أسطورة الأجسام الطائرة المجهولة من اليابان في القرن التاسع عشر

الأمة برس
2023-12-14

تعبيرية (بيكسباي)

انجرفت سفينة مستديرة إلى الشاطئ على الساحل الياباني في عام 1803، وخرجت منها امرأة جميلة ترتدي ملابس غريبة وتحمل بيديها صندوقا. لم تكن قادرة على التواصل مع السكان المحليين، وكانت مركبتها تحتوي على كتابات غامضة. تنتشر قصة ”أوتسوروبوني (السفينة المجوفة)“ تلك والتي حدثت في مقاطعة هيتاتشي (محافظة إيباراكي حاليا) في الكثير من السجلات التي تعود إلى فترة إيدو (1603–1868)، وقد أمضى تاناكا كازوؤ الأستاذ الفخري بجامعة غيفو سنوات طويلة على دراسة الموضوع، ما أبعده عن مجال بحثه الرئيسي ألا وهو البصريات التطبيقية، وذلك من أجل التحقيق في هذه الحادثة الغريبة. ولكن ما هي القصة بالفعل؟ وفقاً لموقع اليابان بالعربي.

مثل الصحن الطائر

يقول تاناكا إنه بدأ في إجراء أبحاث حول السفينة بعد هجمات السارين المميتة في مترو الأنفاق في عام 1995 على يد طائفة أوم شينريكيو. ”كانت هناك تغطية كبيرة لتنبؤات مؤسس الطائفة أساهارا شوكو وادعاءاته بقدرته على الطيران في الهواء. وكان أعضاء كبار من الطائفة جزءا من النخبة العلمية. بدأت بإلقاء محاضرات تتناول الظواهر الخارقة من منظور علمي، ما يعني أنني كنت أجمع كافة أنواع المواد الدراسية، مثل المواد المتعلقة بالأجسام الطائرة المجهولة في الولايات المتحدة والفولكلور الياباني. وبينما كنت أقوم بذلك، تعرفت على أسطورة أوتسوروبوني. حدثت هذه الواقعة قبل قصص الأجسام الطائرة المجهولة الأمريكية بزمن طويل، وكانت المركبة التي صورتها الوثائق اليابانية في فترة إيدو لسبب ما تبدو وكأنها طبق طائر. لقد كان هذا رائعا بالنسبة لي“.

أثارت الأجسام الطائرة المجهولة ضجة كبيرة في العصر الحديث بعد أن ذكرت وسائل الإعلام أن رجل الأعمال الأمريكي كينيث أرنولد رأى ”أطباقا طائرة في 24 يونيو/حزيران 1947. وتلا ذلك طوفان من القصص المشابهة من مختلف أنحاء العالم. أكثر تلك القصص شهرة تزعم أن جسما غامضا تحطم على الأرض بالقرب من روزويل في نيو مكسيكو في يوليو/تموز عام 1947. يقول تاناكا ”ولكن في نهاية المطاف، لم يتم انتشال أي حطام أو جثث غريبة. لم تصدر إلا شهادات غامضة من شهود عيان. وقد تكرر الأمر نفسه مع جميع قصص الأجسام الطائرة المجهولة الأخرى من جميع أنحاء العالم، فقد كانت ألغازا بدون أي دليل ملموس. ولكن أسطورة أوتسوروبوني مدونة في عدد من الوثائق التي يجب فحصها باعتبارها أدلة، وبهذا المعنى، فهي بالنسبة للباحثين لغزو له جوهر“.

تقرير النينجا

هناك تراث منقول شفهيا لقصص مماثلة لأسطورة ”السفن المجوفة“ في جميع أنحاء اليابان في فترة إيدو. يركز بحث تاناكا على الوثائق المختلفة التي تصف القصة التي وقعت في هيتاتشي عام 1803، وتتضمن رسوما توضيحية لامرأة جميلة وسفينة غريبة، على الرغم من أنها تذكر تواريخ مختلفة. أحد أفضل المصادر المعروفة هو ”توئن شوسيتسو (قصص توئن)“، وهي مجموعة تعود لعام 1825 توثق شائعات رائعة، وقد كتبتها دائرة توينكاي الأدبية وقام بتحريرها كيوكوتي باكين المشهور بروايته الرومانسية التاريخية الطويلة ”سجلات الكلاب الثمانية“. ومن بين المصادر الأخرى عمل لناغاهاشي ماتاجيرو لعام 1844 بعنوان ”غبار البرقوق“، بالإضافة إلى مجموعات مثل ”ملاحظات أوشوكو“ و ”مقالات هيروكاتا“ و ”سجلات المنبوذين“ وهو عمل يجمع قصص السفن الأجنبية التي جرفتها الأمواج إلى اليابان وقصص عن بحارة يابانيين وصلوا إلى الشاطئ في الخارج.

افترض تاناكا في البداية أن الواقعة كانت مجرد رواية منمقة تتعلق بغرق سفينة صيد حيتان روسية، لكنه لم يتمكن من العثور على أي ذكر لمثل هذه الكارثة في السجلات الرسمية. بل اكتشف مواد تاريخية جديدة، وبات منغمسا في المزيد من الأبحاث الأساسية. عثر حتى الآن على 11 وثيقة تتعلق بأسطورة أوتسوروبوني في هيتاتشي، ويعتقد أن أكثر تلك الوثائق إثارة للاهتمام يعود تاريخها إلى عام 1803، وهو نفس العام الذي قيل إن المركبة قد وصلت فيه إلى الشاطئ.

وهناك وثيقة أخرى هي ”وثيقة ميتو“ ويملكها أحد هواة جمع التحف في ميتو بمحافظة إيباراكي. لاحظ تاناكا أن ملابس المرأة في الرسم التوضيحي في العمل كانت مشابهة لتمثال بوديساتفا الموجود في معبد شوفوكوجي في كاميسو بمحافظة إيباراكي أيضا، والمكرس لتربية ديدان القز. تنسب إحدى الأساطير الفضل في بداية تربية ديدان القز في المنطقة إلى الأميرة ”كونجيكي (الأميرة الذهبية)“ التي تظهر صورها في المعبد. تحكي القصة في إحدى الروايات كيف أن الأميرة كونجيكي جرفتها الأمواج إلى الشاطئ بعد سفرها من الهند على متن قارب على شكل شرنقة. ترد الأميرة الجميل لزوجين محليين حاولا رعايتها لتعود إلى صحتها، وذلك بمنحهما أسرار تربية ديدان القز عندما تصبح هي نفسها دودة قز بعد وفاتها. من بين المصادر التاريخية المختلفة، يبدو الرسم التوضيحي في وثيقة ميتو فقط مشابها إلى حد كبير للأميرة كونجيكي. ويعتقد تاناكا أنه في الوقت الذي انتشرت فيه أول الشائعات عن ”سفينة مجوفة“ جرفتها المياه إلى الشاطئ وتدعى كاشيمانادا، ربما قرر الناس في شوفوكوجي دمجها في المعبد للترويج له.

مصدر آخر أكثر أهمية هو ”وثيقة بانكي“ وهي من مقتنيات كاواكامي جينئيتشي وريث تقليد كوكا لـ”نينجوتسو (فنون النينجا)“ والباحث في نينجوتسو ومحترف الفنون القتالية. سميت الوثيقة على اسم ”عائلة بان (بانكي)“ من نينجا كوكا. وبينما تشير بعض المواد الأخرى إلى أن السفينة وصلت إلى الشاطئ في مواقع مثل هارايادوري أو هاراتونوهاما، إلا أنه لا يوجد دليل على وجود مثل هذه الأماكن. ولكن هذه الوثيقة تذكر أن اسم الموقع هو هيتاتشيهارا شاريهاما، والذي ظهر في خريطة من إعداد رسام الخرائط الشهير إينو تاداتاكا، ويُعرف الآن باسم هاساكي شاريهاما في كاميسو. يعلق تاناكا قائلا إنه بينما تظهر المواد الأخرى تناقضات جغرافية، فإن هذه الوثيقة تذكر اسم مكان حقيقي. ويقول إن كاواكامي أشار إلى أن أحد أعضاء عائلة بانكي ربما كان يجمع المعلومات أثناء عمله لرئيس إقطاعية أوواري (الآن محافظة آيتشي). ”إذا كان الأمر كذلك، فلن يدون أية أكاذيب، لذلك يمكننا القول إن الوثيقة موثوقة للغاية“.

في انتظار كشوفات جديدة

ذكر عالم الفولكلور ياناغيتا كونيو ذات مرة أن جميع أساطير أوتسوروبوني كانت خيالا لا أساس له من الصحة. ويقول تاناكا ”ولكن في حالة أوتسوروبوني في هيتاتشي هناك اختلاف واضح عن القصص الأخرى في جميع أنحاء البلاد. فتاريخ وقوعها محدد في عام 1803، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، من الغريب أن تكون هناك صور محددة للمركبة تظهرها وكأنها تشبه الطبق الطائر. أشعر أن القصة ربما كانت تعتمد على شيء حدث بالفعل. لكن اليابان كانت مغلقة إلى حد كبير آنذاك، لذلك إذا كان هناك حطام سفينة أجنبية أو وصل أشخاص أجانب إلى البلاد، فسيكون ذلك حدثا ضخما ولكان مسؤول حكومي قد أجرى تحقيقا في الأمر وترك وثيقة حكومية. فدخول بحارة بريطانيين إلى أوتسوهاما (حاليا كيتائباراكي) في عام 1824، كان أحد أسباب صدور مرسوم في العام التالي لصد السفن الأجنبية. لذلك ربما كانت هناك رواية شهود عيان على شيء ما حدث لفترة قصيرة في كاشيمانادا. ومن الممكن أن يكون هذا مرتبطا بأساطير أوتسوروبوني السابقة“.

وكما أن أوصاف ملابس المرأة تختلف حسب الوثيقة، كذلك تختلف أوصاف شكل وحجم سفينتها. فعلى سبيل المثال، تقول سجلات المنبوذين إن ارتفاع السفينة كان حوالي 3.3 متر وعرضها 5.4 متر (عند تحويله إلى القياسات الحالية) وإنها مصنوعة من خشب الورد والحديد مع نوافذ من الزجاج والكريستال. ”لست متأكدا إن كانت سجلات المنبوذين وثيقة رسمية. هناك مجلدان، وبصرف النظر عن أوتسوروبوني، فكلها حوادث وقعت بالفعل. يقول تاناكا ”هذا يشير إلى أن الكاتب على الأقل كان يعتقد أن أوتسوروبوني قد جرفتها الأمواج بالفعل إلى الشاطئ“.

هناك عدد لا يحصى من الألغاز المرتبطة بـ ”السفينة المجوفة“، مثل معنى النص المكتوب بداخلها. يقول تاناكا إن إحدى النظريات تقول إنها تشبه الحروف الرومانية الزائفة التي تظهر أحيانا على هوامش مطبوعات أوكييو-إي . ”لذلك قد تكون مجرد ديكور. على الرغم من استبعاد استحالة اكتشاف دليل على أنه نص فضائي!“، استطرد تاناكا ضاحكا. ”من المحتمل أن يكون هناك المزيد من الاكتشافات لمواد غير معروفة حاليا تتعلق بأوتسوروبوني، واكتشافات جديدة. هذه الأسطورة جذابة للغاية لأنه من الممكن التوصل إلى العديد من النظريات المختلفة. إن وجود قصة كهذه في اليابان – قبل 140 عاما من المشاهدات الأمريكية للأجسام الطائرة المجهولة – والتي تحفز الخيال إلى هذا الحد، تذكرني بمدى عمق الثقافة اليابانية وروعتها“.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي