حكايات نافذة

2023-08-05

تمارا محمد

حكاية نافذة رقم «1»

تتجه ريما مسرعة نحو النافذة المطلّة على الشارع الخلفي لمنزلها بعد أن أيقظها صوت الأمطار، الذي بات يوحي بأن فصل الشتاء أتى باكراً هذه المرة، أو مختلفاً أو قوياً بزخاته لربما، واقفة هناك حيث مقعدها الذي اعتادت الجلوس عليه وحرصت دائماً على أن لا يغيّر مكانه تماماً، كما حرصت هي على استقبال فصل الشتاء في كل سنة بالطريقة ذاتها.

تذكر ريما أنّه وفي يوم مُشابه لهذا اليوم تماماً بأمطاره وبرودته كان لصوت الرسالة النصية التي وصلت إلى هاتفها فرصة لإيقاظها ليلاً، والتي لم تكُن تُدرك حينها بأنها رسالة ستبقى تزورها باستمرار لإيقاظها طيلة السنوات الآتية مفادها «هُناك أيام تجبرنا على أن نرحل دون وجود أي أسباب قابلة للشرح.. نعم من قال بأنّنا نقف دائماً وبكل شجاعة لحماية اختياراتنا؟!». تضع ريما حينها وبعد الانتهاء من قراءة الرسالة هاتفها جانباً تنظُر حولها مُتفقدة بنظراتها السريعة زوايا الغرفة باحثة عن إشارة صغيرة تؤكد لها بأن ما يحدث الآن هو مجرد حلم عابر سينتهي حتماً. «ليس حلم» – تخاطب ريما نفسها بصوت عجزت حتى هي عن سماعه، وكاد يُخيّل لها بأنها شعرت به ولم تنطقه .تُمسك الهاتف بحذر وتقرأ الرسالة لمرات كثيرة، وكلّما حاولت الاكتفاء من قراءتها عادت لها مجدداّ علّ حروفها تتعاطف معها تتضامن معها وتغيّر معانيها .

تزداد شدة المطر المنهمر ليعود صوته بها حيث هي الآن مقاطعاً ما استذكرته، تشعر بأن وقوفها أمام النافذة قد يطول تجلس على مقعدها الخشبي ممسكة هاتفها حيث تختفي الإضاءة وحروف الرسالة منه، ونسيت ربما أنّ يدها ما زالت ممسكة به .

حكاية نافذة رقم «2»

يقف سعيد خلف شباك الغرفة المُطلّة على الساحة المدرسية، منتظراً بكل حماس الطابور الصباحي الذي حرص دائماً على أن يستيقظ باكراً ليرى الطلاب وهم يأتون مسرعين خوفاً من أن يفوتهم طابورهم الصباحي .فذاك هو علي مَن حفظ سعيد اسمه الذي اعتاد الاستاذ أن يناديه به بصوتٍ عالٍ «هيّا هيّا يا علي أسرع لم يتبقَّ شيء من الوقت» وهذا فادي الذي يغلبه النعاس بشكل مستمر فيقف آخر الطابور فتراه يخرج عن مسار الخط دون أن يشعُر فينطلق صوت من بعيد يوقظه «استيقظ يا فادي والزم مكانك الصحيح». «سعيد سعيد إنتَ صاحي ممكن ادخل؟!» صوت من خلف باب غرفة سعيد يستأذن منه الدخول، «اه ، صاحي» يُجيب سعيد إجابة سريعة، دون أن ينظر نحو الباب حيث اختار أن يبقى جُلّ تركيزه نحو الطابور الصباحي من خلف النافذة خوفاً من أن يفوته شيء أو لحظة ما وكأنّه يرى الطابور للمرّة الأولى وهو الذي اعتاد على رؤيته طيلة أيام السنة.

«يلا سعيد صار موعد الدوا لازم تُفطر لتقدر تكون نشيط» – تخاطب الممرضة ذات الابتسامة اللطيفة سعيد، يُغلق سعيد ستائر النافذة متجهاً إليها ممسكاً بقرص الدواء، ينظر نحوها متسائلاً «هالة! المشهد الحلو بيخلص عند إغلاق الستارة؟

بالابتسامة ذاتها تُجيب هالة سعيد ممسكة بكأس الماء ليأخذه منها، «كل الستائر قابلة بأن تُفتح من جديد يا سعيد طالما لم تتّخذ قلوبنا قراراً بإغلاقها إلى الأبد بعد».

قاصة من الأردن








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي