الموسيقار العراقي رعد خلف: الموسيقى التصويرية هي العنصر الأساسي في الدراما

2022-10-19

حاوره: مصطفى الخليل

كما باقي الفنون الإبداعية، تتجلى البيئة في الموسيقى، معبرة عنها بشكل مرمز، فيأتي اللحن ليعكس تفاصيل الطبيعة والصور والهوية الثقافية بطريقة مؤثرة في النفس، تعلو في كثير من الأحيان فوق مسألة الفهم.

عن مكانة الموسيقى التصويرية والدور الذي لعبته مؤخراً في نجاح الأعمال الدرامية، وعن علاقة الأيديولوجيا بالموسيقى، جاء هذا الحوار مع الموسيقار العراقي رعد خلف، المقيم في دمشق منذ منتصف الثمانينيات.

أنت من عائلة موسيقية معروفة في العالم العربي، يا ترى ما هو دور عائلتك في اكتشاف وتوجيه ميولك للموسيقى فترة الطفولة؟

وجودي ضمن عائلة موسيقية حتماً جعلني أميل باتجاه الموسيقى، وهذا تأثير مباشر من الوالد والوالدة على حد سواء، إضافة للحالة الوراثية؛ فمنذ نعومة أظفاري وجدت العديد من الآلات الموسيقية في البيت كالبيانو الكبير وغيره، كانت جميعها متوفرة لي في بيئة المنزل. وبعدها، والدي أدخلني إلى مدرسة الباليه في بغداد، وقتذاك بدأت الدراسة الاحترافية وكانت صارمة، وكان الوالد أيضاً صارماً في التعاطي مع تعلم الموسيقى، ولا يتهاون في ذلك أبداً.

نتأثر بالموسيقى ونتماهى معها وفي كثير من الأحيان لا نفهمها، أيهما أهم لدى المؤلف الموسيقي؟ أن يفهم الناس موسيقاه؟ أم أن يتأثروا بها؟

بالطبع، عندما يقوم الموسيقي بتكوين موسيقاه، التي هي بمثابة مولود، وابن جديد له، وشيء منه يتكون في داخله ويقوم بإنتاجه، فحتماً ما يهمه في الغالب مدى تأثيرها على الناس ومدى استساغتهم وتشبعهم لها، لكن ليس على مبدأ «الجمهور عايز كده»، بل مدى تأثيره في أنفسهم ومشاعرهم وحتى في سلوكياتهم.

أما عملية (فهم الموسيقى) فهذا يندرج تحت عنوان المعرفة الأكاديمية، إذن، كمؤلف موسيقي يهمني تأثيري المباشر في الجمهور بالدرجة الأولى، خاصة أننا نعمل في مجال الدراما. فمثلاً، مشهد حزين.. يجب عليّ أن أتماشى مع طبيعة هذا المشهد موسيقياً، فأنا كموسيقي يجب عليّ أن أخلق هذا البعد الثالث في الصورة كي أستطيع تلبية حاجة المشهد ليبقى مؤثراً كما يتطلب أن أقدمه من حيث الإحساس والمقدرة على التأثير، فمن هنا أقول إن معيار الموسيقى يكون بحسب مدى تأثيرها في نفسية الناس.

وأيهما يُحفز الموسيقي أكثر.. الجمال، المأساة، الألم، أم الصفاء، أم كل ذلك؟

كل الحالات النفسية التي ذكرتها تؤثر في النتاج الموسيقي، وكلها تحفزه ومن نواحي متعددة نفسياً ودرامياً واجتماعياً، فهي فصول ضمن هذا العالم الموسيقي وضمن فلسفة معينة، وهذه الفلسفة تستقى من الحالات النفسية؛ الجمال، الصفاء، المأساة، والألم. ويقولون إن «الوحي نزل عليه»، فأنتج أغنية مثلاً، وهذا مصطلح دارج لجملة من الحالات النفسية التي عاشها هذا المؤلف الموسيقي أو ذاك، إما الفرح أو الألم أو الحزن، أو ما شابه، أو تاثراً بمشاهدات معينة، أو بخبر ما، فأعطى انطباعاً للمؤلف الموسيقي كي يدخل إلى هذه العوالم.

هل من علاقة ما بين الموسيقى والأيديولوجيا؟ وهل توجد موسيقى منتمية؟

الموسيقى نوعان؛ مؤدلجة، وغير مؤدلجة، وحتى غير المؤدلجة هي ذات طابع انتمائي حتماً؛ أليست الكتابة للناس أيديولوجيا؟ ألا نُطلق على من يكتب ويؤلف للوطن صفة الوطنية؟ أما الأيديولوجية – وهنا تدخل ضمن باب التحزب- كونها تأتي ضمن باب السياسية لفئة ما معينة. في حين أن الوطنية أكثر شمولاً وسعة، في كل الأحوال لا بد من أن يكون هناك انتماء. فمثلاً المؤلف الموسيقي الروسي رخمانينوف الذي هاجر من روسيا إلى أمريكيا بعد ثورة 1917 وبقي لفترة طويلة معذباً بسبب بعده عن وطنه، سنجد أن ألحانه ضمت جملة هائلة من العواطف تجاه وطنه؛ فهذا انتماء، وهذه أيضاً أيديولوجيا ذات فكر أعمق.. في النهاية أدلجة الفن تذهب باتجاهات حادة ولا تنبع من العمق.

تتباين وجهات النظر حيال الموسيقى؛ فالبعض يراها ترفاً، في حين أن المشتغلين فيها يعدونها حاجة ملحة وغذاء للروح، وربما ما بين هذا وذاك ثمة مساحة وسطى (على الأقل)، يا ترى ما أهمية الموسيقى؟ وأين تكمن هذه الأهمية؟

هو ليس انحيازاً للفن والموسيقى، نحن نقول أحياناً، إن الموسيقى غذاء الروح وهو مصطلح دارج اجتماعياً، لكن في حقيقة الأمر أن الناس لا تستطيع العيش دون نغم ودون موسيقى؛ البالية فن، والفن التشكيلي فن، والرواية والمسرح كلها فنون، ويأتي في المقدمة الفن الموسيقي ويكاد يكون الأول في تنمية الثقافة والحسيات، وحتى فيزيولوجياً في داخل جسم الإنسان، لكن الموسيقى وحدها من بين كل الفنون تستطيع تهذيب الإنسان منذ صغره، وهنا مكمن ضرورتها وأهميتها في حياة البشرية.

وكيف ينعكس هذا التأثير في الواقع؟

الموسيقى بطبيعتها ومنذ القدم استطاعت تقسيم التأثير وموازنته؛ فهناك الموسيقى الرومانتيكية، والموسيقى الانطباعية، وموسيقى الحداثة والموسيقى التعبيرية، إلخ. خذ مثلاً في بلداننا العربية هناك من يستمع لفيروز صباحاً، وهناك بلدان ومجتمعات أخرى يستمعون لموسيقى صباحية أخرى مختلفة، وتجد آخرين يستمعون لأم كلثوم في الليل، وهذا المثل لا ينطبق على الموسيقيين فقط، بل على الكثير من الناس على اختلاف توجهاتهم واهتماماتهم. غير ذلك، هذا الجيل مثلاً لديه نمطية مختلفة عن الجيل الأكبر سناً، فهو لديه نوع أغانٍ وموسيقى معينة، وكذلك النوعية الموسيقية المُقدمة، التي يلعب الإعلام دوراً في رواجها، إضافة لمعايير أخرى ومنها معايير تجارية.

يُقال إن «الموسيقى العراقية» هي أساس الموسيقى في العالم، ما رأيك بهذا القول؟ وما مدى صحته؟

لا يمكن القول إن الموسيقى العراقية هي أساس الموسيقى في العالم فهذا مصطلح خاطئ، لكن البعض يتعامل مع مورثه نوعاً ما بحالة «شوفونية». بالنسبة لي، كل الأماكن تُكمل بعضها بعضا في هذا الشرق؛ تركيا، إيران، العراق، سوريا، ومصر من ناحية المقامات والأداء، ومن ناحية الآلات الموسيقية. والشيء الأجمل أن تجد منطقة اسمها (الخليج) وهي المنطقة الممتدة من البصرة في العراق إلى عُمان، وصولاً إلى اليمن والسعودية، التي تجد فيها ألواناً موسيقية بديعة ومتنوعة، وهي ألوان جميلة جداً، بحرية وصحراوية.

كيف تستلهم موسيقاك؟ وهل يأتي الإلهام مصادفة ودون تخطيط، أم ماذا؟

أنا كشخص أكاديمي لديّ الحالتان؛ فأنا أكتب موسيقى عندما أدرس إيقاعاً جديداً أو أدرس مادة معينة وأبحث في اللحنيات أو توزيع موسيقي جديد. لكن في بعض الأحيان يأتيني الإلهام فجأة. لكن هذا الإلهام لا يأتي في كل وقت ومتى أرغب، فهو يحتاج إلى حالة من الاستقرار والصفاء. وهذا ما نفتقده في غالبية بلداننا العربية خلال العقد الأخير، وذلك بسبب الاضطرابات والظروف التي نمر بها؛ إذ أشعر أحيانا بأنني أصبحت عنيفاً في الألحان الموسيقية، ربما بسبب المشاهد التي أرارها وتؤثر في نفسيتي وعقلي.

ما هي العلاقة بين الموسيقى التصويرية والبيئة في الأعمال الدرامية؟

البيئة في الموسيقى التصويرية مهمة جداً، على سبيل المثال في لقطة سينمائية عندما تسمع صوت الأذان، إذن أنت في منطقة الشرق الأوسط أو المنطقة العربية ولست في أوروبا. فالمادة التي نقدمها في الموسيقى التصويرية دائماً ندرس بُعدها السمعي الحقيقي، ومدى تأثيرها في الصورة، وما هي البيئة التي انبثقت منها هذه المادة.

أين تكمن أهمية الموسيقى التصويرية؟

الموسيقى التصويرية هي العنصر الأساسي في الدراما، وما تزال، وهي شيء أساسي ولا يمكن تجاوزه، لكن هذا في الغرب، أما في عالمنا العربي للأسف الشديد ما زالت إحدى الكماليات؛ فليس كل المخرجين لديهم هذا الإحساس، فالمادة الموسيقية مثلها مثل النجم، وهناك مخرجون همهم الأساسي الموسيقى التصويرية من بداية العمل حتى نهايته، خذ مثلاً تجربتي مع شوقي الماجري ومع المرحوم حاتم علي في أكثر من عمل. وأنا كمؤلف موسيقي أحرص على قراءة النص مثلما يقوم بطل المسلسل بقراءته حلقة حلقة ولحظة لحظة.

في الدول المتقدمة تحظى الموسيقى بأهمية ومكانة كبيرة، لماذا لا تحظى بالمكانة نفسها لدينا في الشرق، والعالم العربي بشكل محدد؟ هل لدينا «تخلف» موسيقي إن جاز التعبير؟

نحن في العالم العربي وفي الشرق عامة بارعون في الموسيقى الصوفية، وهذا له جذوره في وعينا وثقافتنا. لكن في المجمل لا يوجد لدينا اهتمام بالموسيقى ولا توجد مدارس موسيقية، كذلك لا يوجد اهتمام بتدريس الطفل موسيقياً، والتي تعتبر جزء من تربية الطفل الأساسية. لدينا حصة في المدرسة اسمها حصة الموسيقى وهي غير كافية، وأكاد اقول إنها ضحلة معرفياً.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي