث ذكريات الطفولة، وشقاوة الصبا. لكن هل تمثل هذا الحنين في رواية «راحابيل»؟ الجواب يكاد يكون بالنفي لأن «راحابيل» ليست سيرة أنور الشعر. عطفا على ذلك تنتقل أحداث الرواية بين العواصم الأوروبية موسكو، وبرلين، ولندن وتمتد لتصل إلى المملكة الرشيدية التي تضم العديد من الدول العربية، حسب إملاءات سايكس/ بيكو من ضمنها فلسطين المكان الذي أحنّ إليه على الدوام.

وماذا عن المشهد الثقافي العربي؟ كيف ترى سقف الحرية لدى المبدع في العالم العربي؟

أرى أنّ المبدع الحقيقي لا يكون متشائما أبدا، مهما كان الوضع العام قاسيا، فعلى معشر الأدباء والكتاب أن يتسلحوا بالأمل. وإذا فقد الأدباء الأمل والتفاؤل، فإنهم يخسرون سمة مهمة تميزهم عن باقي الناس، لذلك لا أشعر بخيبة أمل من المشهد الثقافي العربي رغم السلبيات التي تعتوره، مثل غياب الدعم للمبدع أو الكاتب، وتدني سقف الحرية في كثير من بلدان الوطن العربي، وعزوف المواطن العربي عن القراءة بشكل عام.

وهل هناك ثوابت في العمل الإبداعي الأدبي، أم أن الحرية هي الثابت الوحيد؟

نعم، توجد ثوابت في العمل الإبداعي، فالمبدع صاحب رسالة وصاحب رؤية يصدر عنها عمله الإبداعي. الحرية من الثوابت المهمة في الأعمال الإبداعية، وثمة ثوابت أخرى لا بد أن يتمسك بها المبدع مثل قيم العدالة، والإخاء، والمساواة، وحب الوطن والانتماء إليه، ورفض الظلم والاضطهاد والعنصرية بكل أشكالها، لكن أساليب التعبير عن هذه الثوابت قد ينتابه بعض التحولات.

هل يمكن أن يكون للشعر العربي دور ما في الدفاع عن الشخصية العربية المهددة بالاستلاب؟

الشعر تعبير جمالي عن شعور الكاتب، ومواقفه، ورؤيته للكون والحياة والإنسان، فوظيفة الشعر هي الكشف عن حقائق الوجود بطريقة جمالية. ويمكن أن يلعب الشعر دورا مهما في الدفاع عن الشخصية العربية المهددة بالاستلاب، لذلك يعمد أرباب العولمة إلى محاربة الشعر العربي الفصيح، ومحاولة هدمه بخلق شكل أدبي بديل هو ما أطلقوا عليه (قصيدة النثر) وبتشجيع الشعر العامي الذي يسهم في تكريس الإقليميات الضيقة وتأسيس الحواجز الثقافية بين أبناء الأمة العربية الواحدة.

يمر الآن العالم العربي بمتغيرات عديدة وسريعة، أثرّت دون شك على الحياة الاجتماعية والثقافية، لشعوبه، فما هو موقف الشعر العربي من هذه المتغيرات؟

لا بد للشعر، وللأدب بشكل عام، أن يتأثر بالمتغيرات العديدة والسريعة التي يمر بها العالم العربي الآن، فالأدب ليس بمعزل عن التأثر بظروف المجتمع، وسيبقى الشعر شعرا، لكن ربما يغير الشعراء بعض الأساليب لتتناسب مع إيقاع الحياة المعاصرة شديدة التسارع، وما ظهور قصيدة الومضة في الشعر والقصة القصيرة جدا إلا استجابة لهذه المتغيرات.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي