صاندي تايمز: مهمة الرئيس الصيني في موسكو هي التأكد من خروجه كرابح وحيد في الحرب الأوكرانية

2023-03-19

عندما زار كبير دبلوماسيي الصين، وانغ يي، موسكو في شباط/ فبراير، أكد للمسؤولين الروس أن العلاقات ثابتة وقوية بين البلدين (ا ف ب)

نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا لمحررة شؤون الصين في مجلة “نيوستيمان” ومؤلفة كتاب: “رقص العظام: التاريخ والسلطة في الصين وروسيا وكوريا الشمالية”، كيت ستولارد، قالت فيه إن مهمة الرئيس الصيني هذا الأسبوع في موسكو، هي التأكد من أنه الرابح الأكبر في الحرب الروسية الأوكرانية.

وقالت الكاتبة إن الرئيس شي جين بينغ لا يذهب إلى موسكو لصناعة السلام، فلقاءاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين، وحديثه المزمع عبر الفيديو مع فولوديمير زيلينسكي، تبدو وكأنها جهود لإنهاء الحرب. وبالتأكيد، فالرئيس الصيني يرغب بوقف الحرب لا استمرارها.

وبعد عام على بدايتها، أضرت الحرب بمصالح الصين بطرق عدة، مثل إنعاش حلف الناتو، وتقويض جهود بكين لإصلاح علاقاتها مع أوروبا، كما أضعفت المطالب في أسواق التصدير المهمة، وأشعلت اهتمام اليابان في مجال تسليح نفسها، ودفعت الولايات المتحدة لإرسال الأسلحة إلى تايوان. وما يشغل بال الرئيس شي، وسط كل هذه الاهتمامات، هو التأكد من عدم هزيمة روسيا. فعلى مدى عقد من الزمان، عقد شي وبوتين علاقة صداقة توثقت من خلال رفضهما للنظام العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة.

وتمظهرت هذه العلاقة من خلال إعلان شراكة “لا حدود” في شباط/ فبراير العام الماضي، وقبل أيام من قرار بوتين إرسال قواته إلى أوكرانيا.

وتعلق الصحيفة أن هناك حدودا للعلاقات بين البلدين. فالصين لا تعترف مثلا بسيطرة موسكو على  شبه جزيرة القرم، وتجنبت الشركات الصينية فتح فروع لها فيها، خشية خرق العقوبات الدولية المفروضة على روسيا منذ 2014. وبدت محدودية الموقف الصيني من الشراكة في اعتراف بوتين نفسه في أيلول/ سبتمبر بـ”أسئلة ومظاهرق قلق” الرئيس شي المتعلقة بـ”الأزمة الأوكرانية”، عندما التقى الزعيمان في مؤتمر أمني بأوزبكستان.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن البيت الأبيض عن نقد مشترك من الرئيس بايدن وشي بشأن تهديد بوتين باستخدام السلاح النووي. إلا أن الدبلوماسيين الصينيين تجنبوا شجب تحركات روسيا ضد جارة لها، وحاولوا جهدهم تحميل الولايات المتحدة والناتو مسؤولية “إشعال النار” التي قادت إلى غزو أوكرانيا. إلا أن رفض الصين الاعتراف بالغزو الروسي، ووصف الحرب باسمها الحقيقي، يعني أن بكين وقفت مع طرف ضد طرف آخر.

وحاول الرئيس شي وضع نفسه على المسرح العالمي بأنه “محايد”، ولكن بدون نجاح، وكذا تقديم نفسه بالمراقب الحريص الذي لا يريد شيئا أكثر من وقف الحرب، مع أنه فتح لبوتين شريان حياة. وحذرت الولايات المتحدة الصين في الشهر الماضي من أية خطوة تؤدي إلى مساعدة روسيا بالأسلحة، بعد نفاد ترسانتها.

وعندما زار كبير دبلوماسيي الصين، وانغ يي، موسكو في شباط/ فبراير، أكد للمسؤولين الروس أن العلاقات ثابتة وقوية بين البلدين. ولم تكن تصريحات يي مجرد مشاعر عاطفية من جانب الرئيس شي الذي وصف بوتين بأنه “أفضل صديق”، ولا يزال شي ملتزما بالصداقة، رغم ما تسببت به أفعال بوتين من أضرار على الصين.

وهناك الكثير من الملامح التي تجعل الصين وروسيا مرتبطتين معا. فهناك التاريخ والجغرافيا، حيث تمتد الحدود بين البلدين على مسافة  4000 كيلومترا، ومن الصعب الدفاع عنها، وقد تم ترسيمها فقط في عام 2008. وظلت العلاقة بين البلدين منذ القرن الـ17 مطبوعة بالعداء المتبادل والحروب والعنف الذي يندلع بين فترة وأخرى، وكانت آخرها المواجهة في 1969 بين الصين والاتحاد السوفييتي السابق، حيث خاف الجانبان من أن تتطور لحرب نووية. إلا أن العلاقات في العقدين الماضيين كانت مثمرة، بعد توقيع بوتين والرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين، معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي في 2001، إلا أنها كانت الاستثناء وليس القاعدة.

وربما امتحن بوتين صبر بكين، لكنه مثل رئيس كوريا الشمالية  كيم جونغ- أون، يظل أفضل من زعيم لا تعرف نواياه قريب من محيط الصين، ويحاول بناء علاقات جيدة مع الغرب. وسيكون هذا بمثابة الكابوس للرئيس شي، في وقت تواجه بكين خلافات حدودية تتراوح من الحدود الهندية إلى بحر جنوب الصين وتايوان. وفي هذه الحالة، يعتبر بوتين الشيطان الذي نعرفه.

وهناك أيضا الجانب التجاري في العلاقة التي مالت في العام الماضي لصالح الصين، فلا تزال روسيا تزود الصين بالغاز الطبيعي والنفط مباشرة عبر الحدود، ولا يمكن للغرب قطعه في حال اندلع نزاع بالمستقبل.

وتعتمد عمليات تحديث الجيش الصيني التي يريد شي إكمالها بحلول عام 2027 على الأنظمة الدفاعية الروسية، التي شكلت نسبة 81% من الأسلحة المستوردة في الفترة ما بين 2016- 2021 بحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي. في المقابل، توفر بكين لموسكو الرقائق الإلكترونية ذات الاستخدام المزدوج، والموارد المالية التي تحتاجها روسيا بشكل كبير.

وما يهم الرئيس شي هي العلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة، فقد أخبر شي البرلمان الصيني هذا الشهر بأن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، بدأوا حملة “احتواء شامل وحصار واضطهاد للصين”. وكلام شي معقول، فقد قال مايك تشالانجر، رئيس اللجنة المختارة في الكونغرس الأمريكي عن الصين، إن القوتين باتتا في “مواجهة وجودية حول مستقبل العالم في القرن الـ21”.

وتعتبر روسيا مهمة للصين في خططها لخلق نظام عالمي خارج الفلك الأمريكي. وكلاهما نظامان شموليان، ولديهما قوة في مجلس الأمن، مقعد دائم بحق النقض “الفيتو”. وتخشى الصين من خسارة روسيا وإذلالها في أوكرانيا، مما قد يشجع الغرب على استهداف الصين. وعليه، تفضل بكين نجاة بوتين من الحرب بدون أن يخسر نظامه الكثير من موقفه العالمي.

وسيكون الوضع أحسن لبكين، لو تشرذم التحالف الغربي المؤيد لأوكرانيا، وظهور لعبة اللوم وتحميل المسؤولية بين التحالف العابر للأطلنطي. وعليه، يريد شي تقديم نفسه كرجل دولة عالمي يسعى لحل المشاكل وإنهاء الحرب.

ولم تكن مصادفة أن يبدأ شي زيارته لموسكو بعد الصفقة الناجحة التي رعتها بلاده بين إيران والسعودية، وخطة النقاط الـ12 لحل الأزمة الأوكرانية، رغم أنها لم تصل لدرجة خطة سلام كما قدمها. ويقال إنه سيتصل مع زيلينسكي بعد محادثاته مع بوتين. وعليه عمل هذا، لأنه لو لم يفعل، فسيترك صورة واحدة عن نفسه وهو يصافح بوتين، الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالقبض عنه يوم الجمعة.

ويعرف شي أن فرص التسوية بعيدة؛ لأن كلا الطرفين لا يريدان التنازل، وهو لن يخسر في النهاية. وعندما تفشل الجهود وتختفي عناوين الأخبار، فسيزعم قادة الصين أنهم حاولوا رعاية وساطة بين المتحاربين، خلافا للغرب الذي ظل يغذي الحرب ويرسل الأسلحة لأوكرانيا. ولن يحصل الرئيس الصيني على كل شيء، لكنه قد يخرج الرابح الأكبر من الحرب.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي