المؤامرة على مصر مرة أخرى
2022-09-01
محمد أبو الفضل
محمد أبو الفضل

يتحدث مسؤولون في مصر ومعهم بعض مقدّمي البرامج وكتّاب في الصحف عن وجود مؤامرة لاستهداف الدولة من بوابة الأزمة الاقتصادية حاليا، وراجت مع ما حصلت عليه من إشارات رسمية تمنحها قدرا كبيرا من الأهمية.

أطلق رئيس الحكومة مصطفى مدبولي من خلال كلامه عن رصد 150 مقالا في صحف ومواقع عالمية مدفوعة الثمن العنان لتدشين فصل جديد من مسلسل المؤامرة الخارجية بعد أن توقّفت غالبية القضايا التي طرحتها وسائل إعلام أجنبية عند الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، وجاء معظم تقديراتها تشاؤميا للغاية.

لا أحد في مصر ينكر وجود أزمة اقتصادية حادة، لكن المؤيدين للنظام يرجعونها إلى أنها جزء من أزمة تمرّ بها دول عدة في العالم، ما ينفي صفة التقاعس ووضع الحمل كله على عاتق الحكومة وحدها، بينما يضع المعارضون المسؤولية كاملة على خطأ السياسات التي تنتهجها الحكومة وسوء التقديرات في أولويات المشروعات، والتأثيرات الخارجية كان يمكن الحد منها بقدر من الرشاد في التوجهات الاقتصادية العامة.

يستسهل مسؤولون الحديث عن المؤامرة ومخاطرها، وتجد فيها وسائل الإعلام أداة جيدة لرمي الكرة في ملعب آخرين مجهولين، لأن العزف عليها لم يصطحب تفنيدا رقميا لها وتحديد الجهات التي تقف خلفها والأهداف التي يريد من يقفون خلفها تحقيقها، كما غلب على الحديث صيغة العمومية في توجيه اتهامات إلى “اللاأحد” إن جاز التعبير، كأن استدعاء نظرية المؤامرة عادة نوع من الراحة النفسية والسياسية.

ليس بالضرورة أن تكون المؤامرة الخارجية كلها شرورا، فإذا أرادت الحكومة تجاوز المعاني السلبية فيها
وانتبهت إلى ما تحويه من مضامين اقتصادية وقامت بمراجعتها قد تتمكن من تصحيح الأخطاء قبل فوات الأوان

عندما طفا على السطح سيناريو المؤامرة خلال حكم الإخوان عام 2013 وعقب سقوطه بعد عام واحد فقط كان منطقيا واعتمد على قاعدة سياسية وأمنية صلبة، ولمس مصريون كثيرون أطراف المسألة في ممارسات الإخوان.

وعندما اشتد طوفان الاستهداف المسلح في سيناء تيقن المواطنون أن ثمة تهديدا حتى تمكنت أجهزة الدولة القوية من إجهاض المخططات السياسية والأمنية للجماعة، وجرى تفويت الفرصة على التلاعب بالاقتصاد والمجتمع ونزع الكثير من الأشواك الإخوانية.

لا أستطيع أنا أو غيري النفي القطعي للمؤامرة، لكن تكرارها في الاقتصاد هذه المرة لن يؤدي لحل المشكلات المتراكمة، باعتبار أن الجهة المتآمرة سوف تواصل دورها، والركون إلى تبرير الأزمة الاقتصادية بهذه النظرية ينطوي على تشكيك في قدرة أجهزة الدولة على مواجهتها، وشهادة إخفاق للإعلام لعدم كشفه أبعادها مبكرا.

إذا تمكن أصحاب المؤامرة من تحقيق غرضهم ولو من خلال شغل المسؤولين والإعلام بها فهذا مؤشر يوحي بضعف المؤسسات الرسمية التي تركت لقوى خارجية أو داخلية تنسج خططها بصرامة وتنفذ ما يعوق الدولة على استكمال مشروعاتها، وتحريض الرأي العام ضد حكومة قال وزير المالية فيها (محمد معيط) أخيرا أن الدولة لم تتقاعس عن دفع القروض وفوائد البنوك، بالتالي أين تكمن المؤامرة؟

يصعب أن تنجح المؤامرة الاقتصادية وهناك حكومة واثقة في خططها التي تتبناها، ومن المستحيل أن يتأثر النظام الحاكم بها طالما خلفه طابور طويل من المؤيدين والمقتنعين بسياساته، لذلك تأتي المشكلة المركزية هنا من التذبذب الحاصل في بعض التصرفات وما يمكن وصفه بـ”اللايقين” الظاهر في بعض الإجراءات الاقتصادية التي تتأثر بما يحيطها من لغط يشير إلى وجود أخطاء يجب وقفها فورا.

يتوقف نجاح كل مؤامرة على قوة العصب الداخلي الذي تستند عليه، وكان هذا العصب متماسكا في الناحيتين السياسية والأمنية، فلم تهتز أو تترنح أجهزة الدولة، ووجد النظام الحاكم من يصطفّون خلفه، في حين أن الحالة الاقتصادية الراهنة ظهرت عليها ملامح مرض يتطلب علاجه قدرة على صياغة منظومة علمية وخططية محكمة لا تصلح معها عواطف أو عناد، ولا تكاتف أعمى أو تجييشا وطنيا مغرضا، ولن ينفع في دحضها أو التخلص منها خطاب تقليدي يستند إلى التشنج بدلا من الحكمة.

يتوقف نجاح كل مؤامرة على قوة العصب الداخلي الذي تستند عليه، وكان هذا العصب متماسكا
في الناحيتين السياسية والأمنية، فلم تهتز أو تترنح أجهزة الدولة

خسرت الحكومة المصرية مرتين عندما ارتاحت إلى خطاب المؤامرة الاقتصادية ورددت مفردات منه. مرة لأنها لن تستطيع التفكير خارج الصندوق للتعامل مع أزمة باتت أشبه بمتلازمة في عقل شريحة كبيرة من المواطنين يعانون من غلاء الأسعار والخدمات. ومرة لأنها تؤكد عدم الوثوق في نتائج الطريق الذي تمضي فيه والخاص بالعديد من المشروعات القومية التي تشيّدها، ما يسهّل المجال للمتآمرين الحقيقيين والمفترضين للاستمرار في توظيف الأزمة الاقتصادية.

ما يمنح حديث المؤامرة جاذبية في مصر أن الحكومة لم تستطع استيعاب أن هناك تغيرات جوهرية طرأت على آليات التعامل الاقتصادي في العالم مع التحديات التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية وتوابعها من سياسات غربية وأخرى مضادة من قبل روسيا أضفت قدرا أعلى من الضوابط وتفضيل منهج الاستثمار على المنح والمساعدات والقروض التي لم تثبت فعالية جيدة في النموذج المصري، حيث تقدم المعونات عموما مقابل الحصول على منافع متباينة.

حققت القاهرة ما أرادته سياسيا وأمنيا الفترة الماضية، غير أن التحدي أمامها يأتي من البعد الاقتصادي الذي لا يحتاج إلى نسج مؤامرة، لأنه يعتمد على حسابات دقيقة للمكاسب والخسائر وأرقام محددة لضخ الأموال الساخنة والباردة أو سحبها، وكلما كانت البنية ضعيفة تعرضت الدولة للتآكل الاقتصادي والاستنزاف وربما إلى ضغوط مكلفة.

يختلف السياق العام للمؤامرة هذه المرة عما سبقه، إذ يحتاج ممن لجأوا إليه للمزيد من الجهود لتكذيب الخطاب المضاد، فالكثير من المقالات التي انتقدت الأداء الاقتصادي في مصر كانت لها مردودات بالداخل في مواقف مهمة مرت بها البلاد قبل أيام، ما يقلل من جدوى المؤامرة التي تعتمد على اختلاق الأزمات والتضخيم من المشكلات.

تتعلق المواقف بإقالة أو استقالة ثلاثة من الرموز المهمة في المجال الاقتصادي ولها علاقة به بدرجات متفاوتة، وهم رؤساء: البنك المركزي، والعاصمة الإدارية الجديدة، وهيئة الرقابة الإدارية، ما يعني أن الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أعفى هؤلاء اقتنع بالانتقادات التي نالت من السياسات الاقتصادية وانصبّ جزء كبير منها على بعض التحفظات على تصرفات رؤساء الجهات الثلاث.

ليس بالضرورة أن تكون المؤامرة الخارجية كلها شرورا، فإذا أرادت الحكومة تجاوز المعاني السلبية فيها وانتبهت إلى ما تحويه من مضامين اقتصادية وقامت بمراجعتها قد تتمكن من تصحيح الأخطاء قبل فوات الأوان، لأن القاهرة لا ترهن اقتصادها أو تسليحها بدولة أو جهة واحدة ومن الصعوبة أن يتكاتف الشرق والغرب على الإضرار بها، فالضرر يقع عندما تكون السياسات خاطئة وليس أن المؤامرة محكمة.


*كاتب مصري - العرب
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • التنمية قبل السياسة في مصر
  • إخفاقات تقاسم السلطة العربية.. عرض مستمر
  • محاذير عربية حول المصالحات الإقليمية






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي