الشاعر الأمريكي سكوت ماينار: المؤثرات الروسية ليست سائدة في الشعر الأمريكي

2023-01-03

أجرى الحوار: صالح الرزوق

سكوت ماينار شاعر أمريكي يؤمن بقانون الكلمة المحكية والمكتوبة، فهو شاعر يلحن وينشد قصائده، ولديه اهتمام بالغيتار، وآخر كتاب له كان بعنوان «الغيتار القطبي» 2021 ويضم مجموعة من القصائد القصيرة ذات الجو الغنائي وغير الملحمي، سبقته مجموعة بعنوان «موسيقى الصناجات» 2016. وقد تناول رؤيته للموسيقى في كتاب سوف يصدر في صيف عام 2023 عن دار ماموث في بنسلفانيا بعنوان «وجبة غداء بجوار ضريح مارك توين» وفيه اعتبر أن الموسيقى علاج يساعد على تجاوز الضعف واليأس والمجهول الذي لا نجد طريقة لاستيعابه. وفي هذا الحوار استكمال وتوضيح لما ورد في الكتاب:

أنت تكتب وتغني وتعزف قصائدك على الغيتار. هل تأثرت ببوب ديلان، الذي كسب جائزة نوبل؟ وما انطباعك الأولي عنه؟

تأثرت بموسيقى وشعر الفنانة الكندية جوني ميتشيل، وبأغنيتها عن الملحن بتهوفن، الذي وضع أهم سيمفونياته بعد إصابته بالصمم، كتبت تقول: «لا صوت للجرس وزوجات صيادي السمك تنوح. لكن ربما هن صم. مع ذلك يجب أن أعطيك رأيي أنا لا أعتقد ذلك». أدهشتني هنا صورة جرس دون لسان وفرض الصمت على جو باعة السمك الصاخب، في العادة، في الشارع أو المرفأ. بوب ديلان في نظري حكواتي متميز، لكنه لا يلمس قلبي بغنائه، وأغنياته السياسية وحدها هي الجيدة، ولو الأمر يعود لي ما منحته جائزة كبيرة مثل نوبل.

ما هو الأفضل في التعبير عن العواطف الإنسانية.. الموسيقى/ صوت، أم الشعر/ كلمات؟

باعتبار أن أشكال التصوير الفني ذاتية، وأستعير هذا الكلام من صديقي غوران مالمكفيست عضو مجلس الأكاديمية السويدية التي تمنح جائزة نوبل في الآداب، فقد قال لي في إحدى المناسبات: إنه يؤمن بأن الشعر يؤثر فينا عاطفيا بواسطة الكلمات. اللغة تكون أجمل في الشعريات والأصوات الرقيقة وترتيب السطور والعبارات العذبة. وهذا النشاط الضمني يمنح أكثرنا عاطفة قوية، وكنت لاحظت هذه الطاقة في أشعار رياض الصالح الحسين الذي عرفتني على نتاجه في أول لقاء بيننا.

كتبت عن الوسواس الصوت الداخلي. وأعتقد أنك متأثر بالسيد كوجيتو بطل قصائد البولوني زبغنيف هربيرت، ماذا كسبت من هربرت؟

الجواب صعب. عموما هربيرت يمتلك مهارات خيال سيريالي بخلفيات كلاسيكية أو أسطورية. وأعتقد أن لذلك علاقة باهتماماتي. لكن ميوش وزاغاييفسكي كاتبان مؤثران أيضا، وأنا مدين لهما في مجال الكتابة والتفكير، ولا يفوتني أن هربيرت كان كما أظن اقتصاديا، له علاقة بالعلوم والمنطق، ولعل هذا ما أعطى شعره قوة تلاحظها خلال القراءة. وهو مثقف وغنائي وأسطوري وتاريخي في وقت واحد، وأقدر ذلك فيه، وقد كتب عن الظلم بكل استطاعته، ومن زاوية شخصية جدا وضمن رؤية واسعة النطاق كذلك.

هل تظن أن شرق أوروبا أثر في الشعر الأمريكي أم العكس؟

بالتأكيد أن الشعراء الروس مثل أخماتوفا وباسترناك أثروا فينا، على الأقل بمن لديه اهتمام بشعر شرق أوروبا، غير أن الشعر الأمريكي متنوع الأساليب، والمؤثرات الروسية ليست سائدة، ولا قوية كما يبدو. ولعل أعمق المؤثرات جاءت من إنكلترا وإسبانيا وألمانيا. كان الشعر الأمريكي، غالبا، شخصيا، وليس اجتماعيا أو سياسيا، وهذا يعكس الاختلافات الثقافية، وأرى أنني مهتم بشعر أوروبا الشرقية وجنوب أمريكا والشرق الأوسط. ولاحظت أن هذه البلدان قدمت أدبا تخطى ما قدمته ثقافاتنا المحلية.

لماذا فشل الأمريكيون العرب في تأسيس تيار قوي، أو حضور يعادل حضور الأمريكيين أصحاب الأصول الأوروبية والافريقية؟

أنا متأكد من الجواب. لكن قد يكون ببساطة مسألة أرقام. في شبابي كان لي صديق من أصل لبناني واسم عائلته رزاق. يشبه اسمك، لكن لم يكن يوجد في كليفلاند، حيث أعيش، غيره من الشرق الأوسط. الآن زاد عدد المعارف من العرب والشرق أوسطيين، وأرى أن هذا سيبدل الواقع الحالي عما قريب. وشخصيا حاولت جهدي التعريف إلى بعض النماذج السورية في الشعر والقصة، وألاحظ أن القراء والجمهور مسرورون بواقع الأدب السوري. فهو مؤثر ومحسوس ويريد الأمريكيون أن يستمعوا له أو أن يطلعوا عليه.

وماذا تقول عن الأدب الأفرو-أمريكي؟ هل هو فئة مستقلة؟ أم أنه فرع صغير على الشجرة الأمريكية؟

الأدب الأفرو- أمريكي فئة مشهورة ومتميزة هنا، وله عشاق ومرجعيات، غير أن الكبرياء، العنصرية، وسوء التفاهم يخلقان بعض الحدود بوجه أساليب تقديمه للجمهور. وأسجل أننا حققنا تحسنا ملحوظا في هذا المجال في آخر ثلاثين عاما.

هل تميز بين الكاتب الشرق أوسطي والمسلم والعربي؟ وهل تعتقد أن كلا منهم يحمل تقاليد خاصة به، أم تنظر للجميع كشريحة واحدة من الغرباء؟

أعرف التمييز بين هذه الجماعات من الكتاب، لكن على ثقافة الإنسان أن تكون عالية ليرى الفروق ويستوعبها. كلما زاد فهم الأمريكيين لتنوع العاملين في حقل الأدب في الشرق الأوسط، تطورت معرفتهم بثقافات تلك المنطقة. وأرى أن تقديرهم لتلك الثقافات سيكون أغنى وأفضل أيضا. وعدد كبير منا يفضلون استعمال تصنيفات واسعة للتعريف بمنطقة أو بلد، وهذا التبسيط يأتي من الكسل أو ضيق الوقت، كلاهما يقلل من فرص التفصيل والمتابعة.

شاركت في تحرير ونشر ترجمات من الشعر السوري إلى الإنكليزية. ماذا وجدت في الشعر السوري؟ ومن هو أهم شاعر عربي تعتقد أنه يمثل المعايير الشعرية؟ ولماذا يتفق الجميع على أن أسلوب أمريكا في السياسة الدولية هو «سلوك إمبريالي» وليس «مساعدة إنسانية»؟ وهل تعتقد أن القصف والغزو العسكري هو عمل من أعمال التحرير؟

يؤمن البوذيون أن أي فعل وفكرة «تحمل توقيعنا» بمعنى أننا نمتلك أفعالنا وأفكارنا وهي تحدد من نحن في العالم. أن تقتل شخصا لا يعني أنك تحرره، ولا يوجد إنسان لديه قلب أو عقل يعتقد ذلك. وأنا من هؤلاء بالتأكيد. واحترامي لتجربة رياض الصالح الحسين مجرد اتجاه بحثت من خلاله عن إمكانية للسلام. فقد وجدنا فيه حبا للحياة، ورفضا للآلام المبرحة، مع شرح لآثاره التي تدمر وتقهر. وقد بين لنا معنى أن تكون حكيما، وكائنا بشريا عاطفيا. وقد حسن شعره فهمنا لهذه الحالة، في المقابل قدّم أدونيس لنا وجبة ثقافية عميقة وحساسية شعرية مؤثرة، وعلينا أن نقر أو ننتبه لذلك، أو أن نحبه. وكلاهما علمنا كيف نكون حكماء ومتفهمين للجمال والمعرفة العميقة، وللصدق والحب، وأن نريد أو نطلب المزيد من عالم حافل بالمشاكل والرعب، وربما هذه بداية لشيء آخر أفضل. وبالتأكيد آمل ذلك.

كلمة أخيرة عن مشروعك الشعري ؟

لديّ مشاركة بسيطة في عالم واسع وعريض مزدحم بالشعراء والكتاب، وحبي لفن الأدب هو الشيء الوحيد الذي يدفعني إلى الحركة في أي اتجاه مفيد وله معنى، واهتمامي بكبار الكتاب الذين أعجبت بهم يجبرني على التواضع، وأرى أن جهودي مقصرة جدا عن مستوياتهم التي تدهشني بصدق، وتفرض قوتها الجبارة عليّ فكريا وفنيا كلما اطلعت عليها. وقدراتهم لا شك أقوى مني. لكن أنا مؤمن بأن كل صوت في الأدب له أهميته وقيمته، وأي صوت مهما كان صغيرا هو إضافة عظيمة لمشهد فني واسع. ولطالما ذكرت لطلابي أن خياراتهم وأساليبهم تهمني كثيرا وعليهم دوما أن يكونوا مستعدين، وأن لا يخلدوا للصمت. ولديّ إيمان عميق بهذا ولذلك أتابع الكتابة وسأستمر حتى تفقد يدي القدرة على الحركة. وبهذه الطريقة أقدّر ما منحته لي الحياة، أقصد موهبة فهم الفن الذي أغاثني وأغناني في وقت الشدة، وملاحظة أنه متاح للعديد من الكائنات البشرية التي تتوزع على عدة أساليب واتجاهات.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي