هآرتس: البريكس.. ناد يهدد "الدولرة" أم نمر من ورق؟

2023-09-01

العلاقات بين الصين والهند، العضوتان في النادي، تتراوح بين العداء والتعاون الجزئي (أ ف ب)الأعضاء في منظمة بريكس عقدوا الأسبوع الماضي في جوهانسبورغ مؤتمراً كان يتوقع أن يكون احتفالاً مناهضاً لأمريكا. الأعضاء الخمسة، الهند وروسيا والبرازيل والصين وجنوب إفريقيا، تفاخروا بتمثيل بديل للنظام العالمي القائم.

وزير خارجية روسيا، سرغي لافروف، ينوب عن الرئيس الروسي في القمة السياسية لأن المحكمة الدولية أصدرت أمر تسليم ضد بوتين بسبب جرائم الحرب في أوكرانيا. لافروف أوضح بأن “هدف اللقاء ذو وزن ومكانة وأهمية للدول المرشحة للانضمام لهذه المنظمة، وهي عوامل رئيسية لنا”.

“موقفنا المشترك هو أن علينا تجنيد دول تشاركنا في وجهة نظرنا، دول تؤمن بعالم متعدد الأقطاب والحاجة إلى الديمقراطية والعدالة في العلاقات الدولية. نحن بحاجة إلى هؤلاء الذين يؤيدون إعطاء دول أكثر أهمية لجنوب العالم. المرشحون الستة يلبون هذه المعايير”، قال لافروف. أعضاء البريكس ذكروا الدول الست المرشحة، وهي: إيران والإمارات والسعودية وإثيوبيا ومصر والأرجنتين.

طموح روسيا واضح ومفهوم. النضال ضد هيمنة الولايات المتحدة، لا سيما ضد العقوبات التي فرضت على روسيا، حول توسيع نادي البريكس إلى هدف استراتيجي – ليس اقتصادياً تحديداً، بل وسياسي.

الهدف الثاني من حيث الأهمية حدده المتحدث بلسان الكرملين ديمتري بيسكوف قبل بضعة أسابيع على اللقاء: “عملية التخلص من الدولرة في الاقتصاد العالمي تتقدم بدون تأخير. وقد أصبح استخدام العملة المحلية حقيقة على المستوى الدولي”.

هاتان العمليتان لا تنفصلان عن بعضهما. فالتخلص من الدولرة وتفكيك هيمنة أمريكا منظومة متكاملة قد تهدد الدولار وتهدد تفوق الولايات المتحدة الاقتصادي.

عملة مشتركة لا تلوح في الأفق

نحو 40 في المئة من سكان العالم يعيشون في دول البريكس القائمة والمرشحة. إنتاجها الاقتصادي يشكل نحو 31 في المئة من الناتج الخام العالمي. هذه الأرقام كما يبدو تعتبر تحدياً أمام أمريكا.

الأهم من ذلك أن ربع إنتاج النفط العالمي ينتج في روسيا، وهي العضو المؤسس في هذه المنظمة، وفي السعودية. ولدى روسيا وإيران ثاني وثالث أكبر احتياطي للغاز على التوالي.

الآن، المزيد من الدول تتاجر فيما بينها بواسطة العملة المحلية، وليس بواسطة الدولار، أو عن طريق المقاصة الدولية. مثلاً، الهند والإمارات وافقتا على استخدام الروبية كعملة للتجارة. اتفاق مشابه وقع بين الهند وروسيا وبين السعودية وروسيا.

لكن الطموح إلى إنشاء عملة مشتركة جديدة تستبدل الدولار، هو رصاصة على المدى البعيد. مشكوك فيه إذا كان هذا التنبؤ سيتحقق في الوقت الذي فيه أكثر من 90 في المئة من الصفقات الدولية تتم بالدولار. وحوالي 60 في المئة من احتياطي العملة الأجنبية في العالم تتم مراكمتها بالدولار.

أكثر من ذلك، معظم قروض الدول الأعضاء في المنظمة وقروض الدول التي ستنضم إليها هي قروض بالدولار، التي منحتها إياها مؤسسات دولية أو صناديق دولية مثل صندوق النقد الدولي.

من أجل الانتقال إلى عملة أخرى، يتعين على هذه الدول الحصول على موافقة مؤسسات التمويل التي في معظمها مرتبطة بشكل جيد بالإدارة الأمريكية أو خاضعة لتأثيرها. تصعب رؤية كيف سيوافق صندوق النقد الدولي على تحويل قروض مصر والأرجنتين، التي تقف على رأس قائمة الدول المقترضة، من الدولار إلى العملة المحلية. في حالة مصر، الجنيه المصري فقد 50 في المئة من قيمته في السنتين الأخيرتين.

نادٍ مليء بالصراعات الداخلية

العلاقات بين الصين والهند، العضوتان في النادي، تتراوح بين العداء والتعاون الجزئي. لذلك، يصعب التصديق بأن الهند ستنفصل عن العملة الأمريكية وتخاطر بشرخ سياسي مع حليفتها الأهم، لا سيما مع وجود أزمة اقتصادية في الصين.

العلاقات بين الهند والصين تمثل الشرخ الداخلي الذي يميز نادي البريكس، الذي من المتوقع أن يتوسع عندما تنضم إليه الدول الست المرشحة. مصر وإثيوبيا مثلاً ليستا عضوتين مقربتين. مشروع سد النهضة لإثيوبيا اعتبرته مصر تهديداً لأمنها القومي. والقاهرة تتهم الصين بالمساعدة في بناء السد. ركيزة مصر الأساسية في النضال من أجل تقليص أضرار السد هي واشنطن. والعلاقات بين السعودية والإمارات تدهورت في السنوات الأخيرة إلى درجة أن زعماء الدولتين لا يتحدثان مع بعضهما.

البريكس مقابل الـ “جي 7”

إيران تعتبر المصادقة على ترشحها إنجازاً سياسياً مهماً، بعد انضمامها لمنظمة التجارة في شنغهاي. لدى طهران في الحقيقة احتياطي غاز كبير جداً، لكنها ستجد صعوبة في إنتاجه بدون استثمارات ضخمة. في ظل نظام العقوبات، تأمل إيران الحصول على استثمارات وقروض من بنك التطوير الذي سيقيمه الأعضاء في البريكس. ولكن معظم أموال البند هي الدولار. والصين، مستهلكة النفط الأكبر بالنسبة للجمهورية الإسلامية، وعدت بالاستثمار في إيران بمبلغ 400 مليار دولار خلال 25 سنة – لكن بكين غير متسرعة في تنفيذ الاتفاق.

الاقتصاد في مصر بعيد عن النمو

تأمل مصر أن عضويتها في هذه المنظمة ستجلب لها استثمارات جديدة، لا سيما من دول الخليج. ولكن مشكلة مصر ليست فقط النقص الكبير بالدولار أو التضخم الذي يبلغ 40 في المئة. الجيش المصري يحتكر معظم الاقتصاد ويردع المستثمرين الأجانب، بما في ذلك الدول العربية.

أوضحت السعودية في هذه السنة بأنها لن تقدم مساعدات إضافية لمصر إلا بشروط يقبلها صندوق النقد الدولي، مثل الإصلاحات الاقتصادية العميقة، وتقليص كبير في نظام الدعم، وتقليص تدخل الجيش في الاقتصاد.

أعضاء البريكس لا يتوقع أن يغيروا قواعد اللعب السعودية. مصر وروسيا وافقتا على استخدام الروبل والجنيه المصري في الصفقات التجارية. كما بدأت روسيا في إقامة مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء في مصر. على الطاولة برامج لاستثمارات روسية في البنية التحتية للقطارات المنهارة في مصر.

وهذا لا يكفي لوضع اقتصاد مصر على الطريق الصحيح. قد توفر القاهرة الدولارات إذا وسعت اتفاقات التجارة بالعملة المحلية مع دول البريكس. هذا توفير كبير، لكن عليها تسديد ديونها حتى لو تم حسابها بالجنيه المصري.

ربما تضطر مصر لدفع ثمن استراتيجي وسياسي، خصوصاً فيما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، إذا أظهرت ميولاً مبالغاً فيها مؤيدة لروسيا والصين. في حين أن انضمام السعودية والإمارات لهذه المنظمة استهدفتا التلويح بأصبع مهددة أمام الولايات المتحدة، فإن العلاقات مع واشنطن ضرورة وجودية لمصر.

من غير الواضح ما هي الفائدة التي قد تحصل عليها مصر وإيران من الانضمام للبريكس. إضافة إلى ذلك، المنظمة نفسها لم تنشر معايير مفصلة أو شروطاً للقبول في صفوفها. شروط الانضمام للاتحاد الأوروبي تشمل مئات الشروط والبروتوكولات. منظمة البريكس في المقابل تدار مثل ناد مفتوح، متحمس لضم الأعضاء كي يستطيع إظهار منافسة سياسية مع الغرب، لكن بدون الأدوات المطلوبة لذلك.

تسفي برئيل

هآرتس/ ذي ماركر 31/8/2023








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي