رائحة الخبز أقوى

2023-07-19

ثائر دوري

حوالي السادسة والنصف صباحاً ذهبت برفقة ابني، الذي لم يكمل السادسة بعد، لإحضار الخبز. مشينا على مهل، على إيقاع خطواته، في الطريق القصير الموصل إلى مكان لجنة الحي، حيث يتم توزيع الخبز كل صباح. في الطريق شاهدنا أطفالاً عائدين حاملين الخبز فوق رؤوسهم. أشرت لأحدهم وقلت لورد: انظر هو بعمرك بعد قليل ستذهب أنت لإحضار الخبز.

بدأت أشير نحو الأشجار المنتشرة في حدائق المنازل، وعلى أرصفة الطرقات، وفي الحديقة العامة الصغيرة المهملة. هذه شجرة برتقال وهذه ليمونة. هذه شجرة زيتون وقطفت له ثمرة كي يعرف شكلها. سألني هل تبقى خضراء؟ قلت له هي كذلك دائماً. إلى جانب شجرة الزيتون شجرة أجاص أكتشفها لأول مرة، ولمحت بضع إجاصات ما زالت خضراء لم تنضج بعد. غريب كيف تعيش وتُنتج في هذا المناخ الحار، وهي التي لا تنمو إلا في الجبال في مناخ بارد! في الحديقة شجيرات دفلى حذرته منها هي سامة رغم زهورها الجميلة، هذا شجر سرو، وهذه نخلة.. تلك شجيرة غريبة لم أعرفها، لكن زهرها يسلب العقل.. هذا صبار.. هذه شجرة تين اخترقت الرصيف بجانب عمود الكهرباء ونمت.. شجرة أكي دنيا، شجر فلفل، شجرة أكاسيا، زنزلخت.. ولم ينته العد بعد. كل ذلك في شارع لا يتجاوز طوله مئتين من الأمتار. توقفت قليلاً ونظرت بشكل بانورامي لهذا التنوع الهائل من الأشجار والنباتات التي تنتمي إلى بيئات مختلفة، من المناخ البارد، إلى المتوسطي، إلى الصحراوي. أشجار بعضها ينمو على ضفاف العاصي، وأخرى في الجبال، وثالثة في حوض المتوسط، ورابعة في أستراليا.

قلت لنفسي هذا سر بلادنا: تنوع في كل شيء. مرّ طفل شديد السمنة بني العينين يحمل الخبز فوق رأسه، وبعده طفل أشقر الشعر أزرق العينين. تابعت المسير ببطء أتأمل المشهد، لكن خاطراً ألح عليّ نغص سعادتي بهذا التنوع. سألت نفسي ما هي الحدود بين التنوع الجميل والفوضى المقيتة؟ متى يبقى هذا المشهد تنوعاً، ومتى ينقلب إلى فوضى؟ كم تمنيت أن يكون ورد بعمر أكبر كي أناقشه في هذه الفكرة.

بعد أمتار شممنا رائحة الياسمين من ياسمينة تتدلى على سور حديقة منزلية. قطفت منها كمشة وضعتها في قبضة يدي، شممتها وانحنيت ليشمها ورد. تابعنا المسير استلمنا الخبز الساخن، حملته برفق براحتي يديّ كما يُحمل الطفل الرضيع وفوق كمشة الياسمين. عدنا إلى البيت. وضعت الخبز في مكانه وقرّبت كمشة الياسمين من أنفي لأشمها من جديد. فُوجئت أن رائحة الخبز وحرارته بدّدت رائحة الياسمين. واسيت نفسي: بعد قليل ستذهب رائحة الخبز وتعود رائحة الياسمين. سكبت كوباً من الشاي ووضعت حبة المُحلي الصناعي الذي بدأت باستعماله منذ ازداد وزني، ثم عدت لأشم رائحة الياسمين، لكن رائحة الخبز بقيت عالقة به حتى النهاية. أدركت أن رائحة الخبز أقوى.

كاتب سوري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي