كفاح صعب من أجل حفظ السلاحف الخضراء بوجه التمدد الحضري في باكستان

ا ف ب - الأمة برس
2023-12-09

سلاحف خضراء صغيرة تزحف باتجاه بحر العرب في مدينة كراتشي الباكستانية في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 (ا ف ب)

في قلب مدينة كراتشي الساحلية العملاقة، بازدحاماتها المرورية الدائمة ومواقع البناء العشوائية فيها، تخرج أربع سلاحف خضراء من الزبد على الشاطئ الرملي لبحر العرب، تبحث عن مكان تضع فيه بيضها.

تعود ثلاثة من هذه الحيوانات بسرعة إلى الماء، منزعجة من الأضواء الساطعة وضجيج إحدى الحفلات المجاورة قرب الشاطئ.

لكن آخر هذه السلاحف الثلاث تلوّح بأرجلها الزعنفية، وتقذف الرمال في الهواء، لتصل إلى مكان جاف، حيث ستضع 88 بيضة بحجم كرة الغولف.

وفي مكان قريب، يقف ستة علماء بيئيين مكلفين ضمان حماية آخر أنواع السلاحف التي تعشش في باكستان.

ويقول أشفق علي ميمون، رئيس خدمة حماية الحيوانات البحرية في ولاية السند في جنوب البلاد "أن نكون بشراً لا يعني أننا يجب أن نحب البشر فقط. فهذه الحيوانات تحتاج أيضاً إلى القدر عينه من الاهتمام والحب".

ويُعد شاطئ ساندسبيت مكاناً مفضلاً للاسترخاء لسكان كراتشي البالغ عددهم 22 مليون نسمة، وموطناً طبيعياً للسلاحف الخضراء المعرضة لخطر الانقراض بحسب الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة.

لكن على طول الشاطئ الذي يبلغ طوله ثمانية كيلومترات، يستمر بناء المنازل الخرسانية بلا هوادة، ما يؤدي إلى تآكل مطرد في المساحة الرملية التي تعشش فيها السلاحف.

تقول حسينة بانو، زوجة ميمون، التي تدعم عمل فريقه "لقد رأيت ذات مرة شخصاً يزعج سلحفاة كانت تضع بيضها، ما دفعها للهروب إلى مكان آمن، تاركة وراءها كمية من البيض. لقد كان مشهداً مؤلماً".

حيوانات مهددة بالتلوث

 

 

على مدى أكثر من 100 مليون سنة، هاجرت السلاحف البحرية مسافات شاسعة عبر محيطات الكوكب، لكن الأنشطة البشرية باتت تهدد بقاء هذه الأنواع، وفق الصندوق العالمي للطبيعة.

حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت السواحل الباكستانية لبحر العرب موقع تعشيش لخمسة أنواع من السلاحف المهددة بالانقراض.

واليوم، وحدها السلاحف الخضراء تستمر في المجيء والتعشيش على هذا الساحل، على شاطئين في كراتشي وجزر صغيرة غير مأهولة في ولاية بلوشستان، غرباً، باتجاه الحدود مع إيران.

غير أن التمدد العمراني والضوضاء والتلوث البلاستيكي، عوامل تهدد هذه السلاحف التي يرجع اسمها إلى لون لحمها الأخضر بسبب النباتات التي تأكلها.

كما يُعدّ الصيد العرضي في شباك الصيد سبباً رئيسياً لنفوق السلاحف. ويشير الصندوق العالمي للطبيعة في باكستان إلى أن أبخرة الوقود تسبب تشوهات لدى السلاحف الصغيرة.

ويتم استغلال السلاحف منذ فترة طويلة في باكستان للحصول على جلودها وأصدافها. لكنها محمية منذ سبعينيات القرن العشرين بموجب التشريعات المحلية وبموجب اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من النباتات والحيوانات البرية (Cites)، والتي وقّعت عليها البلاد.

وتضم إدارة حماية الحياة البرية في السند فريقاً من ستة متطوعين متخصصين في شؤون السلاحف الخضراء. ويتم دفع أجورهم على أساس التبرعات، ويقومون بدوريات على الشواطئ ليلاً خلال موسم التكاثر بين آب/أغسطس وكانون الثاني/يناير

ديناصورات حية

تضع السلحفاة الخضراء في المتوسط حوالي مئة بيضة، في أعشاش تحفرها في الرمال باستخدام رجليها الخلفيتين.

ويتواجد المتطوعون عند وصول السلاحف "للاعتناء بها والتأكد من عدم إزعاج أحد لها"، كما يوضح أحدهم ويدعى أمير خان.

ثم يجمعون البيض بعناية وينقلونه إلى منطقة ساحلية محمية، حيث يدفنونه مرة أخرى في الرمال لفترة حضانة تتراوح بين 45 إلى 60 يوماً، في مأمن من الحيوانات المفترسة مثل الكلاب أو النمس أو الثعابين.

وبالكاد يبلغ عمر الحيوانات الصغيرة حديثة الولادة بضع ساعات وطولها خمسة سنتيمترات، ويتم إحضارها إلى دلاء، ثم توضع في الماء واحداً تلو الآخر، ثم تسبح بعيداً في الليل.

لا تتوفر بيانات في باكستان عن عدد السلاحف الخضراء، لكن عدد السلاحف الصغيرة التي وُلدت تحت إشراف متطوعي السند زاد في السنوات الأخيرة.

وفي عام 2022، فقست حوالى 30 ألف بيضة، وهذا العام بالفعل أكثر من 25 ألف بيضة في منتصف الموسم.

لكن هذه "الديناصورات الحية" ستظل مهددة بسبب التوسع الحضري في كراتشي والمخاطر التي يسببها الصيادون، وفق أمير خان.

ويؤكد محمد جاويد، وهو متطوع يبلغ 29 عاما تولى المهمة من والده، أن "من الجيد الاعتناء بهذه السلاحف، فهي تجعل شاطئنا أكثر جمالا".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي