دراسة: تغيرات التيار القطبي النفاث تعني مزيدا من الطقس المتطرف بحلول عام 2060

2021-10-12

ليلى علي: التيار القطبي النفاث (polar jet steam) هو تيار هواء عالي السرعة يرتبط بالنصف الشمالي من الكرة الأرضية حيث يدور لمسافة تصل إلى حوالي 15 كيلومترا فوق رؤوسنا مثل تاج متعرج أثيري على الكوكب.

هذا الحزام من الرياح القوية يفصل الهواء البارد من القطب الشمالي عن الهواء الدافئ في الجنوب، وهو مسؤول عن نقل الطقس من الغرب إلى الشرق عبر الولايات المتحدة، وفوق المحيط الأطلسي، وإلى أوروبا. متحكما بذلك في مدى رطوبة ودفء هذه المناطق.

لكن وفقا لدراسة حديثة نشرت في "بانس" (PANS)، في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، فإن التيار القطبي النفاث أصبح ينزاح شمالا بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ذلك لأن التوازن الدقيق بين الهواء الدافئ والبارد الذي يحافظ على التيار في مكانه يتعرض للاضطراب.

ووجدت الدراسة أنه إذا استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بلا هوادة، فإن التيار القطبي النفاث سوف يخرج عن نطاقه الطبيعي بحلول عام 2060.

يقول ماثيو عثمان، الباحث في مركز أنظمة المناخ بجامعة أريزونا (the University of Arizona’s Climate Systems Center) والذي شارك في تأليف الدراسة، في تقرير لموقع "بيزنس إنسايدر" (Business Insider)، "ربما تكون بداية هجرة التيار النفاث باتجاه الشمال قد بدأت بالفعل".

ووفقا لعثمان فإن ذلك من شأنه أن يبعث الفوضى في الطقس في نصف الكرة الشمالي، ويجلب المزيد من الأحداث المتطرفة مثل الجفاف وموجات الحرارة إلى جنوب أوروبا وشرق الولايات المتحدة، كما أنه من المتوقع هطول المزيد من الأمطار والفيضانات في الأجزاء الشمالية من أوروبا والدول الإسكندنافية.

تيار نفاث مهاجر

يوجد تيار شمال الأطلسي النفاث ويبقى في مكانه بفضل الاشتباك بين الهواء الدافئ المتجه شمالا من المناطق المدارية والهواء البارد في القطب الشمالي. وبمجرد أن تلتقي هذه الكتل الهوائية، فإنها تتحرك شرقا بسرعة 161 كيلومترا في الساعة، مدفوعة بدوران الأرض.

لكن ارتفاع درجات حرارة الهواء يُفسد هذا التدفق، حيث ترتفع درجة حرارة القطب الشمالي أسرع مرتين في المتوسط من بقية الكوكب، لذلك ينتقل الهواء الدافئ إلى أقصى الشمال قبل أن يجد هواء باردا، مما يؤدي بموقع التيار النفاث إلى الهجرة نحو خطوط العرض الأعلى.

ويشير عثمان إلى أن التيار النفاث متقلب، وأن موقعه يتغير باستمرار مع تذبذب فرق درجة الحرارة الذي يسببه، لكن الدراسة التي قام بها ركزت على المدى الزمني الطويل، حيث فحصت موقع التيار على مدار 1250 عاما الماضية.

من خلال الحفر في عمق الغطاء الجليدي في غرينلاند، أعاد الباحثون بناء الماضي المضطرب للتيار النفاث ووجدوا أن الاضطرابات الناجمة عن المناخ من المحتمل أن تكون لها عواقب وخيمة مرتبطة بالطقس على المجتمعات على جانبي المحيط الأطلسي.

بعد ذلك، وباستخدام النماذج المناخية، قام الفريق بمحاكاة المكان الذي قد يتحرك فيه التيار النفاث خلال العقود الأربعة المقبلة إذا استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمعدلاتها الحالية. وأظهرت النتائج أن الحركة الحالية للتيار تنذر بتجاوز أي شيء سابق، ومن المتوقع أن ينحرف بشكل كبير عن القاعدة، مع عواقب وخيمة محتملة.

يقول عثمان "من خلال دفع التيار النفاث خارج نطاقه الطبيعي الكبير بالفعل، يمكن أن نعرض أنفسنا لمخاطر مناخية متزايدة في المستقبل".

جفاف وفيضانات

تشير دراسة عثمان إلى أن هجرة التيار النفاث ستؤدي على الأرجح إلى ارتفاع درجة حرارة الساحل الشرقي للولايات المتحدة بشكل أسرع مما هو عليه بالفعل. وستشهد كل من أميركا الشمالية وأوروبا المزيد من موجات الجفاف وموجات الحر.

يقول عثمان "ستشعر أوروبا، الواقعة على الطرف السفلي من التيار النفاث، بهذه التأثيرات بشكل أكثر حدة". وعلى وجه الخصوص، يمكن أن تصبح المناطق شبه القاحلة في جنوب أوروبا أكثر جفافا، كما يمكن أن تصبح أجزاء من شمال أوروبا التي لديها بالفعل مناخ أكثر رطوبة واعتدالا، مثل الدول الإسكندنافية، أكثر رطوبة.

وسيؤدي هطول الأمطار الإضافية إلى حدوث المزيد من الفيضانات مثل تلك التي ابتليت بها أوروبا صيف 2021.

الدوامات القطبية الخطيرة

يمكن أن تؤثر التغيرات في التيار النفاث على الدوامات القطبية أيضا، ويعتقد بعض العلماء أن الاحترار سيجعل التيار النفاث أكثر تموجا مما هو عليه بالفعل.

مسار التيار النفاث متعرج وجيبي لأن كل الهواء الدافئ لا يتحرك شمالا بنفس المعدل، ولا ينتقل كل الهواء القطبي جنوبا بشكل موحد، ومن هنا يوجد العديد من الموجات في نطاق التيار النفاث.

لكن دراسة نُشرت الشهر الماضي في مجلة "ساينس" (Science) تشير إلى أن ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي يمكن أن يزيد من كثافة وحجم تلك الانتفاخات المنحرفة.

عندما يذوب هذا الجليد البحري، تنتقل المزيد من الحرارة والرطوبة من سطح الأرض نحو الغلاف الجوي. فيكون ذلك بمثابة صخرة تُلقى في بركة الغلاف الجوي، فتتسبب في خلق تموجات قوية فوق القطب الشمالي تشوه التيار النفاث. هذا يخلق اهتزازات تدفع الهواء البارد بشكل غير عادي نحو خط الاستواء.

وبالتالي، فإن التيار النفاث الأكثر تذبذبا يزيد من فرص حدوث عواصف شتوية شديدة وموجات البرد في الولايات المتحدة.

وتشمل الأمثلة على هذا الطقس الشتوي القاسي، الدوامة القطبية التي ضربت الولايات المتحدة في عام 2019، والعاصفة الشتوية التي تركت ملايين من سكان تكساس دون كهرباء في فبراير/شباط 2021.

يقول عثمان "إذا زاد تموج التيار النفاث في المستقبل، فقد يعني ذلك أن الأحداث المتطرفة مثل الدوامة القطبية يمكن أن تصبح أكثر تكرارا".

المصدر: الجزيرة







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي