اليمني عبدالرقيب الوصابي: لا بد من إنصاف أدباء اليمن ومثقفيه

متابعات الامة برس:
2022-10-17

 اليمن أرض إبداع لولا التجاهل والحرب (لوحة للفنان مظهر نزار)

عدن- صالح البيضاني: يصف الشاعر والناقد والباحث الأدبي اليمني عبدالرقيب مرزاح الوصابي نفسه بأنه “قارئ من اليمن الحزين يحاول الانعتاق وترك بصمة قد تعرّف بوطنه، في أسوأ فترة زمنية عرفها اليمن”.

توارى الوصابي عن المشهد الثقافي اليمني تحت وقع الحرب وآثارها، قبل أن يعود عبر كتاب نقدي جديد حمل عنوان “سبر الأغوار”، وعن اختفائه ومن ثم عودته، يقول لـ”العرب”، “ليس اختفاء مخططا له كما قد يعتقد البعض، كما أنه ليس هروبا، لكنه قد يشبه الإجراء المتمثل في الرجوع إلى الوراء لأكثر من خطوة بقصد تحقيق قفزة طويلة ونحت في الذات. رجوع إلى الوراء لمراقبة المشهد والإحاطة به وتلمّس خفاياه واكتشاف ملابساته وعوامل ضعفه من أجل تحقيق ما يليق وتقديم إضافة قد تسهم إلى حد ما في تحريك عجلة الحياة وتخصيب مشهد شارف على العجز والخواء”.

سبر الأغوار

في رحلته لإعادة اكتشاف المشهد الثقافي اليمني وسبر أغواره يشير الوصابي في حديثه لـ”العرب” إلى أنه يعيش هموما ثقافية حقيقة، حد تعبيره، مضيفا “تسكنني هموم أخذتني بعيدا عن عائلتي وصغاري، هموم تنشد الحرية وتتغياها، هموم عقل يتغذى على الجسد النحيل وأجزم أن الثقافة القائمة على مبدأ الحرية والوعي تنجح إلى مدى بعيد في تحرير الذهنيات من أغلالها كما تخلق أسباب نهضتها ولذلك في كل مرحلة حاولت أن أهز القناعات وأحرك الركود من حولي وأن أسهم إلى حد ما في خلق لحظة تنوير تحفز منْ حولي على الاستمرار وتمنح الأجيال القادمة فرصة مواتية للثقة بالثقافة وفعل المعرفة القائم على مبدأ نشدان الحرية وتأسيس مجتمع المعرفة الذي يؤمن بقيمة الإنسان باعتباره أساس كل تنمية منشودةٍ وسر كل رخاء قادم”.

عبدالرقيب الوصابي: أحاول التحرك بجدية في مشهد ثقافي مؤذ مرتهن إلى الماضي

وعن نهجه لتحقيق ذلك، يتابع “حاولت التحرك بجدية في مشهد ثقافي مؤذ يرتهن غالبية المشتغلين فيه إلى الماضي عبر التفاف مقيت فيما يشبه الشللية التي تقوم على فكرة ‘شيلني أشيلك‘ وآمنت بالتمرد على الأنساق التقليدية ودفعت ضريبة ذلك وما زلت أراهن على الإبداع الأصيل رغم كل شيء”.

وحول كتابه، الصادر حديثا عن دار عناوين بوكس في القاهرة، والذي حمل عنوان “سبر الأغوار” وما هي الإضافة التي يعتقد أنه قدمها في كتابه النقدي الذي تمحور حول قراءة خطاب الرواية اليمنية دون غيرها من الأجناس الإبداعية، يقول “لعل الإجابة عليه تأتي من جهة تحوّل القناعات التي توصلت إليها بعد فترة زمنية من الصمت والتأملات والقراءات العميقة، ولن أكون مبالغا لو قلت إن جزء كبيرا من إشكاليات المشهد الثقافي وأزماته المتعددة سببها الشعر وغنائيته المفرطة؛ تلك الغنائية التي أسهمت في حقن عقولنا عن التفكير والنظر صوب المستقبل، شعرية التحويم حول ذواتنا تحويما يجعلنا موهومين أكثر من أي وقت مضى، ذلك التهويم الذي صرنا نسلتذُّ فيه بالألم ونسترخي معه عن أسئلة القادم والمستقبل، إنها شعرية اللاشيء التي تقدس الخواء وتنكأ جراح الماضي وتجعلنا منقطعين – تماما – عن اللحظة الراهنة”.

ويتابع “بسبب ذلك وجدتني ألوذ إلى عالم الرواية قراءة وتأويلا، وفي الرواية وجدت ما لم أجده في فضاءات الشعر، وجدتني على تماس عمّا أبحث عنه وأيقنت مع طول الارتحال في عوالم الرواية وفضاءاتها على قدرة الرواية على تشخيص المأساة وكشف القبح ومن ثم اجتراح المعالجات لكل الأزمات والمستنقعات التي انزلقنا فيها على حين غفلة منا وبالمستقبل الذي كنا نغمضُ أعيننا عن استبصاره والتنبؤ بمخبوءاتهِ”.

ويضيف الوصابي “من هنا حاولت سبر الأغوار وعدم الارتضاء بالوقوف على السطح فكان الإبحار من خلال خطاب الرواية اليمنية الحديثة، باعتبارها نبض اللحظة الراهنة وأصدق تجلياتها تشريحا وتشخيصاً ومعالجات سردية أكثر مصداقية وجدوى، فكان أن وضعت يدي على عمق الأزمة المتجذرة في حياتنا والمتمثلة في اغتصاب كل مظاهر الحياة وتمجيد مبدأ الغوغائية كما يشف عن ذلك خطاب رواية ‘بلاد المؤامرات السعيدة‘ للروائي المبدع وجدي الأهدل، أو الارتهان إلى خطابات الماضي التي تؤمن بخرافةِ

الحق الإلهي وفكرة الدم الأزرق وتكريس مبدأ الخروج من أجل تقويض كل معالم العمران والحضارة وتفكيك كل الأواصر ذات الارتباط الوثيق بالمستقبل”.

ويواصل “ببساطة لقد اقتربت من مجموعة روايات يمنية تمجد الحياة وتدين الحرب وتكشف في – الآن ذاته – كل السلوكيات السيئة التي تعيق عجلة الحياة عن التقدم صوب المستقبل الذي قد يليق بأحلام أبنائنا وتطلعاتهم. لقد انتصرت في كتابي ‘سبر الأغوار‘ للحب في استجابة حقيقية لكل نداءات الحياة التي لمست الاحتفاء من أجلها في خطاب الروايات اليمنية التي اقتربت من فضاءاتها وفي الانتصار لكل مظاهر الحياة والحب؛ إدانة حقيقية للحرب وكل نداءات الموت المعلنة والمضمرة”.

محاولات إنصاف

وفي صورة سوداوية عن واقع الثقافة اليمنية وعن قراءته للمشهد الثقافي اليمني في لحظته الراهنة، يقول الوصابي “لم يعد هنالك أيّ مشهد ثقافي، الحرب ألقت بظلالها على الناس، المثقفون متعبون يكابدون تكاليف الحياة ويجاهدون في سبيل انتزاع لقمة العيش لأبنائهم، فمنذ عام 2015 لم نعد نقرأ أو نسمع عن أيّ إصدار جديد إلا النادر وبجهود شخصية أو علاقات، المؤسسات الثقافية معطلة وخارجة عن الجاهزية، والمثقفون يتذمرون من كل شيء مع غياب واضح للمشاريع الفكرية والثقافية التي قد يعوّل عليها في استعادة الحياة من جديد وتغيير مسار المعادلة المفروضة علينا بالإكراه، باستثناء بعض الأصوات الجسورة التي لم ينل منها الإحباط ما زالت تخمش وجه الزيف وتكشف عن سوأته وتواجه بإصرار كل متطلبات الحياة، لكنها تظل محاولات فردية ضعيفة التأثير”.

وليس ببعيد يصف الناقد والباحث عبدالرقيب الوصابي رؤيته للمشهد النقدي اليمني في ظل هذه التغيرات والتحولات، فيقول “بصراحة لا يوجد من قبل سنوات الحرب أيّ مشهد نقدي يمكن الاعتماد عليه في اليمن، ولو أنه كان هنالك أيّ مشهد نقدي حقيقي لما وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه الآن، لقد كنا جزء من الكارثة وسببا أكيدا في حدوثها. كانت هناك بعض المحاولات الفردية في النقد، والمحاولات النقدية كانت على ضعفها وندرتها غير مواكبة للخطاب الإبداعي أيا كان نوعه، كما أنها لم تكن عميقة إلى الحد الذي يكون بمقدورها أن ترصد حركة المجتمع وصيرورته. كانت أعجز من القدرة على أن تسبر أغواره وما يطرأ على سطحه من مؤشرات وظواهر مستحدثة على بنية المجتمع اليمني“.

ويسترسل “لقد أحاط الخوف بالناس بمن فيهم النقاد، لم يعد هنالك من يجرؤ على قول الحقيقة أو الركض بحثا عنها، وكالعادة ما زال المثقف اليمني يهدر طاقته في الكلام والتنظير الشفاهي في المقايل والمقاهي، وبذلك تجف روافد النقد الأدبي وتنتهي بانتهاء جلسات الدردشة تلك والمقايل المتناثرة هنا وهناك، ليبقى الوضع غائما كما عرفته من قبل”.

في عودة للحديث عن اشتغالاته الأدبية والنقدية، يقول الوصابي لـ”العرب” إنه يعمل منذ سنوات على استكمال مشروع نقدي يحاول فيه أن يرصد أهم التجارب الإبداعية اليمنية على الإطلاق.

ويضيف “في محاولة نقدية جادة أحاول من خلالها إنصاف هذه التجربة الإبداعية التي تقوم منذ قدومها إلى العاصمة صنعاء ببذل جهود معرفية جبارة في نواح شتى من نواحي الحياة تثقيفا وتنويرا، وقد استكملت قبل أيام قليلة هذا الحلم الذي ظل ينمو في أعماقي قرابة 18 عاما من الصحبة والمعاصرة لاستكناه أغوار اجتراحات المثقف المتعددعلوان مهدي الجيلاني والارتحال عميقا في عوالم اشتغالاته المتعددة ومكاشفاته المعرفية ‘نقدا وسردا وتصوفا وأنثربولوجيا وشعرا‘. آمل أن أتوصل إلى الإحاطة بهذا المنجز المتعدد وتسليط الضوء النقدي للإمساك بضوابط تحولاته ودواعيها للإمساك بدوافع هذا التعدد ومحدادته وأسئلته المعلنة والمتوارية”.

وعن أحدث كتبه يتابع “كتاب ‘شطرنج المتعدد‘ هذا آخر اشتغالاتي النقدية وحصيلة تراكم سنوات طويلة من الصداقة والمثاقفة، وهو يأتي كمحاولة نقدية جادة لإنصاف تجربة إبداعية معرفية متنوعة لم تتوان في إنصاف الآخرين والتعريف بالتجارب الإبداعية الشابة؛ تجربة إبداعية متنوعة تعكس عبر مضامينها ثراء الجهات التهامية وتفصح عن روافد تكوينها، اشتغال نقدي في العمق جعلتُ محوره شخصية ثقافية بذلت كل ما بوسعها في سبيل تطوير الذات وصقل موهبتها وقدمت تضحيات كثيرة من أجل إرساء ثقافة التسامح وتأسيس مجتمع المعرفة فتجاوزت في صنيعها ذلك كل المكائد والمؤامرات ونكران مؤسسات الدولة التعليمية والثقافية على حد سواء، لنضع مع كل منجز يؤلفه جانبا كبيرا من جهلنا”.

ويتابع “لا أنكر أن اجتهادي والعمل على تطوير قدراتي خلال الأعوام الماضية يتجلى اليوم كحقيقة تؤمن بضرورة تكريم رموز الأدب اليمني والقفز على كل مظاهر التجاهل والنكران لاسيما عندما يتعلق الأمر بإنصاف نموذج للمثقف اليمني الذي احتمى بالمعرفة فأنقذته في التوقيت الذي تنزلق فيه أقدام العديد من المثقفين سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها، شخصيات عابرة في كلام عابر ارتضت خلاصا فرديا حتى لو كان ثمن صمتها احتراق ما تبقى من الوطن”.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي