الغارديان: دعم جنوب أفريقيا للفلسطينيين متجذر في تاريخ الأبارتهايد.. وبريطانيا متهمة بالنفاق  

2024-01-08

 

أشارت الصحيفة أن جنوب أفريقيا قد تسلط الضوء على الحجج البريطانية في ملفها الذي قدمته مع كندا والدنمارك وألمانيا وفرنسا، ضد ميانمار (أ ف ب)نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعده كريس ماغريل، قال فيه إن تاريخ الفصل العنصري أو الأبارتهايد في جنوب أفريقيا هو ما شكل تفكير حالة الإبادة الجماعية ضد إسرائيل. ففي الوقت الذي اتهمت فيه الجماعات اليهودية المؤتمر الوطني الأفريقي (إي أن سي) بمعاداة السامية، إلا أن الحالة المقدمة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية نابعة من دعم الحزب الطويل للفلسطينيين.

وقال إن ردة فعل إسرائيل على التحرك القانوني لجنوب أفريقيا هو توجيه الاتهام لها بأنه يصل إلى حد دعم حماس. ووصفت إسرائيل التهم بأنها قامت عمدا بقتل آلاف الفلسطينيين والتي ستفتح جلسات الاستماع لها أمام محكمة العدل الدولية بأنها “فرية الدم” (في إشارة للطقوس  التي تتهم اليهود باختطاف أطفال مسيحيين لاستخدام دمهم في إعداد فطيرة خاصة)، واتهمت الجماعات اليهودية في جنوب أفريقيا، الحزبَ الحاكم بالوقوف مع الإرهاب ومعاداة السامية.

إلا أن القضية القانونية الهادفة لوقف الهجوم الإسرائيلي ضد غزة ردا على هجوم حماس في تشرين الأول/ أكتوبر، وتأتي بعد سنوات من تدهور العلاقات بين البلدين، نابعة من التعاطف العميق مع الشعب الفلسطيني، وتحالف إسرائيل الوثيق مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أثناء السنوات الأكثر قمعا من حكم البيض.

وردّ الحاخام الأكبر لجنوب أفريقيا، وارين غولدستين على طلب المؤتمر الوطني الأفريقي بالقول إن الحزب الحاكم يتصرف وكأنه “كحليف لإيران وكوكيل في خطط تنظيم الدولة الإسلامية لتدمير الدولة اليهودية” واتهمه بدعم “حماس وكيلة إيران في جرائم الحرب التي ارتكبتها”. وانضم مجلس الممثلين اليهود في جنوب أفريقيا إلى حملة النقد واتهم الحكومة بمواصلة “إهانة نفسها بالميدان الدولي” وقال إنه “لا حياء” لديها في استخدام المحاكم الدولية لأغراضها الخاصة.

وردّ نقاد مجلس الممثلين اليهود بالقول إنه يعمل كوكيل عن إسرائيل. وقال أندرو فينشتاين، النائب اليهودي السابق عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، إن الانتقادات لن تترك إلا أثرا قليلا داخل البلد. وقال: “على ما أتذكر، لم ينتقد الحاخام الأكبر ومجلس الممثلين اليهود أي شيء فعلته إسرائيل. ومن الجيد تذكير الواحد نفسه أن المجتمع اليهودي المنظم في جنوب أفريقيا وجد نفسه في وضع صعب جدا لنقد الأبارتهايد حتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ولهذا فنحن لا نتحدث عن أناس يتحدثون من موقف النزاهة الأخلاقية هنا”.

ولاحظ فينشتاين أن اليهود في جنوب أفريقيا كانوا حاضرين في الكفاح ضد التمييز العنصري، إلا أن مجلس الممثلين اليهود الذي زعم أنه يتحدث نيابة عن غالبية المجتمع اليهودي، رفضهم. وتعاونت المنظمة مع النظام الأبيض، واختارت تكريم رموز مثل بيرسي يوتار، محامي الاتهام الذي أرسل نيلسون مانديلا إلى السجن. وأضاف فينشتاين أن انتقادات جنوب أفريقيا لإسرائيل، كامنة في الدعم الطويل لمنظمة التحرير الفلسطينية وما رأى أنها وجهة نظر متزايدة عن ممارسة إسرائيل نموذجها الخاص من التمييز العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال: “هناك أمور معينة كامنة بشكل لا يصدق في عمق المؤتمر الوطني الأفريقي ودعم للشعب الفلسطيني واحد منها. وهناك تقارب في النضال الفلسطيني الذي ينظر إليه على أنه قريب من نضال جنوب أفريقيا”.

وأخبر رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوسا، ممثلين عن مجلس الممثلين اليهود الشهر الماضي أن حكومته ستواصل دعم الفلسطينيين الذين “عانوا على مدى سبعة عقود من احتلال قاس يشبه الأبارتهايد”. وأقامت إسرائيل ونظام الفصل العنصري الأبيض علاقات عسكرية قوية بما فيها تعاون في المجال النووي، كل هذا مع أن الكثير من قادة الأفريكان لهم تاريخ في معاداة السامية. وقوبلت زيارة جون فورستر، رئيس الوزراء في حينه بالحفاوة في القدس عام 1976 مع أنه اعتقل في أثناء الحرب العالمية الثانية، لتعاطفه مع النازية وضلوعه في حرق ممتلكات اليهود.

وبعد وصول المؤتمر الوطني الأفريقي إلى السلطة عام 1994 أقام علاقات دبلوماسية كاملة مع فلسطين، وتدهورت العلاقات مع إسرائيل مع مضي الزمن. وتقول وزارة الخارجية في بريتوريا إنها تقيم “اتصالات دبلوماسية وسياسية محدودة” مع إسرائيل بسبب “موقفها المعادي” من محادثات السلام مع الفلسطينيين و”عدم احترامها للقوانين الدولية فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين وأراضيهم”.

وخفضت جنوب أفريقيا في عام 2019 سفارتها إلى مجرد مكتب تنسيق بعد قتل إسرائيل 220 متظاهرا فلسطينيا في غزة، معظمهم مدنيون وعزلا من السلاح. ووصفت حكومة جنوب أفريقيا إسرائيل وجيشها بـ”المنبوذين وآفة على الإنسانية”. ومع تصاعد الهجوم الإسرائيلي على غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر، استدعت جنوب أفريقيا دبلوماسييها من إسرائيل، وصوّت البرلمان في كيب تاون لتعليق العلاقات وإغلاق السفارة الإسرائيلية في جنوب أفريقيا حتى وقف إطلاق النار والتزام إسرائيل بمفاوضات “عادلة وسلام دائم” مع الفلسطينيين.

ودعت جنوب أفريقيا المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والقادة الإسرائيليين بسبب “تصريحاتهم بنيّة الإبادة” وجرائم حرب أخرى. وسحبت إسرائيل سفيرها من بريتوريا وسط تصاعد الخلاف. ولن تتحسن العلاقات قريبا، ذلك أن جنوب أفريقيا اختارت جون دوغارد لقيادة فريقها القانوني إلى محكمة العدل الدولية.

وعمل دوغارد، مقررا خاصا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة لفلسطين المحتلة خلال العقد الأول من القرن الحالي. واتهمت تقاريره إسرائيل بإقامة نظام من الهيمنة اليهودية على الفلسطينيين وخرق الميثاق الدولي لعام 1973 المتعلق بالأبارتهايد وارتكاب جرائم حرب. واتهم إسرائيل بالتعاون مع “إرهاب المستوطنين” ضد الفلسطينيين.

ويقول الفلسطينيون إن تقدم جنوب أفريقيا بدعوى لمحكمة العدل الدولية، لن يضعف من مكانة البلد كما يزعم مجلس الممثلين اليهود، بل سيقويها ويعطيها احترام الدول الأخرى مثل البرازيل والهند والصين. وقال: “الأجزاء الممثلة للمجتمع اليهودي وغيرهم هم الذين على ما يبدو يحرجون أنفسهم من خلال دعم أي شيء تفعله إسرائيل. ولا أرى بأي حال أن هذا يحرج جنوب أفريقيا، بل يفعل بالضبط العكس”.

اتهامات بالنفاق

ونشرت الصحيفة أيضا تقريرا لمحررها الدبلوماسي باتريك وينتور بشأن اتهامات للحكومة البريطانية بالنفاق والمعايير المزدوجة، فهي ترفض دعم مزاعم الإبادة الجماعية في غزة، مع أنها قدمت قبل ستة أسابيع دعمها لزعم مماثل، ولكنه يتعلق بالإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، من خلال المعاملة الجماعية السيئة للأطفال والحرمان المنظم من الطعام والمأوى.

وقدمت بريطانيا “إعلان التدخل” المكون من 21 صفحة مع خمس دول، لكنها لا تدعم جنوب أفريقيا وهي تحضّر لإقناع محكمة العدل الدولية بأن إسرائيل عرضة لاتهام ارتكاب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.

وتناقش بريطانيا في طلبها ضد ميانمار أن هناك عتبة متدنية لتحديد الإبادة، حالة ممارستها على الأطفال مقارنة مع الكبار.

وجاء في الحجج المقدمة للمحكمة، أن أفعالا أخرى يمكن تعريفها كإبادة جماعية، إن كانت منتظمة، بما في ذلك التهجير القسري من البيوت، والحرمان من الخدمات الطبية وفرض نظام غذائي يقوم على الحرمان.

وقالت الصحيفة إن بريطانيا تجادل بأن الإعلان عن النية لارتكاب إبادة جماعية أمر نادر، ولذلك لا ينبغي أن يتوقف اختبار المحكمة فقط على الأقوال الصريحة أو على الأعداد المقتولة، بل يجب أن يأخذ بالاعتبار الاستنباط المعقول المستخلص من نمط السلوك والأدلة الحقيقية.

ونقلت الصحيفة عن رئيس قسم القانون الدولي في شركة “بيندمانز القانونية”، طيب علي، قوله إن أهمية البيان الذي تقدمت به بريطانيا حول ميانمار “يكمن في إثبات الأهمية التي توليها بريطانيا للالتزام بمعاهدة الأمم المتحدة لتحريم الإبادة الجماعية، وكذلك في إثبات أن بريطانيا تبنت تعريفا واسعا وليس ضيقا، لأفعال الإبادة الجماعية، والنيّة المبيتة لارتكاب إبادة جماعية. كما أنها أوضحت أن المحكمة ينبغي عليها أن تأخذ بالاعتبار الأخطار المحدقة بالحياة بعد وقف إطلاق النار بسبب الإعاقات، وانعدام القدرة على الإقامة في بيوتهم، وبسبب المظالم الأوسع.”. وأضاف: “سوف يعتبر سلوكا مخادعا تماما من قبل بريطانيا، بعد ستة أسابيع من التقدم بمثل هذا التعريف المهم والواسع للإبادة الجماعية في قضية ميانمار، أن تتبنى الآن تعريفا ضيقا في قضية إسرائيل”.

وأشارت الصحيفة أن جنوب أفريقيا قد تسلط الضوء على الحجج البريطانية في ملفها الذي قدمته مع كندا والدنمارك وألمانيا وفرنسا، ضد ميانمار. وتنفي ميانمار ارتكابها إبادة جماعية، وترفض ما خلصت إليه الأمم المتحدة باعتباره “تحيزا وغير دقيق”، وتقول إن قمعها كان موجها ضد المتمردين الروهينغا الذين نفذوا هجمات إرهابية في ولاية راكين.

وأشار التقرير إلى أن محكمة العدل الدولية قبلت بالإجماع الطلب الذي تقدمت به غامبيا من أجل الحصول على إجراءات مرحلية في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2020، وأصدرت أمراً قانونياً ملزماً إلى ميانمار بالتوقف عن أعمال الإبادة الجماعية، وبتقديم تقرير إلى المحكمة بالخطوات التي تتخذها من أجل الالتزام بالقرار الصادر عن المحكمة.

ورفضت محكمة العدل الدولية في كانون الأول/ ديسمبر 2022، مزاعم ميانمار بأن غامبيا لا حق لها في التقدم بالطلب إلى المحكمة، وهي الآن بصدد اتخاذ قرار بشأن القضية تبعاً لقناعاتها، سامحة لبلدان مثل بريطانيا بالتدخل من خلال التقدم بحجج قانونية داعمة. وحينها رحبت مجموعات حقوق الإنسان بالتدخل البريطاني.

كما يركز البيان الضوء على أهمية الأطفال في تقييم الإبادة الجماعية. ما يقرب من عشرة آلاف طفل ورضيع تقريبا قتلوا في غزة طبقا لما تذكره وزارة الصحة في القطاع، أي ما نسبته 40 بالمئة من الوفيات. وأشار التقرير إلى تسريب نشره موقع “أكسيوس” من أن إسرائيل أمرت دبلوماسييها بالعمل على بناء معارضة دولية للقضية التي ترفعها جنوب أفريقيا، مشيرة إلى أن الحكم السلبي “يمكن أن تكون له تداعيات محتملة كبيرة ليس فقط من الناحية القانونية، ولكن يمكن كذلك أن يفضي إلى عواقب ثنائية ومتعددة الأطراف، ذات أبعاد اقتصادية وأبعاد أمنية”.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي