هل تراني؟ إنّي ألوّح لك الآن

2023-08-06

حسن أكرم

فكّرتُ مرّات ومرّات بأن أتجاوز الكتابة عنه، قلتُ في نفسي لا أريد أن أُتاجِر بحُزني عليه، ولمرّات عديدة ادّعيتُ بيني ونفسي أنني تجاوزتُ أمره، لكن إلى ماذا انتهيت؟ أُعاني من قلّة نوم، وأجلس سهراناً لأكتبَ عنه.

بدأتِ الحكاية عندما توقّفت سيارة أُخت زوجتي في وسط طريق عام، تنبّهنا لذلك عبر "الجي بي إس"، أنّها قد توقّفت لربع ساعة دون حركة، حاولنا الاتصال بها، لكنها لا تردّ. ركضنا نحو سيّارتنا كانت الساعة الرابعة عصراً، الهواء حارّ جاف يكوي الوجوه ويلسع الأجساد.

تحرّكنا لمترٍ، ونحن نُراقب الموقع، وإذا بسيارتها تتحرّك أيضاً، بعد رُبع ساعة كنتُ أظنّ أنها وصلت، نظرت من نافذتي فوجدت سيارتها واقفة، قلتُ ربما تجري اتصالاً، لكن تذكّرت أن "أسود" كان معها، القطّ الضعيف، كانت معه في مستشفى القطط، لديه التهاب رئوي حادّ، وقد أخبرها الطبيب أنه يحتاج إلى جهاز أوكسجين.

قبل يوم كنتُ أضعه في حجري، وأنفخُ له الهواء عبر فتحات الحقيبة، كنا قد ذهبنا به للمشفى أيضاً، "أسود" هذا لم يذُق يوماً جميلاً في حياته، دائماً ما يجد نفسه في مصيبة، منذ البدء كانت حظوظه ضيّقة في الحياة، عندما كان صغيراً اقترب من الموت للسبب نفسه، وقبل شهرين اختفى لخمسة عشر يوماً، وعندما عاد كان برُبع حجمه الذي نعرفه. حين اختفى آخر مرّة، تبيّن أنه كان محبوساً في الشقّة التي تحتنا، شقّة غير مسكونة، دخل مع عامل الصيانة الذي فتح الباب، ولم يخرج حين أقفل العامل خلفه، وظلَّ من دون أكل، وشرب لخمسة عشر يوماً.

حينما وجدناه أمام باب شقتنا كان ينظر إلينا كأنه يعاتبنا على عدم إنقاذه، لم نعرف أين كان حينها، دخل البيت، وأكل كثيراً، ونام كثيراً، ويوم استعاد صحّته هرب من البيت، وعاد بعد يوم، وقد أُصيب إصابةً بليغة في فخذه، ربما تعرّض لعضّة كلب، استعان بنا مُجدّداً، لم يمضِ أسبوعٌ دون أن نصطحب "أسود" للطبيب، هكذا كانت حياة "أسود".

عندما اقتربت من سيارة لينا لم تكن موجودة، ولا القطّ، عدتُ إلى زوجتي، وقلتُ لها ربما أختك في بيتها الآن، ذهبُت إليها ثم عادت، الدمع المكبوت يضغط على عينيها كأنهما سينفجران، قلتُ يا تمارة: ما بك؟ ما بك؟

قالت: لا شيء، وأحالت بنظرها عني، قلت: ما بك؟

قالت: "أسود" سافر.

حينها عرفتُ أن لينا توقّفت لربع ساعة في ذلك الشارع لتدفن "أسود" هناك، أكتب ما أكتبه هنا لأني لم آخذ فرصتي في البكاء على "أسود" القط الجميل، كلّ ما أريده الآن مساحة واسعة مُغلقة للبكاء، دون أن يراني أحدٌ، ودون أن أجعل زوجتي تبكي، لقد تعاهدنا ألّا نبكي "أسود"، وأن نُحيل رغبتنا في خدمته لكلّ قِطط العالَم، لكن "أسود" يعرفني، وأعرفه، لهُ مشية خاصة ووجهٌ بريء، يُمكنُني أن ألوّح له الآن من هنا سيراني. هيه... "أسود" أنا هنا ألوّح لكَ هل تراني؟

كاتب من العراق








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي