لنتنياهو ووثيقته لـ "اليوم التالي": لا مخاتير ولا أوهام.. بل سلطة فلسطينية  

2024-02-25

 

وثيقة المبادئ الإسرائيلية إذن يصعب عليها أن تشكل أساساً لخطة عمل قابلة للتنفيذ (أ ف ب)

وثيقة “اليوم التالي” التي عرضها نتنياهو الأسبوع الماضي، تعكس وعياً صحيحاً حول ضرورة البحث في المسألة، لكنها تنطوي من جهة أخرى على غموض ينبع من عدم الرغبة في اتخاذ القرارات ومن محاولة للمناورة بين الاضطرارات السياسية. والنتيجة خطوط عامة للسياسة تعبر عن المثال الأعلى المرغوب فيه من ناحية إسرائيل، لكنه يخلو من التفاصيل اللازمة لترجمة عملية أو تصد ثاقب لاضطرارات الواقع.

“اليوم التالي” ليس على مسافة لمسة، مثلما يمكن أحياناً أخذ الانطباع عنه من الخطاب الإسرائيلي. يحيى السنوار لا يزال حياً، والقتال في غزة يتواصل، وقسم مهم من المنظومة العسكرية لحماس نجا، والمنظمة نفسها ما زال لها سيطرة جماهيرية حتى في الأماكن التي عمل فيها الجيش الإسرائيلي، وعلى رأسها شمال القطاع. أهداف الوثيقة التي نشرت لن تتحقق إلا مع تقويض حكم حماس، وهو هدف لا يمكن حالياً تحديد متى وكيف سيتحقق.

القسم الأول من الوثيقة يغطي مصالح إسرائيل الأمنية في “اليوم التالي”، بما في ذلك الشرط الضروري للسيطرة على التماس بين الفلسطينيين والعالم، مع التشديد على محور فيلادلفيا بين غزة ومصر، الذي شكل وسيلة مركزية لتعاظم قوة حماس.

معظم المشاكل تكمن في القسم الثاني من الوثيقة، الذي يبحث في البعد المدني والسياسي الذي امتنعت عنه إسرائيل حتى قبل 7 أكتوبر. فالغموض كامن في وصف “محافل محلية ذات تجربة إدارية غير مشاركة في الإرهاب” التي يفترض أن تنفذ سيطرة مدنية بدلاً من إسرائيل، خصوصاً مع عدم ذكر أي دور للسلطة كشريك محتمل. يبدو أن الأمر يفترض إرضاء أعضاء الائتلاف والأسرة الدولية التي تشدد ضغوطها على إسرائيل. تلك التوصيفات الغامضة تعزز الاشتباه في أن أصحاب القرار يدرسون بجدية إمكانية إقامة نظام في غزة يقوم على أساس العشائر التي تعتبر ظاهراً القوة الأكثر تأثيراً اليوم في المجتمع الفلسطيني. فضلاً عن عدم تعلم دروس مريرة في الماضي، وعلى رأسها “روابط القرى” التي انهارت قبل نحو 40 سنة، يبدو أن الفكرة هنا لا تنطوي على مراعاة للتغييرات التي طرأت على المجتمع الفلسطيني، وعلى رأسها نمو طبقة وسطى وجيل شاب يصعب عليهم رؤية المخاتير والشيوخ زعماء جذابين.

إضافة إلى ذلك، الأمر سيلزم إسرائيل بالتعاطي مع عشرات العناوين التي قد تصبح ميليشيات مسلحة حسب النموذج الصومالي أو الليبي، وبذلك تمنع قيام نظام جديد ومستقر في غزة.

أي نظام متناثر وغامض سيصعّب تحقيق هدف آخر يذكر في الوثيقة: نزع تطرف الساحة الفلسطينية. يدور الحديث عن هدف طموح فشل تحقيقه في الشرق الأوسط، بخاصة التجربة الأمريكية في العراق. لذا، ينبغي أن يتخذ حولها موقف متواضع ونهج واع. لا يمكن أن تنفذ إسرائيل بنفسها، ويجب على الفلسطينيين أن يحققوها، الأمر الذي يتطلب عنواناً واحداً يؤدي مهامه مرة أخرى.

وثيقة المبادئ الإسرائيلية إذن يصعب عليها أن تشكل أساساً لخطة عمل قابلة للتنفيذ. سيكون ممكناً الانشغال بجدية في اليوم التالي بعد تصفية قدرات حماس العسكرية والسلطوية في غزة، الهدف الذي يتطلب على ما يبدو سيطرة على كل المنطقة، ويبدو أن استراتيجية المرحلة الثالثة يصعب تنفيذها. بالتوازي مع هذا الفهم الواعي، مطلوب التخلي عن الأوهام حول محافل محلية مميزة أو قوى خارجية مفاجئة تقوم بعمل اللازم في غزة بدلاً من إسرائيل.

من بين عموم البدائل السيئة التي تقف أمامها إسرائيل حول “اليوم التالي” في غزة، عليها أن تختار الأقل سوءاً. وهذا، كما يبدو، ينطوي على إقامة إدارة محلية على أساس قوى لا تتماثل مع حماس وعلى رأسها فتح، الحزب الحاكم في السلطة، الأمر الذي يستوجب علاقة بالحكم في رام الله. لا يدور الحديث عن صيغة سحرية ستحل مشاكل إسرائيل وواضح أنها لن تتحقق بسرعة، لكن هذه هي الإمكانية ذات الاحتمالية الأعلى لتوفير استقرار نسبي في غزة، لذا من الضروري دراستها بجدية.

 

ميخائيل ميلشتاين

 يديعوت أحرونوت 25/2/2024








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي