التقاء الأضداد ..الفيلم الفرنسي «الابن الآخر»: حل ساذج لقضية معقدة !

2022-07-20

علي المسعود * 

أدخلت المخرجة الفرنسية لورين ليفي وهي كاتبة السيناريو بالاشتراك مع ناتالي سوجون ونعوم فيتوسي، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في فيلم «الابن الآخر» عام 2012. يسلط الفيلم الضوء على صراع الهويات، إذ تقود الأقدار الرضيع اليهودي للعيش في الضفة الغربية في كنف عائلة فلسطينية تحت اسم (ياسين) في حين يذهب الرضيع الفلسطيني مع عائلة إسرائيلية في تل أبيب، ويأخذ اسم (جوزيف). ونتيجة لذلك، ينشأ جوزيف في بيئة يغلب عليها الطابع العسكري ورفاهية العيش، بينما يعايش ياسين هموم الفلسطينيين وراء الجدار العازل في بيئة تعاني الفقر والحرمان.

الحكاية

الشاب جوزيف (جول سيتروك) موسيقي يبلغ من العمر 18 عاما، يأمل في الانضمام إلى سلاح الجو الإسرائيلي، على الرغم من أن هدفه الحقيقي هو أن يكون مغنيا شعبيا على غرار ديلان، يعيش في كنف والديه، الأم الطبيبة المولودة في فرنسا أوريث (إيمانويل ديفوس) والده الضابط في الجيش الإسرائيلي ألون (باسكال إلبه). وعند كشف فحص الدم لغرض الخدمة العسكرية لجوزيف يحدث الزلزال، حين لا تتطابق نتائج فحص الدم الذي يجريه جوزيف مع أي فصيلة لدم والديه. والدته الطبيبة عازمة على اكتشاف «الخطأ» في الاختبار. على جانبٍ أخر، يسير ياسين في طريقه إلى المنزل لزيارة والديه سعيد (خليفة ناطور) وليلى (عرين العمري) في الضفة الغربية عند عودته من باريس بعد تخرجه. يبدأ الفيلم في الانهيار عندما يجتمع مدير العيادة مع كلتا المجموعتين من الآباء لشرح ما حدث، بعد مزيد من التحقيقات تبين أن مستشفى ريتشفيلد في مدينة حيفا الذي وُلد فيه الطفلان قد تعرض لهجوم صاروخي خلال حرب الخليج عام 1991، ما أدى إلى الفوضى والارتباك، وأن التبديل حدث عندما تم إخلاء المستشفى. هذا هو خط الحبكة، لكن بعد اكتشاف الخطأ، كيف ستتصرف العائلتان؟ وما الذي يزعجهما أكثر.. أن يكون ابنهم نشأ عند العدو، أم أنه تربى على دين آخر؟

أسئلة خيالية

من الواضح أن اكتشاف الحقيقة أمر مدمر، خاصة بالنسبة للابنين – جوزيف وياسين – ولعائلتيهما أيضا، هذا ينطبق بشكل خاص على الأبوين (إلبي وناطور) اللذين يتمسكان بحقدهما، ويتجادلان مع بعضهما بعضا حول الحرب والاحتلال، حتى وهما يحاولان الالتقاء وإيجاد أرضية مشتركة من أجل ابنيهما. لكن الوالدتين تختاران مشاركة حبهما بشكل علني مع الابنين منذ البداية. تظهر الاختلافات الصارخة بين حياة الفلسطينيين (الذين يعيشون في عالم قمعي شبه فقير) والإسرائيليين (الذين هم أكثر حرية وأفضل حالا) الأب الفلسطيني والشقيق قلقان بالدرجة الأولى من أن الابن نشأ في حضن «الطرف الآخر» العدو التاريخي سارق الأرض والسلام، لذا من المستحيل قبوله الآخر. بدا المشهد صعبا لشرح الموقف لكلا العائلتين، واحدة عربية تربي طفلا إسرائيليا، والأخرى إسرائيلية تربي طفلا عربيا، ليفتح الفيلم بتلك المصادفة في الولادة أسئلة عدة أمام الجمهور عن الهوية، والدين الذي اختلط في ذهن الابن الإسرائيلي، وعن الوطن الذي زُرع في داخل كلا منهما، ليكتشفا في ليلة واحدة إن كل واحد منهما هو الابن الآخر. في واحدة من أكثر المشاهد إثارة في الفيلم، يقوم جوزيف بزيارة إلى فلسطين بمفرده ويلتقي بأخيه بلال (محمود شلبي) وهو شاب غاضب للغاية، مع كراهية عميقة لليهود الذين احتلوا البلد وذكريات عن أخيه الشهيد. كسر جوزيف الجليد بأغنية تجمعهم جميعا، بل إنها تدفع سعيد للانضمام إلى آلته الموسيقية المفضلة، وهذه الفكرة الساذجة في التذكير، بأن الصراع في الشرق الأوسط يمكن أن يحل في جلسة غداء أو فنجان قهوة، لأن هذا الصراع ليس شجاراً عائلياً، بل هو قضية وطن مسلوب وقضية قدّمَ من أجلها الآلاف من الشهداء. العائلات لديها رابطة أخرى وهي اللغة الفرنسية، حيث ولدت والدة جوزيف في فرنسا، وكذلك والدا زوجها، وياسين يدرس في باريس حيث يخطط للالتحاق بكلية الطب، وهذه ليست مجرد صدفة. وهذا يعني أن اهتمام المخرجة بالحياة النفسية والتفاعلات العاطفية لشخصياتها أكثر من اهتمامها بظروفهم السياسية. لكن الجدار الذي يفصل بين إسرائيل والأراضي في فيلم (الابن الآخر) المغلف بأسلاك شائكة وتحت أعين ومراقبة جيش الاحتلال يجسد الصورة الصارخة لهذا التعسف، ويمثل أيضا حواجز الهوية، التي لا يمكن اختراقها والتي نبنيها حول أنفسنا. ورغم ذلك فإن أسئلة الهوية والاختلاف التي تسردها المخرجة ليفي هي مسائل خيالية ولا تنتمي للواقع الصادم للتجاوزات والممارسات اللانسانية التي يقوم بها جنود الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينين العزل.

صراع فنجان الشاي

وسرعان ما أقام الشابان رابطا مع بعضهما بعضا، ووجدا أنهما من نواحٍ عديدة ليسا مختلفين تماما. في المشهد الأخير من الفيلم دخل جوزيف وبلال في معركة مع بعض الغرباء المخمورين على الشاطئ، أحد هؤلاء الرجال يطعن جوزيف، في المستشفى يتساءل مع شقيقيه الفلسطينيين «إذا توفيت، فهل سأدفن كعربي أم يهودي؟».
الرسالة الإنسانية للفيلم عن الحب الذي ينتصر على الكراهية والعنف، لا تلقى صدى على أي مستوى ذي معنى. لقد تركت بدلاً من ذلك انطباعا مأساويا حقيقيا بأن الأمر سيستغرق مصادفة بهذا الحجم لهاتين العائلتين لتجاوز الحدود التي تفصل بينهما على أمل إيجاد أرضية مشتركة. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بكل تداعياته المعقدة في السياسة والثقافة والتقاليد والدين، يذوب مثل قطعة السكر في فنجان الشاي، يقدم في ضيافة عائلة المحتل بشكل أكثر سلاسة، إنها سخرية واستهانة بعقلية المتفرج!

المزيد من السذاجة

يقدم بلال شقيق ياسين الأكبر (محمود شلبي) الصراع الموجود، حيث يتحول من محبة أخيه إلى كرهه لدمه اليهودي. مشاعر بلال ربما كانت الأصدق في الفيلم. كذلك يقدم «الابن الآخر» مثالاً آخر على التهجين في الأبناء المتبدلين، إحدى الطرق التي يؤكد بها الفيلم على ذلك من خلال تضمينه ميزات في شخصية كل طفل تبدو في غير مكانها في الأسرة الاجتماعية، لكن يتم تحديدها من خلال علم الأحياء الخاص بهم. يوسف على سبيل المثال، وهو جزء من عائلة يهودية ميسورة الحال تعيش في تل أبيب. والده ضابط في جيش الدفاع الإسرائيلي، والأسرة متدينة. جوزيف يريد أن يصبح موسيقيا عندما يكبر، وهو أمر لا يستطيع والده فهمه. ومع ذلك، بمجرد الكشف عن أن سعيد ـ والده البيولوجي ـ موسيقي، يجب أن نفهم أن اهتمام جوزيف وموهبته تنبع من والده البيولوجي. وفي النهاية يصوره الفيلم وهو يغني أغنية مع جميع أفراد الأسرة الفلسطينية. أما ياسين الفتى الذي تربى في الطرف الفلسطيني فيعود من باريس، حيث أنهى البكالوريا مع مرتبة الشرف، وعاد إلى المنزل لقضاء إجازة قبل الالتحاق بكلية الطب. اتضح أن والدته البيولوجية أوريث هي الاخرى قادمة من فرنسا. يبدو الأمر كما لو أن الفيلم يريدنا أن نصدق أن بيولوجيته تحدد مساره التعليمي والوظيفي. فهل يقدم لنا الفيلم تجربة فكرية معقدة لإثبات أهمية تهجين الهوية؟ بالطبع، هذا جزء مما أرادت المخرجة تأكيده، لكن أعتقد القضية المهمة للفيلم هي استخدام الولدين الهجينيين لإثبات حجة التفكير في هوية فلسطين – الأرض التي تضم الإسرائيليين والفلسطينيين – على أنها هجينة بالمثل. فالفيلم يقدم حجة دقيقة للغاية ومقلقة من أجل حل الدولة الواحدة، كخيار لمستقبل إسرائيل وفلسطين، الذي لا يكاد يكون مرئيا حتى في الطيف السياسي اليوم.
إن قبول المخرجة بالجدار العازل والتأقلم معه، يحول قصة الفيلم إلى مجرد خيال، كما أن القضية معقدة أكثر من اقتصارها على اكتشاف شابين في الثامنة عشرة من عمريهما أنهما عاشا في بيتين لا ينتميان إليهما، ورغم أن المخرجة ذكرت في اللقاءات الصحافية، أنها أرادت في فيلمها أن تحيد عن الخوض في غمار البعد السياسي للحكاية، لكنها تناست أن صورة جدار الفصل العنصري ومعاناة الشعب الفلسطيني، ورسم صورة لإنهاء الصراع فقط بزيارة بين العائلتين وتناول الطعام وبالتالي أصبحت العلاقة بين الشابين (وهما الجيل الثاني) طبيعية وهذه هي رسالة الفيلم، التي ارادت المخرجة ليفي ترويجها، وبمعنى آخر هي فكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني وترويج أنهم دعاة سلام، وأن كل الجراح قابلة للالتئام، وبالتالي يتعين على الإسرائيليين والفلسطينيين التغلب على عداءهم لبعضهم بعضا وقبول «عائلة» هجينة جديدة تتكون من أفراد «العائلات» الأصلية المشابهة.

*كاتب عراقي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي