فيلم كوري ينافس الخيال العلمي لهوليوود ببراعة.

"كنّاسو الفضاء".. ديستوبيا غرائبية تضرب الأرض في العام 2029

2021-03-10

الفضاء يستحيل ملكا للكوريينطاهر علوان*

ها هي الأرض وقد أصبحت مرة أخرى غير صالحة للسكن، تلوّثت كثيرا وضربها الاحتباس الحراري حتى تشبّعت بالغازات السامة في ديستوبيا غرائبية جديدة تقودنا إلى المستقبل، وتحديدا إلى العام 2092، حيث تقع الديستوبيا الأرضية بكل أبعادها، ولا يكون أمام سكان الكوكب الأزرق الذين لا يستطيعون الاستغناء عن ارتداء أقنعة عازلة تمنع استنشاق المواد الكيمياوية، إلاّ أن يغادروا الأرض بحثا عن موطن نظيف بديل.

في المريخ وفي مجرات أخرى سوف يؤسّس سوليفان (الممثل ريتشارد أرميتاج) كوكبا للهاربين من الأرض المسمومة، لكنها مستوطنات فائقة التطوّر ولا يسمح فيها بالسكن إلاّ للأثرياء والشخصيات الرفيعة، وأما البقية الباقية من سكان الأرض فسوف يكون الموت المؤكّد في انتظارهم.

على الجهة الأخرى تقوم شركات سوليفان والعاملون معه بترك كميات ضخمة جدا من الحطام والمخلفات الشديدة الخطورة من بقايا المركبات الفضائية ووسائل النقل التي انتهت صلاحيتها، ممّا يتسبّب في كارثة أخرى تلاحق الناجين من الأرض الملوّثة، ولهذا يتولّى فريق من المغامرين الشباب مهمة بالغة الخطورة، وهي تنظيف المجرّة وما جاورها من مستوطنات من تلك البقايا في مقابل مبالغ بخسة في نوع من العبودية المستهجنة.

تقدّم السينما الكورية من خلال هذا المدخل نخبة من ممثليها البارعين ليقوموا بدور أولئك الكنّاسين أو المنظّفين المهرة، لكنهم سرعان ما سوف يتحوّلون إلى ند وخصم لسوليفان وأذرعه من الحراس الروبوتيين.

وخلال ذلك لا يكتفي فيلم “كنّاسو الفضاء” الذي أخرجه سوغ هي جو، بأجواء المغامرات والقتال والانتقام والعنف، بل إنه يمضي باتجاه توفير متعة إضافية للمشاهد بكسر جمود الصراعات والترقّب والمغامرات من خلال استخدام المشاهد الكوميدية بين حين وآخر.

على أن سوليفان المتجبّر الذي يفرض إرادته وقراراته على الجميع يتمادى في تمجيد نفسه بوصفه منقذا للأرض والبشرية، ولهذا يجد في تعنّت المجموعة الكورية سببا إضافيا للتآمر عليها بعد أن تستعر في داخله نزعة الثأر، ولهذا يستخدم حراسه الروبوتيين للانتقام من قسم كبير من سكان الأرض الناجين، مرتكبا مجزرة عظيمة وليلقي باللائمة على مجموعة الثعالب السوداء، وهي مجموعة ليست من الكوريين بل هم مناوئون لنظام العبودية الذي سنّه سوليفان، ولهذا ظلوا يقاومونه بشدة، ومن هناك بات سوليفان يتّهم كل من ينتقده أو يكشف مخططّاته على أنه إرهابي وعضو في تنظيم الثعالب السوداء.

من جهة أخرى ولإضفاء المزيد من المغامرات ولتعقيد خطوط السرد وتصاعد نزعة الانتقام، نكتشف أن فتاة صغيرة صارت هدفا إضافيا يطارده سوليفان، فهي قد ولدت بعيب خلقي ممّا دفع والدها إلى حقنها بجزيئات النانو الروبوتية التي سرعان ما بدأت تتفاعل مع بعضها وتحاكي بعضها البعض، حتى صارت الطفلة معجزة بحق، وبسبب تأثيرها المباشر على ما حولها تصبح سببا في انتعاش كوكب افتراضي يسيطر عليه سوليفان، وتصبح تلك الطفلة هدفا من أهدافه ولا بد من العثور عليها.

أسلوب البحث والتخفي يسود لمساحة لا يستهان بها من الفيلم، حيث يتم إخفاء الطفلة خوفا من أن ينال منها سوليفان، وليتصاعد الأمر بحضور والد الطفلة واجتماعهم في مركبة فضائية تصبح هدفا رئيسيا لسوليفان، بعدما يمعن قتلا بكل خصومه دون أن ينجح في الوصول إلى المجموعة الكورية التي يتّهمها بأنها جماعة إرهابية في امتداد لمجموعة الثعالب السوداء.

ويمضي القتال سجالا بين الجانبين من دون نتيجة حاسمة مع افتضاح خطة سوليفان في استخدام القدرة الخارقة للطفلة من أجل إنتاج قنبلة هيدروجينية تضرب الأرض، لكي يتخلّص من عدة مليارات منهم، فلا ينجو إلاّ الأغنياء والصفوة الذين يريدهم من حوله.

والحاصل أن الفيلم يقدّم صراع فرض إرادة سوليفان على العالم، وهو الذي يطغى على الأحداث، فيما لا تكاد تنقطع الاشتباكات مع الجنود الروبوتيين الذين يقتلون بلا أدنى تردّد ما تمّت برمجتهم لقتله.

مشاهد القتال والحركة تشكل ثقلا في هذا الفيلم من خلال تقديمه ما يشبه ألعاب الفيديو بكثافة، بل يمكن القول إن الفيلم على امتداده الزمني ما هو إلاّ سلسلة من المواجهات والحركة والصراع والقتال، وتم خلال ذلك استخدام الروبوت والخدع البصرية بكثافة شديدة وتم بناء مشاهد الحركة والقتال ببراعة ملفتة بما يقدّم التجربة الكورية في شكل مختلف وجدير بالمشاهدة.

ومن الواضح أن جهدا كبيرا تم بذله من أجل أن يحمل هذا الفيلم عناصر الإقناع للمشاهدين بنوع جديد من دراما المغامرة والفضاء وبأسلوب يحاكي النوع الأميركي من هذه الأفلام، ولكن ببصمة أخرى آسيوية مختلفة، فهنا ليس الأميركان رواد الفضاء بل هم الآسيويون، وتحديدا الكوريين الذين يقدّمون أيضا نماذج ذات قدرة خارقة، بل إن الطفلة لوحدها تشكّل علامة فارقة في هذه الدراما الفيلمية.

 

*كاتب عراقي مقيم في لندن








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي