الحرب تشرب الشاي في المقهى!

2022-11-12

صدرت حديثاً رواية «الحرب تشرب الشاي في المقهى» للكاتب السوري منصور المنصور.

جاءت الرواية الصادرة عن دار سامح للنشر في السويد في 234 صفحة من القطع الموسط.

مقتطف من أجواء الرواية، بتصرّف:

ضحك يوسف الضاهر حتى بانت نواجذه، كما يقال. بانت أسنانه الصفراء، ورأيت حلقه من الداخل. ثم أوقف ضحكته فجأة وحدق في وجهي، في عيني بالتحديد. شعرتُ لحظتذاك بالخوف؛ لأن ملامحه تبدلت بأكملها، وبدا كأنه على وشك أن يقرر مصيري بالإعدام شنقاً أو بالرصاص. راح يتحدث عن الرجولة والشجاعة والجبن والخنوع، وتحدث عن المؤامرات ضد بلدنا، وعن المتطرفين القَتَلة، والمعارضة الخائنة الذين يجب سحقُهم واجتثاثهم من الجذور، ثم بدأ يتحدث عن الوطن الذي يُفتدى بالروح والمال وكل شيء. تلفَّت حوله، ثم مد نظره بعيداً وبدأ يتحدث بصِدق. قال لي:

– انظر إلى الموضوع من جهة أنه بزنس، نقود، واسأل نفسك: هل هو مربح؟ كم يدرُّ عليك من دولارات؟

ثم أطفأ سيجارته ليشعل أخرى، وتابع حديثه قائلاً:

– لنفترض أن هناك رجلاً أحمقَ لكنه ثري، يريد أن يستثمر نقوده في ترهات السوشيال ميديا، ويريدني أن أصور له العالم وما يدور من حوله كما يتمنى أن يكون. يريد مني أن أكذب عليه، ويعطيني دولارات مقابل الكذب. كلما كذبت أكثر، أجزلَ لي العطاء أكثر.

ثم أطفأ سيجارته وهو ينظر إليَّ، وقال:

– أنت ماهر في الكلام، فكن ماهراً في الكذب. استغِلَّ هذه الفرصة واكسب دولارات. لا تتردد؛ فمن يتردد يبقى حيث هو. ولكي تكون ثرياً، يجب أن تكون مغامراً. هناك موجة هائلة، وعليك أن تركبها وتديرها وَفْق مصالحك. اصعَدْ ثم اتركها عندما تصل إلى الشط، ودَعْها ترتطم وحدها وتتلاشى على صخور الشاطئ.

سألتُ عن موقف الجريدة، وإلى جانب من تقف؟ فابتسم بسخرية، وقال:

– الجريدة لمن يدفع!

ثم سألني:

– مين رح يدفعلك؟

احترت ماذا أقول له، ثم قلت:

– أنت.

– ومين رح يدفع لي؟

لم أُجب. تبادلنا النظرات، ثم غمز بعينه وابتسم. شعرت أن مؤامرةً قد حِيكت واكتملت في تلك اللحظة. أشياء كثيرة لم تُقَل، لكنني فهمت كل شيء. لم أوافق ولم أرفض. طلبت وقتاً للتفكير.

مر يومان كنت فيهما قلِقاً جداً وخائفاً، وفي حيرة شديدة من أمري. لا أريد أن أخسر المال الذي يُقدَّم لي، ولا أريد- من جهة أخرى- أن أعمل في السياسة ومشاكلها. تخيفني تَبِعات العمل في السياسة، وتملأ حياتي بالقلق والخوف.

ثم التقينا من جديد. وخلال اللقاء، وقبل أن أرفض المشروع، راح يشرح لي. قال:

– إن الجريدة سوف تبدأ بنقد شديد للنظام ورجاله. يجب أن تَنشر فضائح لم تُنشَر سابقاً، ولا تخطر على بال أحد. وسوف يمدني بأخبار وفضائح شخصياتٌ شديدة الولاء للنظام؛ بل من الدائرة القريبة من الرئيس شخصياً.

ثم أَسرَّ لي بأن هناك شخصيات سياسية مهمة، ورجال أعمال يراد لهم أن يُحرَقوا ويغادروا المسرح. وبعد أن تكسب الجريدة أعداداً كبيرة من المشاهدات والمتابعين، ويرسخ في أذهان متابعيها أنها جريدة معارضة من الطراز الأول؛ يبدأ التحول في الموقف وكَشْف فضائح المعارضة، وخاصة الناشطين الشباب والمثقفين الذين لهم وزن كبير. وسيكون النقد خفيفاً في البداية، ثم تبدأ الفضائح بالظهور تدريجياً، سواء كانت فضائح حقيقية أم مختلقة. يجب تحطيم رموزهم، وخاصة المفكرين منهم والناشطين، كما يجب اختلاق أبشع الجرائم الأخلاقية والجنسية وإلصاقها بهم. ستُنتقد المعارضة من داخلها ومن موقعٍ معارض للنظام، مع مواصلة تسليط الضوء على النظام بين حين وآخر.

غادرتُ المطعم ولم أُعطه جواباً؛ بل طلب هو مني أن آخذ الوقت الكافي للتفكير، ثم نلتقي ونتحدث في التفاصيل والتمويل، وذلك هو الجزء الأهم من المشروع.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي