لماذا تسعى اليابان إلى تعظيم تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة؟

متابعات - الأمة برس
2023-01-17

علم اليابان (بيكسباي)

عبدالرحمن النجار

نشر الكاتب جوش روجين مقالًا في صحيفة «واشنطن بوست» يقول إنه مع تزايد مخاوف اندلاع حرب في شرق آسيا، تتخلى اليابان، حليفة الولايات المتحدة الرئيسية في المحيط الهادئ، عن عقود من سياسة ضبط النفس، وبدأت أكبر حشد عسكري لها منذ الحرب العالمية الثانية. ومع تصاعد التوترات الإقليمية، يحث رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، الولايات المتحدة إدراك مدى إلحاح هذه اللحظة التاريخية وخطورتها.

وينقل الكاتب عن كيشيدا قوله في مقابلة مطولة في مقر إقامته الرسمي قبل مغادرته في جولة في خمس دول تنتهي بمقابلة الرئيس بايدن في البيت الأبيض يوم الجمعة: «البيئة الأمنية العالمية تمر بتغير كبير. اتخذت اليابان قرارًا حاسمًا لتقوية قدرتنا الدفاعية. ولهذا الغرض، نرغب أيضًا في تعميق التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة».

طوكيو تُعزز إنفاقها العسكري

أضاف كيشيدا أن بلاده، بعد ثلاث سنوات من إغلاقات الجائحة، تواجه بيئة إقليمية تعمل فيها الصين وكوريا الشمالية على توسيع ترساناتهما العسكرية وتعزيز قدراتهما الصاروخية. وقد وصف الأدميرال جون سي أكويلينو، رئيس القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ، توسع بكين في التسلح بأنه «أكبر حشد عسكري في التاريخ». وأطلقت كوريا الشمالية أكثر من 90 صاروخًا جوالًا وباليستيًّا في عام 2022، مما دفع المواطنين اليابانيين في كثير من الأحيان البحث عن ملاجئ.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، أكملت حكومة كيشيدا إعادة كتابة ثلاث وثائق أساسية تشكل إستراتيجية الأمن القومي لليابان. ولأول مرة منذ عام 1976، لن يقف الإنفاق الدفاعي لطوكيو عند 1% من الناتج المحلي الإجمالي. وبموجب خطة ميزانية الدفاع الخمسية، تستعد اليابان لمضاعفة نفقاتها الدفاعية تقريبًا إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027. وهذا من شأنه أن يجعل الميزانية العسكرية لليابان ثالث أكبر ميزانية في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين فقط.

ويؤكد روجين أن الهدف هو زيادة الردع ضد الصين وكوريا الشمالية، على أمل منع القادة في بكين وبيونج يانج من التفكير في استخدام القوة أسوة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا. ونقل الكاتب قول كيشيدا: «كان هذا قرارًا رئيسيًّا كان علينا اتخاذه. لقد تعين علينا أن نتساءل عما إذا كنا قادرين على الدفاع عن أرواح وأرزاق وصناعة الشعب الياباني والبلد».

الغزو الروسي لأوكرانيا يُقلق طوكيو

يذكر الكاتب أنَّ اليابان اتبعت سابقًا سياسة تصالحية تجاه روسيا، على أمل حل النزاعات الإقليمية التي طال أمدها. لكن بعد غزو موسكو لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، ولقد قلب كيشيدا هذا النهج تمامًا. وتعد اليابان الآن هي الدولة الآسيوية الأكثر دعمًا لأوكرانيا. وأكد كيشيدا لـ«واشنطن بوست» أن الهجوم الروسي غير المبرر والتهديدات النووية يجب أن ترسل تحذيرًا لأولئك الذين يواجهون العدوانية المتزايدة للديكتاتوريات في آسيا.

وقال كيشيدا: «اليوم أوكرانيا وربما آسيا غدًا. إن المحاولات الأحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن بالقوة غير مقبولة».

ويشير الكاتب إلى أنَّه على الرغم من عدم ذكر ذلك صراحة في الوثائق الإستراتيجية، فإن قلق طوكيو الأساسي يتمثل في هجوم محتمل من قبل الصين على تايوان. وإعادة التنظيم العسكري الياباني ينقل الموارد نحو الجزر الجنوبية الغربية لليابان القريب من تايوان. ولا يركز الإصلاح العسكري الياباني على شراء الكثير من السفن أو الطائرات، بل على جعل قوات الدفاع الذاتي اليابانية الكبيرة (التسمية التي تطلقها طوكيو على قواتها المسلحة) جاهزة للقتال في أي سيناريو متعلق بتايوان.

وشدد كيشيدا على الأهمية التي يعلقها على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان مباشرة للرئيس الصيني شي جين بينج في اجتماعهما في نوفمبر (تشرين الثاني) في بانكوك. وفي لقائه مع الكاتب قال كيشيدا إن «السلام والاستقرار في تايوان مهمان للغاية أيضًا للمجتمع العالمي».

وينقل الكاتب عن السفير الأمريكي لليابان، رام إيمانويل، أن إدارة بايدن تساعد اليابان على التحديث والاندماج مع الجيش الأمريكي، وتعزيز التعاون في مجالات خفر السواحل، والحرب الإلكترونية، والفضاء، والأمن البحري. كما تسعى واشنطن وطوكيو أيضًا إلى تنسيق أكبر بشأن الأمن الاقتصادي، وذلك جزئيًّا عن طريق نقل سلاسل التوريد، ومرافق التصنيع المهمة إلى الوطن لضمان عجز الصين عن استخدام قوتها الاقتصادية للضغط على الديمقراطيات.

ويتذكر الكثيرون في المنطقة بوضوح كيف استخدمت بكين احتكارها لإمدادات الصحة العامة الحيوية لابتزاز دول أخرى أثناء الوباء. قال إيمانويل: «لقد دفع انتشار فيروس كورونا والصراعات الجميع إلى إعادة تقييم افتراضاتهم».

يضيف الكاتب أنَّ اليابان تحاول تعزيز دورها الدبلوماسي إلى جانب العسكري. ويستضيف كيشيدا قمة مجموعة السبعة في مايو (أيار) في مسقط رأسه هيروشيما، حيث قتل العديد من أفراد عائلته في الهجوم النووي للولايات المتحدة هناك في أغسطس (آب) عام 1945. ويزور خمسة من عواصم مجموعة السبعة هذا الأسبوع للتحضير للقمة.

وعندما يجتمع كيشيدا وبايدن في واشنطن يوم الجمعة فمن المرجح أن يناقشا خطة أن تصبح اليابان ثاني حليف للولايات المتحدة (بعد المملكة المتحدة) بامتلاكها صواريخ «توماهوك كروز» التي ستمنح اليابان القدرة على ضرب أهداف أرضية. وتجنبت طوكيو عن عمد الحصول على هذه القدرة على الضربة المضادة أو المواجهة لعقود، لكن ذلك انتهى الآن.

يقول الكاتب إنه أثناء حديثه مع المسؤولين والخبراء اليابانيين في طوكيو، سمع مرارًا وتكرارًا اعترافًا رسميًّا بأن اليابان تضحي ببعض القوة الناعمة بصفتها دولة تخلت طواعية عن القدرة على شن حرب هجومية. لكن معظم اليابانيين يخشون حقًّا أنه إذا لم تُظهر طوكيو للصين وروسيا وكوريا الشمالية ردًّا جادًّا على العداء المتصاعد، فإن الصراع سيأتي إلى آسيا.

وقال يويتشي فوناباشي، مؤسس مبادرة آسيا والمحيط الهادئ، وهي جزء من المؤسسة البحثية «إنترناشونال هاوس أوف جابان» التي مقرها طوكيو: «لسوء الحظ، إنه سباق تسلح. ولكن، إذا لم تتمكن من الحصول على الردع الكافي، فسوف ينتهي بك الأمر إلى دفع المزيد على المدى الطويل».

ويضرب الكاتب مفارقة هي أن كيشيدا، زعيم الجناح المسالم للحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان، يتولى السلطة في اللحظة التي تخرج فيها اليابان من موقفها السلمي بعد الحرب. وفي الواقع، من المحتمل أن تكون خلفيته الليبرالية هي السبب في عدم وجود معارضة محلية كبيرة لهذه الخطط، التي بدأها رئيس الوزراء المتشدد السابق شينزو آبي، الذي اغتيل في يوليو (تموز) الماضي.

وقال كيشيدا للكاتب: «الحقيقة هي أن زعيم أي بلد لا يمكنه اختيار الفترة التي يتولى فيها المنصب القيادي».

وخلصت اليابان إلى أن الاستعداد للصراع هو السبيل الوحيد لتعظيم فرصة تجنبه. بصفتها جارة لكل من روسيا والصين، ليس لديها رفاهية اختيار التركيز فقط على أوروبا أو آسيا. ومن وجهة نظر طوكيو، فإن مصير جانبي الكرة الأرضية مترابط ولا ينفصل.

ويشير الكاتب إلى السؤال الأبرز في طوكيو الآن: هل تستطيع اليابان القلقة الاعتماد على الولايات المتحدة المشتتة والمنقسمة لزيادة تركيزها على آسيا بينما تنشغل بحرب في أوروبا؟ الحقيقة هي أن لا أحد يعلم. لكن اليابان تراهن الآن على مستقبلها على أمل أن تنهض الولايات المتحدة لتقف بجانبها.

ويختتم الكاتب بمقولة كيشيدا التالية: «أود أن أطلب من الشعب الأمريكي أن يكون أكثر اهتمامًا وأن يشارك في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وأنا مقتنع بأن ذلك سيضمن السلام والازدهار في هذه المنطقة».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي