إيكونوميست: من لاءات الخرطوم إلى نَعَمات بلينكن.. الرافض الآن هو نتنياهو

2024-02-09

تشير التقارير إلى مقتل أكثر من 27 ألف فلسطيني في غزة، بعد أربعة أشهر من الحرب، مع نزوح معظم سكان القطاع ومواجهتهم المرض والجوع. (أ ف ب)نشرت مجلة “ايكونوميست”  في عددها الجديد تقريراً قالت فيه إن انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967 قوبل  باللاءات الثلاث في القمة العربية التي انعقدت في الخرطوم: لا سلام، لا اعتراف، لا مفاوضات مع إسرائيل.

إلا أن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون العكس في سياق غزة، فالسعودية، أهم دولة عربية، تقول نعم للسلام والمفاوضات والاعتراف بالدولة اليهودية، إذا وافقت إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، المحتلة منذ عام 1967.

ويضيفون أنه فوق هذه المواقف الموافِقة من السعودية هناك “نَعَمان” آخران معروضان: نعم للضمانات الأمنية العربية لإسرائيل، علاوة على العلاقات الدبلوماسية السلمية، ونعم لمساعدة الدول العربية في إصلاح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية حتى تكون قادرة على السيطرة على غزة.

وتقول المجلة إن هذه هي الرسالة التي حَمَلها أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى إسرائيل هذا الأسبوع، بعد جولته في شبه الجزيرة العربية، وهي جولته الإقليمية الخامسة، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما هاجمت “حماس” جنوب إسرائيل. ولكن إذا حكمنا من خلال رد فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن إسرائيل أصبحت الآن هي الرافضة.

وتعلق المجلة بأن التوقعات في الشرق الأوسط  تبدو حالياً قاتمة. ويتبادل حلفاء إيران في لبنان إطلاق النار بشكل منتظم مع إسرائيل. ويهاجم الموجودون في سوريا والعراق واليمن القوات الأمريكية. وقبل يومين من وصول بلينكن، أصابت الضربات الأمريكية ضد القوات المدعومة من إيران 85 هدفاً في المنطقة.

وتشير التقارير إلى مقتل أكثر من 27 ألف فلسطيني في غزة، بعد أربعة أشهر من الحرب، مع نزوح معظم سكان القطاع ومواجهتهم المرض والجوع. وتواجه إسرائيل اتهامات بالإبادة الجماعية في “محكمة العدل الدولية”. وفي نظر كثيرين، تلطخت سمعة أمريكا أيضاً بسبب الدعم العسكري والسياسي الذي يقدمه الرئيس جو بايدن لمساعي إسرائيل لتدمير “حماس”.

 وبينما يتنقل بين القصور العربية الرخامية والمكاتب السياسية الرتيبة في إسرائيل، يسعى بلينكن إلى تحويل كارثة غزة إلى فرصة للسلام. وبدا المسؤولون الأمريكيون مبتهجين بمحادثاتهم مع ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان.

وأصبحت السعودية، رغم موقف بايدن الأولي منها، شريكاً رئيسياً في الإستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية الطموحة. ويتضمن ذلك تأمين وقفة “ممتدة” للقتال في غزة من خلال تبادل الرهائن والأسرى، وربما يؤدي ذلك بدوره إلى وقف دائم لإطلاق النار، وقبول إسرائيل للدولة الفلسطينية، واعتراف السعودية بإسرائيل والتزامات أمنية أمريكية جديدة.

ويبدو بلينكن مقتنعاً بأن اللحظة التي تعيشها إسرائيل اليوم، بدلاً من عام 1967، أقرب إلى ما بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 والانتفاضة الفلسطينية في عامي 1987 و1991.

وفي هذه الفترات، أدت آلام الصراع، على التوالي، إلى معاهدة السلام مع مصر في عام 1979 واتفاقيات أوسلو في عام 1993، التي أدت إلى إنشاء السلطة الفلسطينية.

وتشك المجلة في أن الطريق إلى اتفاق إقليمي بات مضموناً على الإطلاق. فمن ناحية، فإن اتفاق الرهائن، الخطوة الأولى الأساسية في الخطة الأمريكية، يرتكز على رجل يعزم الإسرائيليون على قتله: يحيى السنوار، زعيم “حماس” في غزة. ويعتقد أنه يختبئ مع الرهائن في شبكة الأنفاق التي بنتها “حماس” تحت غزة.

ومع ذلك، جلب بلينكن ما اعتقد أنها أخبار تبعث على الأمل على هذه الجبهة. ففي 6 شباط/ فبراير، أخبره أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، أنه تلقى للتو رداً من “حماس” على صفقة الرهائن التي صاغتها إسرائيل وأمريكا ومصر وقطر. لقد اعتبرت قطر الإجابة “إيجابية”، واعتبرتها أمريكا معيبة، ولكنها قابلة للتطبيق. لكن نتنياهو وصفها بأنها “أوهام”.

إذا نجحت، فسيكون هناك الكثير من المساومة حول من سيتم إطلاق سراحه، وبأي ترتيب. وتظلّ النقطة الشائكة الكبرى هي ما إذا كان القتال سيستمر بعد الهدنة، كما تقول إسرائيل. وتصر “حماس” على وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب إسرائيلي من غزة. الحل الوسط الأرجح هو التوصل إلى اتفاق على مراحل. وتأمل أمريكا أن يساعد حتى التوقف المؤقت، قبل بداية شهر رمضان المبارك في أوائل شهر آذار/ مارس، في تغيير عقلية الجانبين، ما يسمح لهما بالتفكير في “اليوم التالي”.

كل هذا يسلط الضوء على نتنياهو، الذي أعلن عن نيته القتال من أجل “النصر المطلق”، ومعارضته لأي دولة فلسطينية. ويريد القادة العرب من أمريكا أن تمارس المزيد من الضغوط عليه.

 في الوقت الحالي، وعلى الرغم من الخلاف العام المتزايد، تعتقد إدارة بايدن أن وقف تدفق الأسلحة إلى إسرائيل لن يؤدي إلا إلى تشجيع “حماس” وأعضاء آخرين في “محور المقاومة” الإيراني. وبدلاً من ذلك، شدّد بلينكن على “أهمية اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين في غزة”، والسماح بدخول المزيد من الإمدادات الإنسانية. وفي الأول من شباط/ فبراير، فرضت أمريكا أيضاً عقوبات على أربعة مستوطنين يهود متهمين بارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين، وهو الأمر الذي انتقده نتنياهو ووصفه بأنه “إشكالي للغاية”.

ويعتقد بلينكن أن المنطقة على مفترق طرق. أحد الطرق يقود إلى الخلاص، من خلال “مستقبل إيجابي وقوي للغاية.. يدمج إسرائيل بشكل حقيقي في المنطقة، ويلبي احتياجاتها الأمنية الأكثر عمقاً”، وأيضاً “يستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني”. أما الطريق الآخر فيؤدي إلى الهلاك، مع استمرار القتال في غزة، وتصاعد الحرب مع حلفاء إيران. وعلى الرغم من أنه لم يوضح ذلك، يبدو بلينكن قلقاً بشأن احتمال تقدّم القوات الإسرائيلية إلى رفح في الطرف الجنوبي من قطاع غزة. ويتركز الفلسطينيون بشكل متزايد هناك، ويكمن الخطر في دفعهم عبر الحدود إلى سيناء. وفي محاولة لطمأنة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أعرب بلينكن عن “رفض أمريكا لأي تهجير قسري للفلسطينيين من غزة”.

تحث أمريكا إسرائيل على الموافقة على “مسار عملي ومحدد زمنياً ولا رجعة فيه لإقامة دولة فلسطينية” كجزء من اتفاق رباعي الأطراف بين أمريكا وإسرائيل والسلطة الفلسطينية والسعودية. وستعرض أمريكا معاهدة دفاعية مع السعودية وتكنولوجيا نووية مدنية. وستوافق السلطة الفلسطينية الضعيفة على الإصلاح.

ومن أجل تحسين الصفقة بشكل أكبر، تفكر بعض الدول العربية في تقديم “ضمانات أمنية” إضافية لإسرائيل. لم يتم تحديد هذه حتى الآن، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تنطوي على معاهدة دفاع رسمية. ولا تمتلك دول الخليج جيوشاً كبيرة، ولا تريد أن تكون في طليعة المواجهة الأمريكية الإسرائيلية مع إيران. ولكن قد يكون هناك شيء أكثر مرونة في المستقبل القريب. وتشمل الخيارات المزيد من تبادل المعلومات الاستخبارية وإنشاء منطقة دفاع جوي مشتركة قوية. بل إن البعض يتحدث عن مناورات عسكرية مشتركة، وهو أمر غير معتاد. وقال بلينكن إن هذه الدول العربية “مستعدة للقيام بأشياء مع إسرائيل ومن أجلها لم تكن مستعدة للقيام بها في الماضي”.

إضافة إلى ذلك، تبدو الدول العربية مستعدة لمساعدة السلطة الفلسطينية في إصلاحها. من المقرر أن يجتمع وزراء خارجية السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن مع مسؤولين من السلطة الفلسطينية في الرياض، يوم 8 شباط/ فبراير، لمناقشة الحوكمة. وتشير بعض المصادر العربية إلى أن الأردن يمكن أن يساعد في تدريب قوات الأمن الفلسطينية، ويمكن للإمارات أن تساعد في تحسين إدارة السلطة الفلسطينية.

الدول العربية لن ترسل قوات حفظ السلام إلى غزة،  ولن تدفع تكاليف إعادة بناء القطاع ما لم يكن هناك التزام إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية.

لقد أوضحت الدول العربية أنها لن ترسل قوات حفظ السلام إلى غزة إذا غادر الإسرائيليون غزة. ولن تدفع تكاليف إعادة بناء القطاع ما لم يكن هناك التزام إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية.

 ومع ذلك، يبدو أنهم يدركون أنهم بحاجة إلى تحمّل مسؤولية أكبر في ما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية القديمة، أو المخاطرة باستغلال إيران وغيرها من المتطرفين لهذه القضية لصالحهم.

في السر، يقال إن نتنياهو أكثر مرونة مما يسمح به. فهل يستطيع أن يحمل نفسه على قول نعم للسعوديين؟ وإذا رفض، فهل من سيحّل محله سيكون أكثر استعداداً؟ لا بلينكن، ولا أي شخص آخر متأكد من ذلك.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي