إزاء قطاع غزة… كيف يمكن قراءة زيارة أردوغان لمصر ومصالحته مع السيسي؟  
2024-02-16
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

المصافحة الدافئة والسجاد الأحمر في مطار القاهرة والابتسام والتهنئات التي تبادلها أمس الرئيس التركي مع الرئيس المصري في مطار القاهرة، استكملت حملة المصالحة بين الدولتين، اللتين كانتا عدوين لدودين مدة عشر سنوات. بالنسبة لأردوغان الذي أعلن بأنه سيكون على رأس أجندة لقاءاته مع السيسي بشأن الوضع في قطاع غزة. ستكون الزيارة دخولاً علنياً ومؤثراً إلى مجال السياسة الذي أبعد عنه لسنين، سواء من قبل مصر أو إسرائيل.

في الحقيقة، بصورة غير مخطط لها، جاءت زيارة أردوغان بعد يوم واحد على اللقاء بين إسرائيل وقطر ومصر والولايات المتحدة، الذي انتهى بدون نتائج حقيقية. من غير الواضح ماذا سيكون مستقبل هذا اللقاء، لكن هناك شكاً إذا كان اردوغان سيتمكن من الإسهام بشيء حول النشاطات الدبلوماسية التي تستهدف التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المخطوفين وتحقيق وقف لإطلاق النار. تصريحياً، أمس على الأقل، يمكن لأردوغان أن يطرح نفسه كشريك، لكنها شراكة وهمية.

ليس للرئيس المصري الآن أي نية لضم تركيا كشريكة ناجعة في المفاوضات السياسية. فهو نفسه يتنافس مع قطر على احتكار إدارة الاتفاق مع حماس، في حين أنه يحارب ضد ما يعتبر -حسب رأيه- تهديد غزة على الأمن الوطني في مصر، الذي قد يتحقق عندما يبدأ التدفق الكبير لأكثر من مليون غزي نحو شبه جزيرة سيناء، إذا بدأت العملية العسكرية الواسعة في رفح، وضمن ذلك سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا.

إذا كانت المشكلة بالنسبة لأردوغان (المشكلة الفلسطينية) أيديولوجية وقيماً وأخلاقاً، التي يعتبر نفسه من خلالها “داعم المضطهدين” ويعمل ما هو مطلوب من زعيم مسلم، فالحديث عند السيسي يدور عن تهديد ملموس، وحسب رأيه، هي تهديد وجودي، والحديث يدور أيضاً عن مسألة سياسية تحدد مكانته كزعيم إقليمي، ومن هنا كزعيم دولي.

لذا، في الوقت الذي سيسمح فيه أردوغان لنفسه بتحرير لسانه وشتم إسرائيل ومقارنة نتنياهو مع هتلر وإعادة السفير التركي من إسرائيل إلى أنقرة، يتبع السيسي خطاباً دبلوماسياً متصلباً وتحذيرياً إلى درجة أنه يهدد مستقبل العلاقات بين الدولتين، لكن مع إدراك لأهمية العلاقات والتعاون بين مصر وإسرائيل. تم التعبير عن هذا الفرق أيضاً بالصورة التي يناور فيها السيسي بين الإملاءات الإسرائيلية التي تحدد نوع المساعدات الإنسانية التي سيتم إدخالها إلى القطاع وشروط ذلك، بل ولذلك أخّر إقامة مستشفى ميداني تركي في غزة، وبين طلب أعدائه وطلب الشعب المصري بفتح معبر رفح على مصراعيه.

“المشكلة الفلسطينية” التي تسببت بالقطيعة بين إسرائيل وتركيا في العام 2010 عندما انطلقت القافلة التركية في محاولة لفك الحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع، والتي عززت التعاون العسكري والسياسي بين إسرائيل ومصر، هذا إلى درجة الاعتماد المتبادل في الجهود لاحتواء وتحديد مجال التأثير الإقليمي للنضال الفلسطيني، لا سيما نضال حماس والجهاد الإسلامي. في المقابل، الرعاية واللجوء الذي أعطته تركيا لعدد من قادة حماس والسماح بإدارة أعمالها على أراضيها وإعطاء الجنسية أو مكانة مقيم لأعضاء في حماس، كل ذلك لم يضع تركيا وبحق في المكانة التي تحتلها مثلاً قطر أو إيران، ولم تضمها إلى دائرة المؤثرين الأوائل على حماس.

استئناف العلاقات بين تركيا ومصر وتعيين السفراء في صيف 2023 وزيارة أردوغان التاريخية أمس للقاهرة، لن تزيل العقبات التي تراكمت خلال عقد وخلقت القطيعة العميقة بين أردوغان والسيسي. فالأزمة بينهما بدأت عندما تولى السيسي الحكم في تموز 2013، وعزل وحبس محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين، الذي انتخب ديمقراطياً بعد عقود جراء ثورة الربيع العربي.

ورأى أردوغان في انتخاب مرسي أنه سيشكل بداية عهد جديد في العلاقات بين تركيا ومصر، التي عانت من برود كبير منذ عهد حسني مبارك. أيديولوجياً، اعتبر فوز الإخوان المسلمين في مصر (وفي تونس) دليلاً على التغيير الذي قد يحدث في الشرق الأوسط، التغيير الذي بدأ في الثورة الإسلامية في إيران في 1979، والذي بعد 23 سنة منح الحكم لحزب أردوغان، حزب “العدالة والتنمية” المتدين، رغم الفرق بين الإسلام في إيران والإسلام في تركيا، وحتى بين إسلام الإخوان المسلمين.

عملياً، أردوغان اعتبر نظام الإخوان المسلمين خشبة القفز لدخول تركيا إلى الشرق الأوسط العربي، الذي حتى قبل بضع سنوات اعتبر تركيا جهة معادية، إلى درجة أن سفير الإمارات في واشنطن اعتبرها “عدوة أكثر خطراً من إيران”، ورأس الجسر لإفريقيا. على خلفية ذلك، كان تولي السيسي للحكم ضربة ثلاثية، أيديولوجياً وسياسياً واقتصادياً.

كانت النتيجة فورية وسيئة. تصريحات أردوغان تجاه السيسي تنافست مع التصريحات التي وجهها لنتنياهو، وحتى أنه أعلن وتعهد في 2014 بأنه لن يصافح السيسي يوماً ما. ولكن الظروف الجيوسياسية تغيرت. الضغط الاقتصادي تغلب على الاعتبارات الأيديولوجية، وتركيا تصالحت مع السعودية والإمارات، وسلمت بإسرائيل، وفي نهاية المطاف أيضاً مع مصر التي كانت آخر من استأنف العلاقات معها.

الشك المتبادل بين تركيا ومصر لم يتبدد، لكن الدولتين تريان أن الفرص الاقتصادية كبيرة. حجم التجارة بين الدولتين وصل في السنة الماضية إلى 8 مليار دولار، منها 4 مليارات تصدير مصري إلى تركيا، التي أصبحت الزبونة الأكبر للغاز المصري. أكثر من 30 شركة كبيرة في تركيا تعمل وتستثمر في مصر وتشغل حوالي 70 ألف عامل مصري.

السياحة بين الدولتين مزدهرة، وحتى إن السياحة التركية بدأت تحل من حيث حجمها محل السياحة الروسية التي أنعشت هذا الفرع في مصر. هذا الأسبوع نشر أيضاً بأن مصر ستشتري مسيرات قتالية من تركيا – تركيا تحظى بشروط استثمار مريحة جداً في مصر وتستفيد من قوة العمل الرخيصة، حيث إن أجرة العامل في مصر ثلث أجرة العامل التركي.

استئناف العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر يضم تركيا إلى دائرة الدول الإسلامية التي تعتبر مؤيدة للولايات المتحدة، دون أن تمس مكانتها هذه علاقاتها مع روسيا أو مع إيران. خلافاً لمصر، فإن النفوذ السياسي التركي يمتد إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط، بين روسيا وإيران والعراق وبين الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي.

الشرخ مع الإدارة الأمريكية ودول الناتو، الذي نشأ عندما اشترت تركيا منظومة صواريخ “إس 400” من روسيا، آخذ في الالتئام، بعد أن صادقت تركيا في نهاية حملة صعبة على انضمام السويد لحلف الناتو، في المقابل، صادقت الإدارة الأمريكية والكونغرس على صفقة بيع 80 طائرة اف16 جديدة ومنظومات تطوير بمبلغ 23 مليار دولار لتركيا.

في الوقت نفسه، ما زالت تركيا تمتنع عن تبني العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، وفي موازاة ذلك تزود أوكرانيا بمسيرات من إنتاجها، التي غيرت وجه الساحة. مع ذلك، هذا الوضع الاستراتيجي المقدر لا يعطي أنقرة في الوضع الحالي موطئ قدم حقيقياً في المعركة المشتعلة في الشرق الأوسط الآن، والتي تؤجج احتمالية اندلاع حرب إقليمية.

 

 تسفي برئيل

 هآرتس 15/2/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون اجتياح رفح سبباً في نشوب حرب بين حزب الله وإسرائيل؟  
  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي