فايننشال تايمز: كارثة درنة من صنع البشر ولا أمل بمحاسبة النخبة المسؤولة عنها  

2023-09-20

 

السماح ببقاء دولة فاشلة على الطرف الجنوبي للبحر المتوسط، لن يكون خيانة لآمال الليبيين الذين انتفضوا ضد القذافي، بل سيكون تهديدا  على استقرار شمال أفريقيا (ا ف ب)علقت صحيفة “فايننشال تايمز” في افتتاحيتها، على كارثة الفيضانات في ليبيا، قائلة إنها كانت في جزء منها من صنع البشر. ودعت القوى الغربية لدعم جهود تحقيق الاستقرار في هذا البلد.

فعندما تقدم إعصار دانيال فوق البحر المتوسط باتجاه الساحل الشرقي لليبيا، كان لدى المسؤولين المحليين العديد من التحذيرات. فقبل أيام تسبب الإعصار بفيضانات في اليونان وتركيا وبلغاريا، وغرق فيها أعداد كبيرة من الناس. وفي ليبيا، لم يكن أحد مستعدا لحجم الكارثة التي كانت على وشك الوقوع.

ففي الوقت الذي سقطت فيه الأمطار الغزيرة وهبّت الرياح العاصفة على المنطقة، انهار سدان على التلال فوق درنة، وقذفا بالسيول التي اخترقت قلب المدينة. ولا يُعرف العدد الحقيقي للضحايا، إلا أنه تم إصدار شهادات وفاة لحوالي 4000 شخص.

وتعلق الصحيفة أن الكارثة كانت ستشكل تحديا لأية دولة. أما ليبيا، فلا دولة فاعلة فيها، بل فصائل سياسية متنافسة، فاسدة بشكل لا يصدق وتدعمها ميليشيات مسلحة وأدت في العقد الماضي لانقسام البلد بين الشرق والغرب. وعليهم تحمل المسؤولية الأكبر عن المأساة التي وقعت على الليبيين الذين يعانون منذ وقت طويل.

وقد حصل الضرر الأكبر بسبب انهيار السدين اللذين كانا في وضع متهالك وبحاجة لصيانة جذرية. وحذر الخبراء لوقت من المخاطر التي يمثلها السدان لو لم يتم النظر فيهما وصيانتهما. وقبل عامين، حذر تقرير من وكالة الرقابة في الدولة، من أن الصيانة لم تحصل رغم تلقي السلطات المحلية مليوني دولار في الفترة ما بين 2012 و2013 للقيام بالأعمال اللازمة.

وحذرت ورقة بحثية نشرتها مجلة علمية بجامعة ليبية نشرت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، من التصدعات في السدين و”التداعيات الكارثية” لو انهارا.

وهناك قلة في ليبيا سيشعرون بالدهشة من هذا الإهمال، فقد لاحقت الفوضى والنزاع هذا البلد منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011. وكانت ليبيا واحدة من دول الشرق الأوسط التي تدخّل فيها الغرب عسكريا، من خلال الناتو،  لدعم الثورة ضد القذافي.

وكان الأمل هو أن تزدهر الديمقراطية. ولكن بدلا من ذلك، أصبحت ليبيا درسا في تحديات إعادة بناء دولة وسط فراغ حدث بعد التخلص من حكم الرجل الواحد. وبعد 42 عاما، أفرغ حكم القذافي القاسي والمتحمور حول نفسه، البلد من مؤسساته الاجتماعية والمدنية، مما أدى لغياب التجربة عند الليبيين في عمليات التحول الديمقراطي السياسي.

ولم تلتفت الدول الغربية التي ساهمت بالتدخل العسكري لعمليات إعادة الإعمار. وتعاملت الولايات المتحدة مع ليبيا من خلال منظور مكافحة الإرهاب. وقد تغير هذا الموقف، عندما قامت روسيا بنشرعناصر مجموعة فاغنر لدعم خليفة حفتر عام 2019، وهو أمير الحرب الذي يسيطر على الشرق الليبي بما فيه درنة.

ولكن ليبيا هي دولة منهارة منذ وقت. وبالنسبة للأوروبيين، خاصة فرنسا وإيطاليا، فقد ظلت تتبنى أجندات متناقضة، في وقت دعمت فيه القوى الإقليمية بما فيها الإمارات وتركيا ومصر وقطر، فصائل متنافسة في ليبيا، خدمة لمصالحها. ولم تنجح الجهود الأمريكية لتشجيع اللاعبين السياسيين للتوافق على حكومة وطنية وانتخابات.

وفي العالم المثالي، تعتبر مأساة درنة، صيحة تحذير للنخبة الليبية الحاكمة، وأن بلدهم بحاجة ماسة لأن يغيّر مساره. ولكن المحاسبة التي طالب بها الكثير من الليبيين لن تحصل، في وقت تقوم الفصائل الراسخة بنهب مصادر البلد النفطي. وأقل ما يمكن أن ينتج عن هذه المأساة هو إعادة الغرب تركيزه على البلد ودعم استقراره والضغط على النخب الحاكمة للتحرك نحو انتخابات.

والسماح ببقاء دولة فاشلة على الطرف الجنوبي للبحر المتوسط، لن يكون خيانة لآمال الليبيين الذين انتفضوا ضد القذافي، بل سيكون تهديدا  على استقرار شمال أفريقيا. ولو نجحت روسيا والمتاجرون بالبشر والمتطرفون باستغلال الفوضى، فمصالح الغرب ستكون في خطر أيضا، كما تقول الصحيفة.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي