ترمب مخطئ جدا بشأن "الناتو" ومصير الغرب شائك في حال فوزه  
2024-02-17
شون أوغرايدي
شون أوغرايدي

 

من الصعب تحديد نقطة البداية عند الحديث عن دونالد ترمب، فقد كشفت لنا التجارب عن أنه شخصية تنطوي على خطورة بالغة، وتشكل تهديداً جلياً ومباشراً لأمن الولايات المتحدة وللحلف الغربي بأسره.

ربما يكون من المناسب البدء بتسليط الضوء على عدم إدراكه أو تقديره لمفهوم الأمن الجماعي، إذ يعامل ترمب حلفاء "الناتو" بأسلوب يشبه تعامله مع المستأجرين "المتخلفين عن الدفع" في أبراجه العقارية، مهدداً إياهم بالإخلاء "عليكم دفع فواتيركم".

هذه الطريقة بعيدة كل البعد من كيفية التعامل مع الأصدقاء الأوفياء، أولئك الذين تجمعنا بهم قيم ومصالح مشتركة، وتوحدنا معهم الجبهات ضد أعداء مشتركين، وشاركنا معهم القتال وامتزجت دماؤنا على عديد من الجبهات.

ويزيد من حدة الوضع، إشارته غير المباشرة لفلاديمير بوتين بأن الطريق مفتوح أمامه على الجانب الآخر من الأطلسي، وهو ما ينعكس سلباً على السلام والازدهار الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة. وشهدنا بالفعل الضرر الكبير الذي لحق بالثقة والأمن، ولا سيما في أوكرانيا.

ونعلم أن ترمب لن يرف له جفن حال فاوض للتخلي عن نصف أوكرانيا لإنهاء الحرب "في يوم"، كما يتفاخر. وبالتالي فإن بوتين يتربص بالفرصة، في انتظار عودته للبيت الأبيض ليخدعه بصفقة "سلام" مزعومة.

لقد أبدى الجمهوريون في مجلس الشيوخ بالفعل تأهبهم لقطع الدعم العسكري والمساعدات لأوكرانيا، معبرين عن استيائهم من إنفاق الأموال، وهو ما يتفق مع موقف ترمب نفسه. وبمجرد استيلاء بوتين على شرق أوكرانيا، لن يتوانى عن التوسع أكثر، ولن يكترث ترمب لمدى طموحات فلاديمير الاستعمارية.

بكل تأكيد، لا تنضوي أوكرانيا تحت لواء حلف "الناتو"، لكن ما الفارق ما دام الناتو لم يعد يمثل أولوية للولايات المتحدة؟ دعونا نواجه الحقيقة: هل يظن أحدهم حقاً أن ترمب سيرصد مليارات الدولارات ويخاطر بآلاف الأرواح الأميركية لخوض معركة ضد روسيا دفاعاً عن لاتفيا وألبانيا وبولندا ورومانيا، أو حتى ألمانيا وفرنسا؟

من المستبعد أن يتمكن من تحديد مواقعها على خريطة العالم. وعلى البريطانيين ألا يغتروا بفكرة أنه سيجود بكنوز وأرواح أميركية لوقف مساعي بوتين نحو فرض وصاية روسية على المملكة المتحدة عبر "معاهدة صداقة" مفروضة.

قد لا تحدث هذه التطورات بسرعة، ولكن من الممكن أن تظهر أوروبا عام 2034 بملامح مختلفة تماماً، نظراً إلى أن ترمب يميل بفطرته إلى تملق روسيا ولا يكترث بمصير الأوروبيين، كما تجلى ذلك في خطابه المتهكم ومواقفه خلال فترة وجوده بالبيت الأبيض.

وهذا الموقف كان متكرراً أثناء مشاركته بقمم "الناتو" خلال فترة رئاسته التي شهدت كثيراً من الأزمات، ولم يغير من نهجه. الانسحاب من "الناتو" كان ليحصل بالروح المتهورة نفسها التي تخلى بها عن اتفاق باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية، واتفاق الشراكة عبر الهادئ ومنطقة التجارة الأميركية الشمالية. الالتزامات الدولية ليست من اهتماماته.

نحن في أوروبا نحتفظ بذاكرة أقوى لدروس المراضاة. كدنا نقع تحت هيمنة النازيين والسوفيات في آخر مواجهة عالمية، والسبب الرئيس لنجاتنا كان هو تخلي أميركا عن سياسة العزلة لتنقذ مبادئ الحرية.

في وقت الذي كانت فيه الحمائية تشوه ملامح السياسة الأميركية خلال العقود الأولى من القرن الـ20، يبدو أن عقيدة العزلة تعود لتطل برأسها مجدداً، معيدة للأذهان سيناريوهات التخلي عن مبادئ التجارة الحرة. إنها لحظات تبعث على الإحباط العميق.

قد يغيب عن ذاكرة ترمب، ابن نيويورك العظيم، أن حلفاء "الناتو" لم يترددوا لحظة في الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة عقب هجمات الـ11 من سبتمبر المروعة. ذلك اليوم الأليم يظل المناسبة الوحيدة في تاريخ "الناتو" الذي يمتد لـ75 عاماً، التي استدعت تفعيل البند الخامس من ميثاق الأطلسي.

هذه المادة، التي تجسد مبدأ "الكل من أجل واحد، وواحد من أجل الكل"، تقر بأن الاعتداء على أية دولة عضو، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، يعتبر اعتداء على جميع الدول الأعضاء الـ31. وقدم "الناتو" الدعم والمساندة لحرب جورج دبليو بوش على الإرهاب وللتدخل العسكري في أفغانستان عام 2001، ولم تكن الخسائر البشرية مقتصرة على الجنود الأميركيين فحسب.

على ترمب أن يسأل نفسه إن كان من مصلحة الولايات المتحدة أن تجد أوروبا كلها أو جزءاً منها تحت سيطرة روسيا الصاعدة، وإلى جانبها الصين وإيران في تحالف يشكل محور الشر. جميع أسلاف ترمب كانوا يرون أن هيمنة روسيا على أوروبا فكرة سيئة بطبيعتها، لأنه كان من الطيش ترك الاتحاد السوفياتي القديم يسيطر على القوة العسكرية والصناعية.

لقد قاومت الولايات المتحدة احتلال روسيا لأوروبا الشرقية، وإن كان ذلك ضمن سياسة انفراج العلاقات وجهود رمزية استمرت لسنوات طويلة. إلا أن رونالد ريغان هو من خاض وانتصر في المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة - وإن كان ذلك بكلفة باهظة وغير متناسبة على كاهل دافعي الضرائب الأميركية، لكنها كانت تمثل جزءاً كبيراً من جعل أميركا عظيمة من جديد.

وفي وقت سابق، عندما كان الأوروبيون يتعافون من الحرب العالمية الثانية، لم تتحمل أميركا الجزء الأكبر من الجهود الدفاعية فحسب، بل أرسلت كميات هائلة من المساعدات ضمن خطة مارشال الاقتصادية إلى دول كانت بعضها في حال حرب معها قبل أشهر فقط.

من الواضح، وبشكل محرج، أن ترامب على حق، إذ إن أوروبا أصبحت أكثر ثراء الآن، وأن كثيراً من أعضاء "الناتو" لا يرقون إلى مستوى الالتزام المشترك بإنفاق اثنين في المئة من الدخل القومي على الدفاع - أي حوالى نصف ما كان ينفق خلال الحرب الباردة.

لكن هذه الالتزامات ليست ديوناً مستحقة للولايات المتحدة، ستعاقب عليها بالانسحاب من جانب واحد من الالتزام بالأمن الجماعي بل هي التزامات معاهدة متبادلة يجب الوفاء بها دبلوماسياً. هي ديون نتقاسمها معاً، وليست مستحقة لأميركا وحدها.

وعلى أية حال، لا يعد ترمب صديقاً لبريطانيا أو لأوروبا بشكل عام. لأسباب تظل غامضة إلى حد ما، يبدو أنه يميل أكثر نحو بوتين وكيم جونغ أون على حساب حلفاء أميركا في الناتو.

بالنسبة إلينا، القابعين على الجانب الآخر من الأطلسي، يثير قوله لبوتين بأن يفعل ما يشاء بأوروبا قلقاً بالغاً، لأن النتيجة النهاية لذلك ستكون مواجهة وارسو أو باريس من بوتين نفس ما شهدته خاركيف وكييف.

والآن، بعد أن تلقى تاكر كارلسون، المرشح المحتمل لمنصب نائب الرئيس مع ترمب، درساً لمدة ساعتين حول الرواية الروسية للتاريخ على يد بوتين، يبدو أن التوجه الأميركي نحو العزلة يتبلور بشكل متزايد. لعل الذاكرة تعود بنا إلى قمة هلسنكي، حيث فضل ترمب، الرئيس آنذاك، تصديق بوتين، وهو مجرم حرب، على حساب الأجهزة الأمنية الأميركية.

إذا ما عاد ترمب للحكم، فإننا على موعد مع الخذلان. يقتضي الأمر أن تجد أوروبا، التي ينبغي أن تشمل بريطانيا في هذا السياق، سبيلاً للصمود بمفردها. ولكن، إذا كان التاريخ يعلمنا درساً، فهو يشير إلى أن هذا التوجه محكوم عليه بالفشل نظراً إلى الانقسامات والجدالات الراسخة بين دول أوروبا.

وتبدو دول مثل هنغاريا وسلوفاكيا، بشكل غير متوقع، راغبة في توطيد علاقاتها مع روسيا، على رغم استفادتها من عضوية كل من الاتحاد الأوروبي و"الناتو" - وهو موقف غير مستدام. فلا يمكن لهذه الدول أن تكون جزءاً من المداولات الاستراتيجية والحساسة للغرب وفي الوقت نفسه تحافظ على علاقات حسنة مع الكرملين.

وفي بريطانيا، يقدم اليمين المتشدد نفسه كأداة طيعة في يد ترمب وبوتين. ربما يرون أن روسيا قد تتركنا وشأننا إذا سمحنا لها بالسيطرة على بولندا أو حتى القارة الأوروبية بأكملها. هذا النوع من التقديرات الساذجة سبق وأن جرنا إلى المتاعب وكاد أن يكلفنا استقلالنا.

بكل تأكيد، رئاسة ترمب تمثل السيناريو الأسوأ بالنسبة إلى بريطانيا، والدعاية النشطة من نايجل فاراج لصالحها لا تعدو كونها دليلاً قاطعاً على مدى الضرر المتوقع.

وفي الواقع، بينما نتجه نحو الحرب الباردة الجديدة هذه، فإن أوروبا بحاجة إلى أميركا أكثر من حاجة أميركا لنا. ولكن، في مواجهة تحالف روسي - صيني الحديث والقوي، تصبح الحاجة ملحة إلى توحيد جهودنا أكثر من أي وقت مضى. فالانقسام يؤدي إلى هلاكنا.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • محكمة كولورادو تمنح ترمب ما يريده تحديدا  
  • بريطانيا قد تعود إلى الحضن الأوروبي بصيغة فرنسية  
  • "الاحتكام إلى تويتر" لمحاكمة الضالعين في فضيحة "بي بي سي" جائر






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي