إسرائيل إزاء حرب أوكرانيا.. ملاطفة لـ"المجرم" ومساعدة خجولة لـ"الضحية"  

2023-09-11

 

من الصعب فهم سلوك إسرائيل وقصر نظرها بالنسبة للأضرار التي تتسبب بها “القدس” الرسمية بمكانة إسرائيل في العالم الغربي (ا ف ب)كلما استمر الاجتياح الروسي لأوكرانيا يصعب التحرر من الانطباع بأن إسرائيل لا تفوت أي فرصة لتكون في الجانب غير الصحيح من التاريخ. منذ بدأت الحرب، رفضت إسرائيل توريد السلاح (وحتى الدفاعي منه) لأوكرانيا، ورفضت الانضمام إلى العقوبات الدولية، بل وزادت حجم التجارة مع روسيا.

الأفعال الصغيرة والبوادر الطيبة تبرز الأمور التي يصعب رؤية أي منفعة قومية كبيرة منها تغطي على الأضرار المحتملة؛ مرة تكون لقاءات مصورة بين مسؤولين كبار في وزارة الخارجية ممن يطيرون إلى موسكو ويستضيفون نظراءهم في البلاد؛ ومرات باحتفالات يوم الاستقلال الروسي في السفارة، والتي يتدفق إليها وزراء ومنتخبو جمهور وموظفون آخرون وليسوا صغاراً على الإطلاق. قبل ثلاثة أشهر كانت هذه هي قرار فتح ممثلية روسية في القدس؛ وفي الأسبوع الماضي منحت إسرائيل هدية كبرى أخرى لروسيا، وهي اتفاق لتعميق التعاون مع مجال السينما.

وزيرة الثقافة الروسية، أولغا ليوبيموبا، نشرت صوراً مبتسمة لها وللسفير أليكس بن تسفي، وكتبت بأن الاتفاق “مساهمة مهمة لتنمية التعاون الثنائي. وأضاف سفير إسرائيل من جهته، بأنه مقتنع بأنه ستكون أفلام مشتركة عديدة، وأن منتجين في إسرائيل ينتظرون التعاون، ونبأ الاتفاق في وسائل إعلام الكرملين، والتي بالطبع سرها إبرازه، كمن تقول: من قال إننا معزولون؟

من الصعب فهم سلوك إسرائيل وقصر نظرها بالنسبة للأضرار التي تتسبب بها “القدس” الرسمية بمكانة إسرائيل في العالم الغربي. حتى لو قبلنا الحجة الأمنية الواجبة بالنسبة للوجود الروسي في سوريا (والذي هو الآخر موضوع للبحث)، فلا سبيل لتبرير سلسلة البوادر الطيبة الطويلة تجاه روسيا. فأي اضطرار فيها؟ أي مقابل يمكنه أن يعتبر دليلاً، عندما تكون إسرائيل هي المبيض الغربي الرسمي لجرائم روسيا؟

وحتى الذريعة المتعلقة بإنقاذ يهود روسيا لم تعد مقنعة. حتى لو وضعنا الفرضية جانباً بأن إسرائيل تلقت معلومات بأن يهود روسيا رهائن محتملون وبالتعاون مع مثل هذا النظام، بعد 18 شهراً من الحرب، يمكن أن نقول بثقة شبه تامة بأن من أرادوا أن يخرجوا قد فعلوا هذا الآن. وإذا كان الهم ينصب على اللاسامية، فهي هناك على أي حال.

يكفي أن نتذكر وزير الخارجية لافروف الذي “كشف” عن “جذور يهودية” لدى هتلر، والدعائي المركزي سولوبيوف الذي يقول إن “روسيا تحرر كييف من المحتلين الألمان والإنجلوسكسونيين واليهود الملطخة أيديهم بالدماء”؛ أو رد المسرح من موسكو الذي ألغي عرضه في البلاد، ورداً على ذلك نشر كتاباً مفتوحاً مع كليشيهات لاسامية. في رد على النقد لهذه البوادر الطيبة، تستطيع إسرائيل ذكر المساعدة الإنسانية لأوكرانيا، ومنظومة الإخطار التي نقلت إليها. هم يعتقدون، حتى وإن كانت هذه المساعدة متواضعة جداً نسبياً، وبينما تأخرت منظومة الإخطار أشهراً، لكن تفاهتهم لا تبرز إلا السخاء السياسي – الإعلامي تجاه روسيا. مثيرة للحفيظة حجة أن بوادر موسكو الطيبة هي “تعويض” عن بوادر كييف الطيبة. هذا التماثل الكاذب يوازي بين فعل إنساني هو بمثابة واجب، وبين فعل إذن بدوافع العلاقات العامة؛ وكأنه بتلك القيمة الأخلاقية أو اللاأخلاقية في الحصول على ضمادة (لجريح سبق أن حصل على المساعدة) تماثل مداعبة المجرم، الذي لا يزال يعربد في الساحة. حتى لو كانت مساعدة إسرائيل لأوكرانيا شاملة وناجعة أكثر، فما كان في ذلك مبرر للسخافة التي في “التوازن”.

مهما كانت دوافع إسرائيل، معقول الافتراض بأن ستكون لها آثار بعيدة المدى – على مكانتها في أوكرانيا والغرب (ناهيك عن الوصمة الأخلاقية التي ستعلق بإسرائيل وبمواطنيها).

وإذا كان هذا يتعلق بالغرب، فإن إسرائيل إذا ما حاكمنا الأمور حسب الموقف من الغزو الروسي، لم تعد تنتمي للغرب ولديمقراطياته الليبرالية، بل لدول الجنوب العالمي التي في معظمها إن لم تكن كلها، فضلت الجلوس على الجدار والتجارة مع روسيا، حتى لو صوتت ضدها في الأمم المتحدة.

 

 

دافيد بارون

إسرائيل اليوم 10/9/2023








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي