رسائل من نافذة القطار…

2023-08-10

مريم الشكيلية

لم يكن لديّ الوقت لأن أفتح نوافذ عربة القطار من شدة الازدحام حولي.. لم أتمكن حتى من توديعك بتلويح يدي من النافذة.. ولكن كان كل جزء مني يودعك حتى تلك العبارات التي علقت فوق صدر كتاباتي كانت الآن وفي هذه اللحظة تتحرر من أسطري وتتطاير في الهواء كطائر حر.. هذه اللحظة ملايين الكلمات تهطل في داخلي كالسيل حتى إنني الآن أستطيع أن أكتب بعينيّ تفاصيل صغيرة كتلك الورقة التي سقطت من جيب أحدهم، دون أن يشعر كانكماش وجهك الذي تحاول عبثا أن تخفيه بقبعتك…

هل يصلك هذا الهدير الكتابي الذي يعلو مع صفير القطار؟ هل يمكنك أن تتخيل تلك الكلمات التي خرجت في لحظة كأبيات شعر كتبت على عجل وهي تلتصق بجدار نفس مرتجفة؟ بماذا يشعرك النداء الأخير وعجلات عربات القطار تخطو بمهل؟ هل يشعرك كأن روحا تدنو من أبواب الجسد؟ تلك اللحظة تعد بمقاس حياة.. كان عليّ أن أجلس بعدها على ذاك المقعد وسط هذا الجفاف الحرفي، ووسط هذه الحشود التي أخذت مكانها كأحرف صفت على مشعل الورق.. أأخبرك عن مقطورتي التي أنا فيها، وعن السيدة ذات الوشاح الفضي التي تجلس إلى جانبي وكأنها تجلس في محراب معبد لا مقعد؟ أأخبرك عن وجبة طعام قدمت كانت رغيف خبز ساخن تفوح منه رائحة أم ووطن لم تقو أصابعي الملبدة بالبرد على لمسه.. لم نصل بعد إلى حدود (فيينا) الطريق طويلة والغروب كمصابيح تضيء سنابل حقول القمح، بلون ذهبي لامع، أحاول أن أحتسي أبجدية اللغة في هذا الصمت إلا من صوت عجلات القطار. منذ انطلاق القطار لم أكف عن الكتابة وكأن الأحرف تتدافع عند بوابة قلمي أحاول فقط أن ألتقط مفردة حرف سقط سهوا..

كاتبة من عُمان








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي