قصص دافئة من بلاد باردة

2023-12-29

فرمز حسين

هو عنوان المجموعة القصصية التي نَقلتُها إلى العربية ولوحة الغلاف للفنان السوري سعد حاجو، المجموعة الآن قيد الطبع عن دار ميزر للنشر في مدينة مالمو السويدية وبموافقة من دار نورستيدت صاحبة حقوق نشر مؤلفات داغرمان. المجموعة تضم قصصاً لنخبة من الكاتبات والكتاب السويديين الكلاسيكيين الكبار: في قصة «عربات القطار الحمراء» لستيغ داغرمان: شاب يعاني من الهوس والذهان، تختلط عليه الأمور أكثر ويفقد توازنه مع رؤيته قطارا يعبر كل ليلة من تحت نافذة غرفته، تعلو عرباته رسوم حمراء مرعبة، هذه الرؤية تحرك رغبات الشر والجنون الكامن في داخله وتزداد عنده رغبة التحول من متلقٍ للصدمات ومن دور السندان الذي كان عادة يرى نفسه فيه، إلى لعب دور المطرقة.

ستيغ داغرمان يتابع نهجاً كافكاوياً مع هوس بطل قصته، وكأنه في وحدته، بؤسه، خوفه، قلقه وسوداويته يندمج مع ثلاثية العزلة في روايات كافكا: «القلعة» «أمريكا» «المحاكمة». في قصة المحكوم عليه بالإعدام: انعكاسات سلوك رجل بريء تنقذه وعكة الجلاد الصحية، وإغماؤه من تنفيذ حكم الإعدام فيه، لكنه بدل الشعور بالسعادة والإحساس بالفرح ونشوة النجاة من الموت المحقق يبقى سجين طقوس العزلة، التي صنعها لنفسه وانسجم معها في السجن أثناء انتظار إعدامه.

في قصة «ألعاب الليل» لداغرمان أيضاً: «أوكي» الصبي الصغير الذي يعاني من الخوف والقلق، وهو يسمع على الدوام نحيب أمه جراء إدمان والده شرب الخمر، يبقى مستيقظاً في سريره في الليالي مطلقاً العنان لخياله، ليقوم بدور المنقذ لأبيه الثمل الذي ينفق جُلَّ ما يجنيه من عمله كدهّان في الشرب. «أوكي» يأخذ على عاتقه في أحلامه إنقاذ أبيه وإحضاره من الخمارة التي يعتاد ارتيادها، بدل ورشة العمل وبذلك يضع الأمور في نصابها. في قصة المحاكمة: يمتثل بيتروس «ج « أمام القاضي بعد أن يتم القبض عليه متلبساً وهو يقود كاسحة جليد استولى عليها متأثراً من زحمة الأفكار في خياله وتوارد الخواطر في ذهنه، حيث خيل له في ذلك الحين بأن كل شيء يطفو على سطح الماء وعليه أيضاً أن يفعل ذلك. كلب تقصي الحقائق يقود بتروس»ج» ليلتقي بمن تمت معاقبتهم على أفعالهم، كل ذلك قبل أن ينطق القاضي بالحكم عليه. في مأساة بسيطة لداغرمان أيضاً: ساعي بريد يغرم بسيدة جميلة أثناء القيام بتوزيع الرسائل، يخفي الأمر عن زوجته، لكنه يتشجع بعد حضورهما فيلماً في السينما، تدور أحداثه حول قصة حب ممنوع منذ زمن بعيد وتصارحه زوجته بأنها تحب أن تسمع عن مآسي الماضي الكبيرة. في أيام زمان: الخادمة الحامل، التي على وشك الولادة لا تريد أن تنفذ أوامر سيدها التاجر العجوز، وتخشى الخروج في ذلك الطقس البارد لتذهب سيراً على الأقدام الى بستان الفلاح، وتبلغه بأن والدته، فارقت الحياة، حيث وجِدتْ متجمدة على درج سيدها التاجر منذ أكثر من يوم مضى، وهي الآن جثة هامدة في إحدى الغرف الباردة عندهم، تضرعت إلى الله في قرارة نفسها وتمنت أن يأتيهم زائر ما. في ذلك الوقت كان رجلاً يحمل سكيناً في يديه يتربص للدخول عند البوابة، لم تكن الآلهة قد أرسلته تلبية لدعائها، بل كان قد قدم من مقاطعة أخرى بعيدة وسار لعدة أيام باحثاً عن شخص ما ليقتله، شخص لا أحد يشعر بغيابه ولا أحد يفتقده.

في قصة المتعقب لكارين بوي: امرأة شابة تلمح شخصاً وتشعر بأنه يتعقبها، وهي في أشد حالات اليأس وفقدان الرغبة في الاستمرار بالعيش، وكانت قد قررت الانتحار. ظنها كان في محله والرجل كان يلاحقها فعلاً، لكنه لم يكن يضمر لها شراً، بل على العكس من ذلك، وحوار قصير معه كان له ذلك التأثير الكبير الذي جعلها تعدل عن رأيها، ولا تقدم على ما كانت عازمة عليه. وبدأت فجاة ترى الحياة من منظور آخر أكثر اشراقاً وتفاؤلاً.

في يد الشبح لسلمى لاغرلوف: صبية تعيش مع عمتيها الكبيرتين في السن في وضع شبيه بالسجن، يتقدم لخطبتها طبيب وهي توافق، دون أن تكنّ له أي مشاعر، لكنها أرادت الارتباط به فقط للخلاص من العيش مع عمتيها اللتين لا تغادران البيت أبداً. يد الشبح المخيف يظهر لها فجأة لأنها كذبت، وهذا ما جعلها ترتعب وتمرض، وفي نهاية الأمر تعترف لخطيبها بأنها لا تحبه، وفي المقابل يصارحها خطيبها أيضاً بأنه لا يكنّ لها أية مشاعر حميمة، لكنه فقط يكره العيش بمفرده، وهذه المصارحة هي التي تقودهما إلى الارتباط من خلال علاقة جديدة وبمشاعر حقيقية متبادلة. في نصف ورقة لأوغست ستريندبيرغ: رجل فقد زوجته للتو وترمل، يريد الانتقال من منزله ليبدأ حياة جديدة في محاولة لنسيان هذا المكان وأحداث الحياة التي جرت فيه في ما مضى من الأيام، لكنه فجأة يرى نصف ورقة معلقة على الجدار فوق منصة الهاتف، وعليها رؤوس أقلام وكتابات كثيرة لتأخذه محتويات تلك الورقة ويغوص في ذكريات وتفاصيل حياته السابقة كلها، تلك التفاصيل التي كان يريد نسيانها، كل ذلك في نصف ورقة فقط. وفي قصة طائر الفينيق لستريندبيرغ أيضاً: رجل يُغرم بفتاة جميلة في الرابعة عشرة من عمرها، لكنه يسافر للدراسة في مدينة أخرى لمدة عشرة أعوام ليعود إليها من جديد ويتزوجها، وتكون الفتاة قد أصبحت امرأة في الرابعة والعشرين من عمرها ضامرة بعض الشيء وأقل رونقاً وجمالاً. يرزقان بولدين وصبية، الرجل يتعلق كثيراً بابنته لكنها تصاب بمرض شديد وتموت، ويحزن كثيراً عليها، لكن مع مرور الزمن يخف الحزن، لكنه يفجع هذه المرة بفقدان زوجته وهو في الخمسين من عمره ويبدأ بافتقادها من جديد. تمضي الأيام ويلتقي بامرأة شابة تذكره بزوجته الأولى عند لقائهما الأول، وكأنها مثل طائر الفينيق جاءت في حلة جديدة. كانت شبيهة لزوجته في جمالها، لكنها كانت مختلفة عنها تماماً في خصالها وطباعها. الغيرة ومرارة العيش معها تجعلانه يحن إلى زوجته المتوفاة، ويراوده ذلك التساؤل بأن زوجته الأولى كانت الإنسانة والشريكة الحقيقية له في حياته، ولم تكن هذه الأخيرة هي طائر الفينيق، بل هي، وبقي يفكر في ذلك التساؤل الذي ربما عرف الإجابة عنه حين نام ولم يفق من نومه بعد ذلك. وفي الصفقة كذلك لستريندبيرغ: تشترط المرأة حق الاحتفاظ بما تملك لكي توافق على الزواج والرجل يوافق، لكن على أن يكون لكل طرف حق الاحتفاظ بما يملك، وهكذا يتم الزواج بعد عقد الصفقة وتمضي الأيام ويمرض الرجل ويتوفى، وحين يتم حصر التركة تذهب أمواله كلها لخزينة الدولة، طبقاً لتلك الفقرة القانونية التي كانت الزوجة قد اشترطت على زوجها وهذا ما جعلها تعود في نهاية المطاف كئيبة خاوية الوفاض إلى بيت أبيها. في قصة الأقوى: يعكس ستريندبيرغ المعروف بميله إلى أن مكان المرأة في البيت وخدمة الرجل، وأن الزواج الحقيقي هو من أجل أن تنجب المرأة أطفالاً وعن حقوق المرأة التي كانت حينها القضية الأكثر مثاراً للجدل وأن في نهاية الأمر الغلبة للأقوى امرأة كانت أم رجلاً.

كاتب ومترجم سوري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي